رواد الأعمال الاجتماعيين.. قيادة مبتكرة لخدمة البيئة وتغير المناخ
يلعب رواد الأعمال الاجتماعيون دورًا حاسمًا في قيادة التغيير المستدام ومعالجة القضايا الاجتماعية والبيئية.
إذ إنهم يجمعون بين مهارات تنظيم المشروعات والشغف العميق لخلق تأثير إيجابي، وتدفعهم الرغبة في إيجاد حلول مبتكرة لمشكلات العالم الأكثر إلحاحًا، وعلى رأسها مشكلة تغير المناخ.
وتعتبر الشركات والمؤسسات جهات فاعلة مهمة في تقديم الحلول لتغير المناخ والتخفيف من أسبابه وآثاره، وتتمثل الركائز الثلاث الموصي بها لعمل الشركات للمساعدة في مكافحة تغير المناخ في تعزيز القدرة على الصمود، والاستفادة من الفرص، وصياغة النتائج التعاونية. وفي هذا الصدّد، يحقق المبتكرون الاجتماعيون خطوات واسعة في تقديم حلول مبتكرة وفعالة.
- ملياردير التكرير.. من هو السير جيم راتكليف منقذ مانشستر يونايتد؟
- أثرياء العالم 2023.. العشرة الناجون من عصر الحروب
فيما يلي أربعة من المبدعين الاجتماعيين الذين ينشرون استراتيجيات مبتكرة لمعالجة القضايا المتعلقة بالمناخ في الزراعة والحفاظ على المياه والهجرة وسلاسل القيمة المستدامة. وتستخدم حلول هؤلاء المبتكرين نهجًا تعاونيًا من القاعدة إلى القمة، يوفر الحماية من تأثيرات تغير المناخ، ويحسن نتائج التنمية المهمة ويعزز نماذج التنمية المستدامة في مجتمعاتهم.. وفيما يلي هذه النماذج:
1- بناء ضمانات للهجرة الناجمة عن المناخ (جان ساهاس، الهند)
تشير تقديرات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى أن متوسط النازحين قد بلغ نحو 21.5 مليون شخص سنوياً؛ نتيجة للأحداث المتعلقة بالمناخ، مما يجعل الهجرة القسرية الناجمة عن المناخ مشكلة هائلة وتعرض العمال المهاجرين للاستغلال.
في جميع أنحاء جنوب آسيا، تتصدر " مبادرة جان ساهاس" جهود الحد من انتشار ظروف العمل المعاكسة من خلال ضمان الهجرة الآمنة للعمال. بالإضافة إلى ذلك، تنشر المنظمة بنشاط العديد من المبادرات لتحسين سبل عيش العمال. ومن خلال الاستفادة من التكنولوجيا، تعمل المنظمة مع الحكومات والقطاع الخاص لإنشاء قاعدة بيانات تضم مليون عامل مهاجر، وتوفير الوصول إلى الحماية الاجتماعية، وإنشاء خط مجاني ونشر جهاز تعقب متصل بالإنترنت يمكن أن يساعد في تتبع العمال المهاجرين في الواقع.
ومن خلال مبادرتها الشعبية لأصحاب المصلحة المتعددين، تدعم المنظمة صمود المهاجرين، والاحتياجات الاجتماعية والأمنية والتحديات المشتركة التي تواجهها الأسر الضعيفة في الهند. وقد أثر البرنامج على أكثر من 5 ملايين أسرة مهاجرة، بهدف نهائي يتمثل في الوصول إلى 10 ملايين أسرة. كما أنها تساعد الشركات على تصميم سياسات مسؤولة تركز على العمال.
وتوضح المبادرة أهمية الحلول التي يقودها المجتمع المحلي من القاعدة إلى القمة، والأثر الملموس على المجتمعات والقيمة المتبادلة التي تنشأ عندما يتعاون القطاع الخاص والمبتكرون الاجتماعيون.
2- ضمان إمدادات المياه الصالحة للشرب (بناء بنغلاديش، بنغلاديش)
يفتقر ما يقرب من 30% من سكان العالم إلى إمكانية الحصول على مياه الشرب الآمنة. وستسهم الأحداث المناخية القاسية، بما في ذلك ارتفاع درجات الحرارة والفيضانات وحالات الجفاف المتكررة، الناتجة عن تغير النظم المناخية، في زيادة الضغط على شبكات إمدادات المياه غير الكافية، وستؤدي إلى تفاقم هذا الرقم. وفي منطقة بندربان في بنغلاديش، أصبح هذا التأثير محسوسًا بالفعل حيث يسافر أفراد المجتمع لمسافات طويلة لجمع المياه للاستخدام المنزلي.
وتعالج مبادرة "بناء بنغلاديش" مخاطر إمدادات المياه وتخزينها في المجتمعات الضعيفة من خلال مبادرتها Prokriti o Paani. وتقوم المنظمة من خلال هذه المبادرة ببناء أبراج المياه التي تقوم بجمع وتخزين مياه الأمطار.
ويوفر هذا الحل مياهًا آمنة وخالية من الملوثات للمجتمعات على مدار العام، مما يقلل من ندرة المياه. ومن خلال وضع أبراج المياه بشكل استراتيجي في المواقع المركزية داخل المجتمعات، مكنت المبادرة أربع مناطق من توفير 168 ساعة يوميًا كانت ستنفق في الحصول على المياه وجلبها وتخزينها. علاوة على ذلك، فهو يضمن سلامة النساء والأطفال، الذين يجمعون المياه بشكل أساسي، ويسمح للأطفال بالتركيز على تعليمهم دون جلب المياه.
إن استخدام المواد من مصادر محلية في بناء أبراج المياه لا يعزز الاقتصاد المحلي فحسب، بل يوفر أيضًا لـ"بناء بنغلاديش" حلاً مجديًا اقتصاديًا للمجتمعات الضعيفة التي تعمل فيها. ويضمن النهج التعاوني والشامل لبناء أبراج المياه أيضًا طول العمر والاستدامة، مع استثمار جميع الأطراف في نجاحه.
3- قيادة ثورة الزراعة المتجددة (سيكم، مصر)
تعتمد "سيكم" على قيادة ثورة الزراعة المتجددة في جمهورية مصر العربية، والتي تهدف إلى معالجة التكيف المناخي. إذ تعد الزراعة المتجددة واحدة من أكثر جهود التكيف مع المناخ جدوى واستدامة، وذلك بسبب تركيزها على الحفاظ على سلامة التربة، والاستخدام الأمثل لأنظمة التربة الأرضية والقدرة على استيعاب أشكال مختلفة من الزراعة.
تجمع "سيكم"، من خلال مبادرة "اقتصاد الحب" بين المسؤولية البيئية والفطنة التجارية لإضفاء الطابع الديمقراطي على ضمان وصول كل أسرة بتكاليف منخفضة إلى المنتجات العضوية.
ولتحقيق هذا الهدف، تقوم منظمة "اقتصاد الحب" بتدريب المزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة على الممارسات الزراعية الصديقة للبيئة والمتجددة التي تركز على سلامة أراضيهم على المدى الطويل، كما تدمج المبادرة الاستدامة بشكل كامل في كل جانب من جوانب ممارساتها التجارية، بما في ذلك ضمان التعويض العادل وأدوات التمويل المستدام مثل أرصدة الكربون العالمية والقروض الصغيرة لتزويد المزارعين بإمكانية الوصول إلى رأس المال.
بالإضافة إلى ممارسة الزراعة المتجددة، تتعاون المنظمة مع الشركات الكبرى لتقليل انبعاثات النطاق من خلال دمج الاستدامة في سلاسل التوريد الخاصة بها.
منذ إنشائها، قامت مبادرة "اقتصاد الحب" بزراعة أكثر من 370 ألف شجرة وعزل 16600طن من ثاني أكسيد الكربون.
ويجسد نموذج المنظمة ونتائجها التأثير التحويلي والهادف الذي يمكن أن يحدث عند تقاطع نماذج الأعمال والبيئة.
وقد استفادت "سيكم" من الزخم العالمي الذي حدث بمؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (COP28) من خلال تقديم الدعوة المشتركة من أجل "الزراعة العضوية والإيجابية للمناخ" إلى مجموعة متنوعة من أصحاب المصلحة من الشركات والقطاع العام، والإعلان عن بدء مبادرة 40 ألف مزارع من أجل مستقبل متجدد في مصر.
4- بناء القدرة على التكيف مع تغير المناخ في قطاع التصنيع (قرى برابهات النموذجية البيئية، الهند)
برابهات، هو مشروع تنمية مجتمعية تابع لشركة "هندوستان يونيليفر"، ويجسد قوة الشركات باعتبارها عوامل للابتكار الاجتماعي. ولأكثر من 10 سنوات، تبنت المبادرة استراتيجية تصاعدية للتعرف على احتياجات المجتمعات ومعالجتها والموافقة عليها على طول سلاسل التوريد الخاصة بها.
أحد الأهداف الحاسمة لمبادرة برابهات هو تعزيز مرونة مجتمعاتها المناخية من خلال تطوير القرى البيئية النموذجية، التي تستخدم نهجا تكامليا لمعالجة المشكلات البيئية، بدءا من الحفاظ على المياه إلى إدارة النفايات. الهدف النهائي لهذه القرى البيئية هو تحقيق حالة عدم إرسال النفايات إلى مدافن النفايات، مما يساهم في تعزيز القدرة على التكيف مع المناخ في المجتمعات المقيمة.
حتى الآن، تم تنفيذ 26 موقع تصنيع تابع لشركة هندوستان يونيليفر في أكثر من ألف قرية، ويعمل بها 65 ألف فرد وتؤثر بشكل إيجابي على حياة 9 ملايين شخص. بالإضافة إلى بناء القدرة على التكيف مع تغير المناخ، تهدف المبادرة إلى معالجة الهجرة المناخية، لا سيما في المناطق الريفية وشبه الحضرية، من خلال التعاون بين الفرق الداخلية وقادة المجتمع والمؤسسات الحكومية لتعزيز رفاهية المجتمعات التي يعملون فيها.
يسمح هذا النهج التعاوني للعمال بالازدهار؛ ويخلق نهج أصحاب المصلحة عامل جذب للعمال للالتزام بتنمية مجتمعاتهم، والحد من الهجرة الناجمة عن المناخ.
ومن بين التحديات المتصاعدة المرتبطة بالمناخ، لا يمكن المبالغة في تقدير الدور الذي يلعبه المبتكرون الاجتماعيون في التكيف مع المناخ. إنهم يقودون حلولاً رائدة للتكيف مع المناخ يمكنها حماية المجتمعات والنظم البيئية، مما يجعل التعاون بين المبتكرين الاجتماعيين والشركات والحكومات والمنظمات الخيرية خيارًا استراتيجيًا وضرورة أخلاقية.