من طوابير الذل إلى طوابير السهر.. مشهدان متناقضان في لبنان
مشهدان يلقيان بظلالهما على لبنان، فمن الطوابير التي يطلق عليها اللبنانيون "طوابير الذّل" أمام محطات المحروقات إلى طوابير المطاعم.
ويندهش البعض كيف يمكن للبناني لا يستطيع تأمين أولوياته أن يؤمن الكماليات للترفيه عن النفس، لا سيما مع صعوبة التزود بالبنزين للتنقل، حيث يفرض على الشخص الانتظار لساعات أمام محطات المحروقات، بل ولا يُسمح له إلا بتعبئة نصف صفيحة لا تكفي ربما للعودة من المحطة إلى المنزل.
ومع تراجع عدد الإصابات بكورونا، والتخفيف من إجراءات التعبئة العامة، والسماح للمطاعم باستقبال زوارها، عادت الحياة تدريجياً إلى لبنان، لا سيما مع انطلاق حملات التطعيم.
ورغم العقبات الصعبة التي تواجه اللبنانيين، والتي يأتي على رأسها ارتفاع سعر صرف الدولار، تطرح علامات التعجب والاستفهام نفسها نتيجة الزحام على أماكن الترفيه رغم كل الضغوطات التي تمر على البلد.
جواب السؤال يأتي في عبارة يرددها بعض اللبنانيين وهي "عيّش"، إذ في كل مرة يثبت اللبناني أن بإمكانه إيجاد وسيلة للهرب مما يعانيه، يقاوم بكل ما أوتي من قوة، يبحث عن الفرح وإن كان إبرة في كومة قش، لا يبالي إن انتظر لساعات أو دفع مبلغاً إضافياً لـ"دليفري" المحروقات في منطقته لتأمين ما يساعده على الوصول للمكان الذي سينسيه، ولو لساعات قليلة، هموم أزمات تطارده منذ حوالي السنتين.
رغم الدمار الذي طال شارع الجميزة الشهير في 4 أغسطس/ آب نتيجة انفجار المرفأ، نفض اللبناني الركام والغبار عنه، وعاد لينبض بالحياة، أو بحسب ما قاله صاحب مطعم دار الجميزة حسن حمود لـ"العين الإخبارية": "نقيم حفلات يومين في الأسبوع، في معظم الأوقات يمتلئ المطعم بالزبائن، وهم ٩٠% من اللبنانيين وعدد قليل فقط من المغتربين، و١٠% من السائحين".
وعن الأسعار قال: "السهرة مع العشاء بنحو ٢٥٠ ألف ليرة، أي اقل من ١٥ دولارا" مؤكداً أن "هذه الأسعار كي نتمكن فقط من الاستمرار وألا نجبر على إغلاق مؤسساتنا".
أما ايلي عوض صاحب The moon club فقال لـ"العين الإخبارية": "خفضنا الأسعار لجذب الزبائن، أحيانا تنفد كل البطاقات وأحياناً أخرى يبقى مقاعد فارغة".
وعن المشهدين المتناقضين بين الزحام أمام محطات المحروقات والزحام أمام المطاعم، قالت الكاتبة والإعلامية منال الربيعي لـ"العين الاخبارية": "بعد كل الذي نعانيه، لا بد من أن نجد متنفساً كي لا نكتئب وننهار، من هنا يشكل الخروج من المنزل وسيلة للتخفيف من ضغوطات الحياة، إلا أن ذلك لا ينفي أني خفضت من زيارة المطاعم ما يقارب 50%، لأسباب عدة، على رأسها أزمة البنزين، التي دفعتني وأصدقائي إلى تقاسم المهمة، فكل مرة تقع مسؤولية نقلنا إلى المطعم على واحدة منا".
وعن كيفية تأمينها المحروقات أجابت: "من السوق السوداء، فهناك شاب أعرفه يعمل في هذا المجال، يوصل جالونات البنزين إلى المنزل بسعر مضاعف 3 مرات، واذا كان لا يتوفر عنده ليس أمامي سوى الانتظار في الطابور".
وأشارت إلى أنه "في حال لم نؤمن البنزين للسهر نطلب سيارة أجرة بكل سهولة، ورغم كل الذي نعيشه في لبنان لن يتمكن أي من المسؤولين أن يقتلوا فينا حبنا للحياة، فهذه ميزة اللبناني منذ أن أبصر النور على الأرض".
على عكس منال، حسين كسر لا يزال مستمرا في العيش وكأن لا أزمة تعصف بالبلد، حيث يقول لـ"العين الإخبارية": "أحاول الهروب من المهزلة التي نعيشها إلى المقاهي والمطاعم لـ(تغيير جو) والابتعاد عما يعصف بنا من مآس".
أما كيف يؤمن البنزين فقال: "في كل مرة أقصد فيها المحطة أفتعل إشكالاً لكي لا أنتظر طويلاً".
وبسؤاله أليس ولديك أحق بالمال الذي تدفعه؟ قال: "أحمد الله أنه بإمكاني تأمين الطعام والشراب لهما وكل ما يحتاجانه من خلال عملي في تلحيم الألومينيوم، وفي الوقت عينه أجد أن الترفيه عن النفس خطوة ضرورية كي لا نختنق ونكتئب".
كل ذلك لا ينفي أن القسم الأكبر من اللبنانيين لا يستطيعون تأمين قوت يومهم، والدليل تقرير اليونيسف الذي أشار إلى أن ٣٠% من أطفال لبنان ناموا الشهر الماضي ببطون خاوية.
لكن التناقض الذي يعيشه لبنان اليوم، يبدو وكأنه ينعكس على كل الجوانب الحياتية بما فيها الصراع الدائم ما بين الأساسيات والكماليات في بلد تعصف فيه الأزمات.
aXA6IDMuMTM1LjE4OS4yNSA= جزيرة ام اند امز