هل ضرب المرأة حلال في الإسلام؟.. "مباح بشروط" (تقرير)
بين الحين والآخر تفتح وسائل الإعلام ملف ضرب الزوجات، ويتحدث البعض عن وجود علاقة بالتقاليد والشريعة الإسلامية.
آخر مثال على ضرب الزوجات، حادث عروسة الإسماعيلية بمصر، التي ضربها زوجها أمام الجميع يوم زفافها، ووقتها خرج ليؤكد أن الضرب شيء طبيعي وفقًا للعادات والتقاليد، وأنه لا يتنافى مع حبه لها.
بعد عدة أشهر، قام الزوج وأشقائه بضرب زوجته، مما دفعها لتحرير محاضر ضده، فتم القبض عليه واتهامه بالتعدي عليها.
ما حكم الضرب في الإسلام؟
ذكر الله ضرب المرأة في القرآن الكريم كمرتبة ثالثة من علاج النشوز للمرأة المتمردة على زوجها، فقال تعالى: (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ) [النساء: 34].
واتفقت المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (البحر الرائق لابن نجيم 3/236) والمالكية (التاج والإكليل للمواق 4/15) والشافعية (الغرر البهية لزكريا الأنصاري 4/225) والحنابلة (الإقناع للحجاوي 3/250) على أن المرأة إن لم ترجع بالوعظ والهجر في المضاجع تؤدب بالضرب.
لكن الشريعة لم تجعل الضرب مباحًا على الإطلاق بل وضعه له شروط ثلاث: أن يكون الزوج متأكدًا أن ضربه سيعيد زوجته لطاعته، كما نص المالكية والشافعية.
وثاني هذه الشروط: ألا يكون الضرب مبرحًا، وفي هذا الشرط اتفقت المذاهب الأربعة. أما ثالث الشروط فألا يكون الضرب على الوجه أو المهالك، كما قالت المالكية والشافعية والحنابلة.
هل الضرب واجب؟
لم يذكر القرآن ضرب المراة إلا في موضع واحد لمواجهة النشوز، تقول دار الإفتاء المصرية: "إن النشوز مخالفة اجتماعية وأخلاقية تمتنع فيه المرأة عن أداء واجباتها، وتلك الواجبات هي حقوق الزوج، كما أن واجبات الزوج تعتبر حقوقا للزوجة، وفي تلك المخالفة الاجتماعية والأخلاقية أرشد الله الرجال لعدة بدائل في تقويم نسائهم حسب ما تقتضيه طبيعة كل زوجة من جهة، وطبقًا للعرف السائد والثقافة البيئية التي تربت عليها المرأة والتي من شأنها أن تكون أكثر تأثيرًا في إصلاحها من جهة أخرى".
وأوضحت الدار أن "هذه البدائل لا يتعين فيها الترتيب، بدليل أن السياق جاء بـ (واو العطف) وليس بـ (ثم)، فعلى الزوج أن يتعامل مع زوجته بالوعظ، وهو لين الكلام وتذكيرها بالله وحقه الذي طلبه الله منها، كما أباح له الشرع أن يهجرها في الفراش في محاولة منه للضغط عليها للقيام بواجباتها من غير ظلم لها ولا تعدٍّ عليها، وشرطه أن لا يخرج إلى حدّ الإضرار النفسي بالمرأة".
وتقول الإفتاء المصرية إن خيار الضرب المذكور في الآية، بإجماع الفقهاء، لا يقصد به إيذاء الزوجة ولا إهانتها، وإنما جاءت إباحته في بعض الأحوال على غير جهة الإلزام، وفي بعض البيئات التي لا تعد مثل هذا التصرف إهانة للزوجة ولا إيذاءً لها، وذلك لإظهار عدم رضا الزوج وغضبه بإصرارها على ترك واجباتها؛ وذلك بأن يضربها ضربة خفيفة على جهة العتاب والإنكار عليها بحيث لا تترك أثرا، ويكون ذلك بالسواك وفرشة الأسنان وغيرهما مما ليس أداة فعلية للضرب.
هل ضرب رسول الله زوجاته؟
لم يرد في كتب التاريخ أو السيرة أو الحديث أو الفقه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ضرب واحدة من زوجاته، وجاء في الحديث الصحيح في صحيح مسلم عن السيدة عائشة رضي الله عنها، قالت: (ما ضرب سول الله صلى الله عليه وآله ولم شيئًا قط بيده، ولا امرأة، ولا خادمًا).
وروي عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (لا تضربوا إماء الله)، ثم عندما اشتكت الزوجات من أزواجهن بسبب الضرب قال لهم: (لقد أطاف بآل بيت محمد نساء كثير يشكون أزواجهن، ليسك أولئك بخياركم) [سنن أبي داود].
القضية عرف لا دين
قال الطاهر بن عاشور في تفسيره التحرير والتنوير: (5/ 41- 42): "وعندي أنّ تلك الآثار والأخبار مَحْمَل الإباحة فيها أنّها قد روعي فيها عُرْفُ بعض الطبقات من الناس، أو بعض القبائل، فإنّ الناس متفاوتون في ذلك، وأهل البدو منهم لا يعُدّون ضرب المرأة اعتداءً، ولا تعدّه النساء أيضًا اعتداء، فلا جرم أنّه أذن فيه لقوم لا يعُدّون صدوره من الأزواج إضرارًا ولا عارًا ولا بدعًا من المعاملة في العائلة، ولا تشعر نساؤهم بمقدار غضبهم إلا بشيء من ذلك".
وأضاف بن عاشور (5/44): أنه يجوز لولاة الأمور "إذا علموا أنّ الأزواج لا يحسنون وضع العقوبات الشرعية مواضعَها، ولا الوقوفَ عند حدودها أن يضربوا على أيديهم استعمال هذه العقوبة، ويعلنوا لهم أنّ من ضرب امرأته عوقب، كيلا يتفاقم أمر الإضرار بين الأزواج، لا سيما عند ضعف الوازع".
في القوانين والمواثيق
منذ سنوات اجتمت اللجنة الإسلامية العالمية للمراة والطفل، وأطلقت ميثاق الأسرة في الإسلام، والذي أكد على أنه لا يجوز اللجوء إلى استعمال العنف وتجاوز الضوابط الشرعية المقررة، واعتبر الميثاق أن من المخالف عليه مسؤولية مدنية وجنائية.
وجاء في القانون المصري رقم 100 لعام 1985، أنه إذا ادعت الزوجة إضرار الزوج بها بما لا يستطاع معه دوام العشرة بين أمثالهما يجوز لها أن تطلب من القاضي التفريق"، وقد جاء في أحكام محكمة النقض المصرية عام 1986.
موقف العلماء المعاصرين
في 2019 قال شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، إن ضرب الزوجة ليس واجبًا ولا فرضًا ولا سنة، بل هو مباحًا إذا كان هو العلاج الوحيد.
وأضاف إن الزوج لو لم يرد فعل ذلك لكان خيرًا، كما أخبر النبي، وأكد أنه لولي الأمر أن يقيد هذا الضرر إذا تفشي الضرر في المجتمع.
وقال مفتي مصر السابق، الدكتور علي جمعة، إن الضرب يكون ضرب عتاب خفيف، وليس عدوان كامل يتسبب في عاهة مستديمة.
وأوضح جمعة، في 2014، إن الطلاق أهون من العداون، فإذا استحالت العشرة كان الطلاق أولى من الجلد والضرب.
وقال جمعة: "ضرب المرأة جريمة".
وقال أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، الدكتور أحمد كريمة، إن الضرب يكون في حدود ضيقة مع المرأة التي تعدت حدود الله، مثل: التبرج والرقص والتهاون في وظيفتها المنزلية وفق ما قرره العرف.
وأضاف كريمة، أن الزوج عليه ألا ينتظر نشوز زوجته، بل عليه معالجة النشوز مع ظهور علاماته الأولى، وأن يسلك العقوبات الثلاث بالترتيب كما قالت الآية القرآنية.
aXA6IDE4LjE5MC4xNzYuMTc2IA== جزيرة ام اند امز