أسوأ أنواع الاضطهاد والتمييز هى حالات "القهر البيروقراطي" والظلم الإداري الذي يستنزف أي أمل أو حلم لدى الناس في حياة أفضل وغد مشرق.
لو هناك موسوعة حديثة بعنوان "كيف تحوِّل الأصدقاء إلى أعداء بدون معلم"، فإن العالم العربى وجهاز البيروقراطية فيه هو أفضل من يكتبه بعبقرية واقتدار!!
نحن نحصل على بطولة العالم فى كيفية اختراع منغصات وعناصر مضايقات بيروقراطية تجعل الأصدقاء قبل الأعداء يكرهون "عيشتهم" ويكفرون - والعياذ بالله- بالدولة والوطن والحياة.
حينما انفجر الناس فى الجزائر وتونس وليبيا والعراق ولبنان والسودان كانوا يعبّرون عن وجع عميق وتاريخى من قهر ومظالم وعدم إنصاف وكأنهم يقولون: "نرجوكم إذا كنتم لا تستطيعون أن تجعلوا حياتنا أفضل فلا تجعلوها أسوأ".
كان نيكولو مكيافيلى فى كتابه "الأمير" ينصح الحاكم: "حافظ على أصدقائك، وحاول دائماً أن تكسب أعداءك".
يخطئ من يعتقد أن أقسى أنواع الضغط فى دول العالم الثالث هو الضغط الأمني، بينما النظرة العميقة لمجريات الأحداث في تجارب العالم الثالث هي أن أسوأ أنواع الاضطهاد والتمييز هي حالات "القهر البيروقراطي" والظلم الإداري الذي يستنزف أي أمل أو حلم لدى الناس في حياة أفضل وغدٍ مشرق.
تستيقظ كل صباح تجد ورقة من جهة رسمية فيها ادعاء خاطئ ضدك أو ضد أحد من عائلتك أو ضد أي مصلحة من مصالحك الخاصة.
مثلاً تأتيك فاتورة كهرباء خيالية رغم أنك خارج البلاد منذ شهور.
مثلاً يأتيك تقدير ضرائب عن أعمال لم تعملها وأرباح لم تجنها.
تجد ورقة صغيرة مكتوبة بخط غير مقروء بتاريخ اليوم تدّعى أنها تنذرك للمرة الأخيرة للمثول للتحقيق لقيام سيارتك بصدم طفل رغم أنك لا تملك سيارة ولا تعرف القيادة!
تذهب إلى البنك كي تسحب مالاً من حسابك الشخصي فتجده مجمداً ثم تكتشف أن ذلك يرجع إلى تشابه أسماء مع شخص آخر وعليك أن تثبت "أنك" لست "هو"، و"هو" ليس "أنت"، وهذا يحتاج إلى محامٍ ومال و3 شهور على الأقل!
تجد الحياة صعبة وشبه مستحيلة وتجد نفسك فى حالة صراع مع أشباح لا تعرف من هم، ولا تفهم لماذا يضايقونك وتزداد لديك كل أشكال "فوبيا" الشعور بالمؤامرة الكونية!
فجأة تشعر وكأن هناك مجموعة من البشر ليس لديهم أى هم سوى أن "يكرّهوك في عيشتك"، ويجعلوا التنفس تحت سقف الوطن أمراً مستحيلاً ومؤلماً!
تذهب إلى مستشفى حكومي لتعالج ابنتك فلا تجد سريراً لها، وحينما تجد لا يتوافر الدواء، وإذا توافر تجده منتهي الصلاحية.
تحاول إلحاق ابنك بمدرسة حكومية فتكتشف أنه لا يوجد مقعد له في فصل من الفصول، وحينما "تدفع" من تحت الطاولة ويجدون له ذلك المقعد تكتشف أن التعليم ليس مجانياً وأن فاتورة الدروس الخصوصية أكثر كلفة من فاتورة المدرسة الخاصة.
يتعرض ملايين الناس لمثل هذه الأفعال العدائية ضدهم بشكل يومي، وحينما يصبح ذلك "أسلوب حياة"، وحينما يصبح أمراً لا يطاق ولا يحتمل فوق طاقة أي إنسان على الاحتمال ينفجر الناس بشكل جماعي في وجه القهر البيروقراطي الذي يمثله الجهاز الحكومي والإداري للدولة.
بعد ذلك يصبح من السذاجة والجنون أن يطرح بعض أصحاب القرار السؤال التقليدي: "لماذا يكرهنا الناس"؟!
نرجوكم لا تتعجبوا أنتم تصنعون أعداءكم.
وحينما انفجر الناس في الجزائر وتونس وليبيا والعراق ولبنان والسودان كانوا يعبّرون عن وجع عميق وتاريخي من قهر ومظالم وعدم إنصاف، وكأنهم يقولون: "نرجوكم إذا كنتم لا تستطيعون أن تجعلوا حياتنا أفضل فلا تجعلوها أسوأ".
وكأنهم -أيضاً- يقولون: "اكفونا شروركم"!
نقلاً عن "الوطن المصرية"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة