الذكاء الاصطناعي يستنجد بـ«لمسة البشر».. مفاجأة للمبدعين

فوجئت مصممة الجرافيك ليزا كارستنز، أن التكنولوجيا نفسها التي كان من المفترض أن تُخرجها من العمل، تُشغلها الآن أكثر من أي وقت مضى.
وكارستنز، وهي عاملة مستقلة مخضرمة مقيمة في إسبانيا، تقضي الآن جزءًا كبيرًا من يومها في العمل مع شركات ناشئة وعملاء أفراد يسعون لإصلاح محاولاتهم الفاشلة لتصميم شعارات مُولّدة بالذكاء الاصطناعي.
وغالبًا ما تكون الرسومات التوضيحية التي يُحضرها العملاء إليها مليئة بخطوط غير واضحة ونصوص غير منطقية، وتبدو كفوضى من البكسلات عند تكبيرها إلى ما يزيد عن حجم معين.
وقالت كارستنز، "هناك أشخاص يُدركون أن الذكاء الاصطناعي ليس مثاليًا، وهناك أشخاص يأتون إليك غاضبين لأنهم لم يتمكنوا من إنجاز ذلك بأنفسهم باستخدام الذكاء الاصطناعي، وعليك أن تكون متعاطفًا معهم، لا تريد أن يشعروا بالغباء، لذا عليك إصلاح الأمر."
يعتمد الوصول إلى مخرجات دقيقة من أدوات الذكاء الاصطناعي على جهد بشري مكثف، إذ توظف الشركات أشخاصا لمراجعة ما تنتجه النماذج وإصلاح الأخطاء الناتجة عن البوتات التي لم تتقن عملها بعد كما نظن، وفقا لتقرير إن بي سي نيوز.
وتشكل مثل هذه الوظائف جزءًا من فئة جديدة من العمل التي أفرزتها طفرة الذكاء الاصطناعي التوليدي التي هددت بإزاحة الوظائف الإبداعية على نطاق واسع.
إذ يمكن لأي شخص الآن كتابة منشورات على المدونات، أو إنتاج رسوم بيانية، أو برمجة تطبيق باستخدام بضعة مطالبات نصية، ولكن المحتوى الذي يولد بواسطة الذكاء الاصطناعي نادرًا ما يشكل منتجًا نهائيًا مرضيا بالكامل.
ولقد أحدثت هذه المشكلة تحولاً في سوق العمل للعديد من العاملين المؤقتين، ورغم القلق السائد من أن الذكاء الاصطناعي يحل محل العمال في مختلف القطاعات، يقول البعض إنهم وجدوا فرص عمل جديدة نتيجةً لعدم كفاءة الذكاء الاصطناعي، مثلا، يُطلب من الكُتّاب تحسين كتابات ChatGPT.
ويُوظف الفنانون لإصلاح صور الذكاء الاصطناعي غير المتقنة، حتى مطورو البرامج مُكلفون بإصلاح التطبيقات المعيبة التي تُبرمج بواسطة مساعدي الذكاء الاصطناعي.
ووجد تقرير حديث لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا أن الذكاء الاصطناعي قد حلّ محلّ العمال المُستعان بهم من مصادر خارجية أكثر من الموظفين الدائمين، ولكنه وجد أيضاً أن 95% من برامج الذكاء الاصطناعي المُولّدة للشركات لا تحقق أي عائد على الاستثمار.
ويذكر التقرير أن "العائق الأساسي أمام التوسع ليس البنية التحتية أو التنظيم أو الموهبة، بل التعلم، فمعظم أنظمة الذكاء الاصطناعي لا تستوعب الملاحظات، ولا تتكيف مع السياق، ولا تتحسن بمرور الوقت".
وبالنسبة لكارستنز، فإن الشعارات التي يُنشئها الذكاء الاصطناعي والتي يرسلها العملاء إليها تكون أحيانًا جيدة التصميم لدرجة أنها لا تتطلب سوى بعض التعديلات من جانبها، ولكن في أحيان أخرى، يتطلب تقديم نتيجة عالية الجودة من كارستنز إعادة رسم الشعار بالكامل من الصفر مع الالتزام بالتصميم الذي أنشأه الذكاء الاصطناعي، والذي غالبًا ما يستغرق وقتًا أطول مما لو كانت قد ابتكرت التصميم بنفسها.
ويقول العديد من الفنانين المستقلين إن إصلاح أخطاء الذكاء الاصطناعي ليس مجال عملهم الأمثل، لأنه عادةً ما يكون أقل أجرًا من الوظائف التقليدية في مجال تخصصهم، لكن البعض يقول إنه يساعد أيضا في تدعيم دخلهم الشهري إلى حد ما.
وقالت الكاتبة المستقلة كيشا ريتشاردسون، "هذا كل ما يمكنك فعله، هو التعلم والتكيف، لديّ بعض الزملاء الذين يُصرّون على عدم العمل مع الذكاء الاصطناعي، لكنني أقول لنفسي، طالما أني أحتاج إلى المال، سأقبله".
وقالت ريتشاردسون، المقيمة في جورجيا، إن نصف وظائفها حاليًا تأتي من عملاء يستعينون بها لتعديل أو إعادة كتابة مقالاتهم المُولّدة بالذكاء الاصطناعي، والتي "لا تبدو بشرية على الإطلاق".
ويجد العاملين على تصحيح عمل الذكاء الاصطناعي، أن بعض العيوب أسهل في التصحيح، مثل إفراط استخدام الذكاء الاصطناعي للشرطات الطويلة، حتى في الأماكن التي يكون فيها استخدام علامات الترقيم الأخرى أكثر منطقية، أو تحيزه الواضح لكلمات مثل "embark" و"deep dive" و"delve".
ولكن، بالإضافة إلى هذه العيوب، قالت ريتشاردسون إن الذكاء الاصطناعي يميل إلى إعطاء إجابات عامة لا تُجيب عن الأسئلة بدقة كما يفعل الإنسان، لذا فإن إعادة كتابة المقال تتطلب أيضًا إجراء بحثها الخاص حول الموضوع المطروح.
لكنها قالت إن العديد من العملاء لا يُقدّرون الجهد المبذول في تجديد مقال ذكاء اصطناعي مكتوب بشكل سيئ، مشيرةً إلى أن الشركات غالبًا ما تُقدم أجورًا أقل لهذه المهام بناءً على افتراض أنها أقل تطلبًا.
وأضافت أن جعل الذكاء الاصطناعي يبدو أكثر إنسانية قد يتطلب قدرًا من التفكير والإبداع يعادل كتابة المقال بالكامل بنفسها.
وقالت ريتشاردسون، "أنا قلقة بعض الشيء لأن الناس يستخدمون الذكاء الاصطناعي لخفض التكاليف، وأحد هذه التكاليف هو راتبي".
لكن في الوقت نفسه، يكتشفون أنهم لا يستطيعون فعل ذلك بدون البشر، فهم لا يحصلون على المحتوى الذي يريدونه من الذكاء الاصطناعي، لذا نأمل أن نستمر لفترة أطول قليلاً.
وفي حين تُكافح الشركات لتحديد نهجها في استخدام الذكاء الاصطناعي، تُشير البيانات الحديثة التي قُدّمت إلى NBC News من منصات العمل الحر Upwork وFreelancer وFiverr إلى أن الطلب على أنواع مُختلفة من العمل الإبداعي قد ارتفع هذا العام، وأن العملاء يبحثون بشكل متزايد عن بشر يُمكنهم العمل جنبًا إلى جنب مع تقنيات الذكاء الاصطناعي دون الاعتماد عليها أو رفضها تمامًا.
وأظهرت بيانات Upwork أنه على الرغم من أن الذكاء الاصطناعي يُؤتمت بالفعل المهام التي تتطلب مهارات مُنخفضة والمتكررة، إلا أن المنصة تشهد طلبًا مُتزايدًا على أعمال أكثر تعقيدًا مثل استراتيجية المحتوى أو التوجيه الفني الإبداعي.
وعلى مدار الأشهر الستة الماضية، صرّحت Fiverr أنها شهدت زيادة بنسبة 250% في الطلب على المهام المُتخصصة في تصميم المواقع الإلكترونية ورسوم الكتب، من "رسومات كتب قصص الأطفال بالألوان المائية" إلى "تصميم مواقع Shopify".
وبالمثل، شهد موقع فريلانسر هذا العام زيادةً في الطلب على البشر في مجالات الكتابة والعلامات التجارية والتصميم وإنتاج الفيديو، بما في ذلك طلبات لمحتوى مؤثر عاطفيًا مثل "الخطابات الصادقة".
وقال مات باري، الرئيس التنفيذي لموقع فريلانسر، عن هذه الظاهرة، خطابات ChatGPT سيئة لدرجة أنها قد تتسبب في انفصال العشاق عن بعضهم البعض إذا ما استخدمت الأداة لصياغة رسالة عاطفية.
وأضاف، "وينطبق الأمر نفسه على العلامات التجارية، فالسوق يعرف متى يُنتج الذكاء الاصطناعي شيئًا ما بالكامل، ويكون هناك رد فعل فوري عليه".
لا يبدو أن الذكاء الاصطناعي في طريقه ليحل محل البشر في المستقبل القريب، إذ يظل العنصر البشري جزءا لا غنى عنه لضمان جودة الإنتاج. ففي الوقت الذي يقتصر فيه دور الذكاء الاصطناعي على المهام الروتينية أو تلك التي لا تحتاج إلى مهارة، يزداد الطلب بشكل ملحوظ على الأعمال المعقدة والإبداعية.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTg2IA== جزيرة ام اند امز