كم تساوي حياة البشر؟ سؤال فلسفي يحييه كورونا ويعرف إجابته الاقتصاديون
الجواب على هذا السؤال معروف حاليا في بعض الدول، حيث روح البشر كـ"قيمة إحصائية" تساوي 3 ملايين دولار في فرنسا و10 ملايين في أمريكا
الصحة أم الاقتصاد؟ هل نستمر في الإغلاق لضمان حماية أكبر للأرواح أم نعيد الفتح لإنقاذ أرزاق ومصالح البشر؟ باتت هذه الثنائية القاسية محط نقاش العالم في حقبة كورونا.. ولم يعد سؤال "كم تساوي الحياة؟" فلسفيا بقدر ما أصبح واقعيا يسعى الاقتصاديون للإجابة عليه.
والجواب على هذا السؤال معروف حاليا في بعض الدول، حيث روح البشر كـ"قيمة إحصائية" تساوي 3 ملايين دولار في فرنسا و10 ملايين دولار في أمريكا، وفقا لفرانس برس.
فكرة "القيمة الإحصائية" لحياة البشر
لكن في عهد ما قبل كورونا.. ما الذي دفع الاقتصاديين إلى محاولة الإجابة على تساؤل كهذا؟
تعود بداية هذه الأبحاث إلى الحرب الباردة. ففي نهاية أربعينات القرن الماضي، فكر الجيش الأمريكي في استراتيجية لتوجيه ضربة جوية إلى الاتحاد السوفياتي.
وتوصل معهد "راند كوربوريشن" الذي يقدم النصح له أنه سيكون "من المربح أكثر" إرسال عدد كبير من الطائرات البدائية لإغراق الخصم.
لكن هيئة الأركان شعرت بالاستياء بسبب حساب "كلفة" أرواح الطيارين في عملية كهذه.
لاحقا، وفي نهاية ستينات القرن الماضي طرح توماس شيلينغ (الذي حاز جائزة نوبل للاقتصاد في 2005) السؤال بشكل مختلف.
لم يعد السؤال "كم تساوي الحياة؟" بل أصبح "كم يكلف خفض خطر الموت؟".
وهنا فرضت فكرة قيمة "الحياة إحصائية" نفسها وهي الأكثر استخداما لكن الخبراء يعترفون بأنها ليست مثالية.
كورونا.. الفتح أم الإغلاق؟
مع انتشار كورونا وفرض إجراءات العزل وتجميد النشاط الاقتصادي، قفزت معدلات البطالة وأضحت الأوضاع الاقتصادية هشة، ما دفع مجددا إلى فكرة البحث عن قيمة الحياة.
وكتب دانيال هامرميش الخبير الاقتصادي الأمريكي في موقع "معهد اقتصادات العمل" (ايزا) للأبحاث المتعلقة بالعمل أن "هناك تحكيما بين الخسائر في الأرواح أو الخسائر الاقتصادية".
وبدأ بعض الخبراء إجراء حسابات، حيث يرى بريس ويلكنسون في مقال لمعهد "مبادرة نيوزيلندا" المركز الفكري الليبرالي أن إنفاق 6,1% من إجمالي الناتج الداخلي للبلاد لإنقاذ أرواح 33 ألفا و600 شخص على الأكثر قد يكون مبررا.
لكنه قال "قبل أن ننفق مبالغ أكبر يجب أن نتساءل ما إذا كنا سننقذ مزيدا من الأرواح بالاستثمار في طرق أكثر أمانا أو في إجراءات صحية".
3 ملايين في فرنسا و10 ملايين في أمريكا
ويرى هامرميش من جهته أنه لإنقاذ حياة شخص واحد في الولايات المتحدة تضيع 200 وظيفة أي 4 ملايين دولار من الأجور في المعدل، في بلد تقدر هيئات فدرالية عدة "القيمة الإحصائية للحياة" بما بين 9 و10 ملايين دولار.
لذلك يرى هذا الخبير أن إنقاذ الأرواح هو الخيار الاقتصادي الأفضل، إذا لم يؤخذ في الاعتبار أيضا أن "الحياة تتم خسارتها إلى الأبد" خلافا للوظيفة.
وهذه القسوة الحسابية تثير الخوف رغم أن مفهوم "القيمة الإحصائية للحياة" معروف من قبل كل صانعي القرارات في العالم.
وهذه القيمة محددة بحوالي 3 ملايين دولار في فرنسا منذ تقرير صدر في 2013 للمفوضية العامة للإحصاءات والاحتمالات.
من أين جاء هذا الرقم؟ توضح بياتريس شيرييه الباحثة في المركز الوطني للبحث العلمي لوكالة فرانس برس أن "الناس قادرون على تحديد سعر لقبعة واقية لركوب الدراجات، وهناك تعويضات للمهن التي تنطوي على مخاطر... على هذه الأمور يستند الحساب".
عبر الجمع بين هذه الخيارات الاقتصادية التي تزيد أو تنقص بشكل طفيف احتمال الموت، توصل علماء الإحصاء إلى رقم 3 ملايين دولار.
ويرى بيار ايف جوفار الأستاذ في "سكول اوف ايكونوميكس" في باريس والمتخصص في الاقتصاد والصحة، في تصريح لفرانس برس أن "الرقم يثير الاشمئزاز إذا اعتبر قيمة حقيقية لحياة إنسان".
وأضاف أنه يجب أن ينظر إليه على أنه "أداة لتحديد الموارد لسياسة سلامة الطرق والصحة والبيئة".
أما منظمة الصحة العالمية فتنصح بتقييم النفقات الصحية وفق مفهوم "سنة حياة بصحة جيدة"، أي أن كسب سنة يجب ألا يكلف أكثر من 3 أضعاف إجمالي الناتج المحلي للفرد الواحد.