خبير أممي لـ"العين الإخبارية": COP28 المخرج الأخير لأزمة التمويل
د. حسين أباظة.. علينا أن نتعلم الدرس في توظيف القطاع الخاص بشكل صحيح
توحيد الجهود الدولية في التركيز على التنمية المستدامة، هو المخرج الرئيس للعالم من أزمة المناخ، والديون تمثل معوقا للتنمية المستدامة.
ويقول الدكتور حسين أباظة رئيس برنامج الأمم المتحدة للاقتصاد والتجارة الدولية سابقا، كبير الخبراء والاستشاريين في وزارتي التخطيط والبيئة بمصر في مقابلة مع "العين الإخبارية"، إن معالجة الخلل التنظيمي والهيكلي على المستوى الأممي يجب أن يكون على قمة أولويات أي مفاوضات أو محادثات قادمة.
وبحكم عمله لأكثر من 22 عاما في البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة يعتبر أباظة أن وضع الدول برامج وطنية للتنمية المستدامة بتوفير كل الأرقام والإحصائيات والدراسات عن قضية أو قطاع بعينه، يجب أن يكون ذلك مقدمة للحصول على تمويلات المناخ.
ويرى أباظة أن التمويل لم يعد المشكلة حاليا، ولكن كيفية الحصول عليه ونوعية المشروعات أو البرامج التي تحقق الهدف النهائي من التمويل في خفض الانبعاثات وتحقيق التنمية.
روشتة لعلاج الخلل في منظومة العمل المناخي دوليا والحلول طرحها الخبير الأممي
في الحوار التالي..
كخبير إنمائي أممي ماذا تتوقع من مؤتمر الأطراف COP28 في الإمارات؟
أولا لا بد أن يناقش مؤتمر الأطراف المقبل في دبي COP28 مخرجات COP27 الذي عقد العام الماضي بشرم الشيخ، وما نتج عنه من قرارات خاصة صندوق الخسائر والأضرار وما تم فيه.
وعليه يجب البحث عن مخرج لأزمة التمويل بموافقة الدول النامية والدول المتقدمة معا ولا يكون كمن يعزف لنفسه أو يتحدث منفردا، ولكن يجب أن نتذكر أن هذا المؤتمر رقم 28 للأطراف ولا تزال كل المعلومات تؤكد أن العالم سيتجاوز هدف الاحترار العالمي 1.5 درجة مئوية، لذا يجب على الدول النامية ومنها الدول العربية والأفريقية تستعد جيدا بملفات وطنية تقدمها للجهات المسؤولة والمنظمات وأن نتسلح بكل المعلومات في هذه المفاوضات الدولية.
ولماذا لم تحقق مؤتمرات الأمم المتحدة المتتالية الإنجاز المأمول في قضايا المناخ والتمويل؟
يرجع هذا إلى الخلل في بنية المنظومة الدولية ذاتها، نتيجة التعامل مع التغيرات المناخية بدون ترابط مؤسسي وتكامل أدوار، أو تناغم وتنسيق حقيقي، فكل قضية من قضايا المناخ أصبح لها مؤسسة تمثلها ولها موقفها وطريقة إدارتها وأحيانا يكون رؤية وقرار المؤسسة لا يتماشى أو يتفق مع مضمون قرارات مؤسسات أخرى.
فعلى سبيل المثال لدينا برنامج البيئة، والبرنامج الإنمائي، واتفاقية الأطراف لتغير المناخ، ومنظمة الصحة العالمية، والمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، وبرنامج مكافحة التصحر، واتفاقية التنوع البيولوجي، والوكالة الدولية للطاقة، والوكالة الدولية للطاقات المتجددة، جميعهم يعملون وفق سياسات مستقلة وهيكلة خاصة، وأحيانا يكون هناك تعارض في الأدوار أو المخرجات، وهذا يؤثر بلا شك سلبا على الأداء الجماعي، بينما كلمة السر في قضية التنمية المستدامة هي " الدمج والتكامل"، فلا يمكن التعامل مع قضية مثل التصحر بدون التعاون مع اتفاقية التنوع البيولوجي، ولا الجهات المسئولة عن المياه، فبدون الترابط والتكامل لن يتحقق الإنجاز.
وهل عدم التكامل السبب في إشكالية تمويل العمل المناخي عالميا؟
هناك جهات مسئولة عن التمويل مثل الجهات المانحة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي والبنوك متعددة الأطراف، خلافا للبنوك الإقليمية أو الصناديق الخضراء ومؤسسات التمويل الأخضر، وهنا لا يمكن الحديث عن التمويل منفصلا عن جهات معنية كالبرنامج الإنمائي، والفاو والمنظمات الخاصة بالصحة والغذاء، ولابد أن تتوافق توجهات التمويل مع توجهات هذه المنظمات، ولابد أن تتحرر هذه الهيئات من توجهاتها السياسية وأن تركز على المصلحة العالمية.
نفهم من ذلك أن الهيكل التنظيمي العالمي معوق وليس داعم لقضية المناخ؟
البناء والهيكل الحالي للمنظومة الدولية ليس داعم لاتخاذ قرارات جادة قوية حاسمة في قضية المناخ والتنمية المستدامة، وكل دولة لها أجندتها، وعلى سبيل المثال لم توافق الولايات المتحدة على تقديم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لاتفاقية التنوع البيولوجي 1992، وطلبوا عدم الإحراج لأنهم لن يوقعوا، ولكن د. مصطفى طلبة مدير البرنامج الإنمائي وقتها رفض كرئيس للمنظمة الامتثال للطلب الأمريكي، وجميع الدول وقعت على الاتفاقية ما عدا الولايات المتحدة، فالوضع الدولي يسير في هذا الخط.
وهكذا فالبنك الدولي له أجندته وكذا منظمة التجارة العالمية، وكما يحدث على مستوى الدول تطغى المصالح الاقتصادية والشركات متعددة الجنسيات والشركات الكبرى التي لها مصالح على مصلحة الدول الفقيرة والنامية أو حتى مصلحة البشرية.
إذن برأيك.. ما الحلول الممكنة لتفعيل العمل المناخي دوليا وإقليميا ؟
كل دولة لها القدرة على حل مشكلتها بذاتها أولا، ثم البحث عن دعم الخارج، ولكن لكي تحصل على أي مساندة أو دعم خارجي لابد أن تعمل ما عليها من جهد أولا، وذلك يتمثل في توفير هيكل داخلي قوي، يضع برنامج متكامل على أساس علمي بالأرقام لكل القطاعات من القطاعات في الدولة.
وكمثال في برنامج خاص بتخضير قطاع الزراعة في أي دولة، يجب ضم معلومات حجم الإنتاج والاستهلاك والمخلفات والانبعاثات والتشغيل وتوفير الطاقة، وتقليل المخصبات الكيميائية، وفرص العمل وكيف يقلل استخدامات الطاقة والمياه، وتحسين الصحة وتوفير العلاج والأدوية، وكم يدعم التحول في المشروعات الناتج المحلي، وكل هذا يحتاج تكنولوجيا وعمالة مدربة وبنية تحتية ويحب حساب تكلفتها التقديرية على المستوى المحلي، وهذا يفترض أنه لدى أي دولة مثل هذه المعلومات والفوائد والمخرجات التي تفيد الدول والعالم، والجدوى الاقتصادية وكل خطوة بالأرقام، وهذا يتم تقديمه للجهات المانحة للحصول على الدعم والتمويل، فلابد أن يكون هناك مشروع متكامل في قطاع شامل،.
إذا ما تم هذا على المستوى الوطني يمكن تطبيقه على المستوى العالمي، بأن تعمل المنظمات المعنية بالبيئية والمعنية بالناحية التجارية والاقتصادية، وعلى منظمة الأمم المتحدة أن تضع منظومة واحدة لتحقيق التنمية المستدامة ومكافحة أثار تغير المناخ، ويكون الأساس والهدف النهائي دعم جميع السياسات التنمية المستدامة ومكافحة تغير المناخ وتغيير اللغة، ويكون دعم الاستدامة والاقتصاد، في المقام الأول، وتكون جهات التمويل الدولية لديها رؤية أن البيئة والمناخ أساس الأجندة، وعلى مستوى جميع الجهات، ويجب أن تكون الإصلاحات الهيكلية داعمة للتنمية المستدامة ولا تكون الحسابات النهائية عن مكسب فقط دون تحقيق معايير التنمية المستدامة أو تحقيق الأهداف العالمية.
اجتماع دول القارة الأفريقية على قضية
لكن الدول خاصة الفقيرة بحاجة لتمويل ودعم تقني وفني لوضع وإنجاز برامجها الوطنية للمناخ والتنمية.. فكيف تبدأ؟
أساس القضية هو تغيير البنية للثقافة في الدول النامية، فلابد أن يكون لدى الدول وزارات مناخ خاصة تكون مهمتها دمج مشروعات ومفاهيم المناخ في جميع القطاعات، ويكون فيه تنسيق مشترك، ثم يتم نقل هذه المشروعات إلى المستوى الإقليمي، فمثلا لو يتم تخضير الاقتصاد في كل دولة، ثم الإعلان مبادرة تخضير المشروعات.
على مستوى القارة الإفريقية، على سبيل المثال، يمكن التركيز على قضية استدامة مصادر المياه في القارة، ويتم ترابط وتعاون بين الدول المشاركة في الأنهار والحدود، وهذا البرنامج يتم تقديمه للدول المانحة أو الجهات الدولية، حينها سيكون هذا فرصة جيدة للتعامل مع القارة، في ظل توافق جميع القطاعات الإفريقية كالبنك الإفريقي والاتحاد الأفريقي، والجامعات والمراكز البحثية، ويبني على الخبرات والأساسيات الموجودة.
ومثل هذه المشروعات هي الحل للتناحر على المياه في أفريقيا وأزمة السدود، وهذا يسري على أي قطاع اقتصادي، بحث علمي متكامل، وتكامل زراعي، تفعيل التعاون والتجارة، وكذلك السياحة، والصناعة، هذه قضايا كثيرة يمكن فيها تحقيق التنمية المستدامة من ناحية، وزيادة النمو الاقتصادي وتحقيق فوائد مناخية كثيرة.
- مؤسس صندوق حماية الفهود لـ" العين الإخبارية": ننتظر من COP28 قرارات تاريخية
- تحذير خطير من اليونيسيف يخص أطفال أفريقيا الأطفال
وهل هذا التعاون ممكنا رغم أن لكل دولة مصالحها الخاصة ورؤيتها؟
إذن لن يتم حل مشاكل الدول النامية، لأن العالم المتقدم والدول الصناعية الكبرى مشغولة بمشاكلها ومشغولة بتوفير الطاقة وتحقيق النمو الاقتصادي، ومواجهة أثار الحروب التي اندلعت فيها، والعالم المتقدم لن يقدم تمويلات ولا منح وإعانات جديدة بدون مصلحة وبدون أن يحدد مكاسبه، فلو هناك إرادة حقيقية سيكون مثل هذه المشروعات هو السلوك الجمعي للقارة في جميع المجالات.
وهنا يمكن أن نأخذ نموذج دولا مثل بنجلاديش التي وضعت برنامج وطني للقضاء على الفقر، وأصبحت الآن في مصاف الدول المصدرة للمنسوجات، وكذلك رواندا، فمشاريع التنمية المستدامة هي مدخل التحول الاقتصادي في دول العالم الثالث، والبرازيل أكبر نموذج في الفترة الأولى للرئيس لولا دي سليفيا، فهناك تجارب على الأرض ناجحة ويمكن أن تنتقل هذه التجارب من المستوى المحلي إلى الإقليمي، وهذا كله يؤثر عالميا.
فالتمويل الآن يرتبط بالبرامج، والبرامج الناجحة ستصل أقرب وأسهل للتمويل الحقيقي، فلا أحد من جهات التمويل يرى أو يسمع عن مطالب الدعم والمنح بدون برامج حقيقية يمكن تنفيذها، الظروف المواتية الدولية لابد أن تكون متاحة للتعامل مع لتحقيق المصالح.
البرازيل وبنجلاديش ورواندا نماذج للبرامج الوطنية للقضاء على الفقر يحتذى بها
الدول المتسببة في الانبعاثات والإضرار بالمناخ العالمي يجب أن تدفع ثمن هذا الضرر.. هل هذه النظرة موضوعية وممكنة؟
موقف الدول النامية ومجموعة الـ 77 ، تقول دائما إنها ليست السبب في التغيرات المناخية، لكن الدول المتقدمة لم توف أبدأ بما تعهدت به، وهناك عشرات الوعود من عقود طويلة وزاد الأمر الأزمات الاقتصادية والحروب في القارة الأوروبية، فلم يتم حتى اليوم الإيفاء بالتعهدات الدولية بـ100 مليار دولار لتمويل العمل المناخي، وغيرها، ومع الضغط يكون هناك تسويف.
حتى عندما أخذت الدول في مؤتمر شرم الشيخ قرار صندوق الخسائر والأضرار، لم نصل بعد إلى آلية لتحديد كيف سيتم إدارة الصندوق أو كيف سيتم ملئه بالأموال أو تحديد نسب أو شكل المساهمات وكيفية اتخاذ القرار فيه، وهي مناقشات قد تمتد لسنوات، وللأسف التغيرات المناخية والأثار القوية التي تحدث يوميا لن تمهل هذه الدول لحين اتخاذ القرار، فلدينا قضايا ومشاكل أكبر بكثير من وعود.
ولدينا نماذج جيدة لم تنتظر أن يمد العالم يدها إليها وتحركات فالصين وكوريا الجنوبية، وسنغافورة وماليزيا، هذه الدول بدأت العمل واعتمدت على قدراتها وإمكانياتها ووضعت استراتيجيات محلية تعتمد على التمويل الداخلي حتى لا تكون تحت رحمة الجهات الخارجية، فكل الدول التي اعتمدت على التمويل الداخلي ورفضت الاقتراض من صندوق الدولي ورفض الاشتراطات التي طلبتها الجهات المانحة ورفضت الدعم، حققت إنجازات كبيرة .
هل معنى هذا أن الديون والقروض تمثل ضغطا أو معوقا كبيرا للتنمية المستدامة؟
بكل تأكيد وخاصة أن الديون تكون بشروط وإجراء ما يسمي بـ" إصلاحات" قد لا تتوافق وطبيعة الدولة أو قدراتها وخاصة الطبقات الفقيرة، فأغلب التمويلات 80/90 % التي تحصل عليها الدول النامية عبارة عن قروض وعبء إضافي ويزيد أعباء.
لابد من وجود دراسات جدوى للمشروعات قبل البحث عن قروض أو ديون جديدة..
وهنا نعود إلى أن المنظمات الأممية بما فيها جهات التمويل أو الإقراض "مسيسة"، وكل جهة تسير وفق إجراءات وقوى الضغط للدول الأكثر سيطرة، وأي منظمة لدى قيادتها حسابات، وخاصة تدخلات القطاع الخاص وقيادات الدول فالمنظمات تحصل على تمويلها من مساهمات الدول، وهذا ينعكس على اتخاذ القرار والمفاوضات.
ولابد أن نعي أن التغيرات المناخية لها أثار كبيرة على البنية الاقتصادية وعلى النمو الاقتصادي، وكذا في نقص الموارد أو ارتفاع الأسعار، ومن يتحمل العبء هي الدول النامية، فندخل في دائرة عير منتهية فنأخذ قروض ونبيع أصول لسداد الفائدة ، وهكذا بدون برنامج وطني.
المدخل الأخضر حل للأزمات الاقتصادية
هل المعايير الدولية والأوروبية الخاصة انبعاثات الكربون عادلة بالنسبة للدول النامية؟
الدول النامية وخاصة المصدرة للدول الأوروبية ستتأثر الفترة المقبلة بمعايير واشتراطات الخاصة بانبعاثات الكربون، رغم أن هناك شكوك في أن مثل هذه المعايير والقرارات منفردة وتتناقض مع اتفاقية باريس للتغيرات المناخية، تتعارض أيضا مع منظمة التجارة العالمية، وعليه سنعود للنقطة الأولى وهي التنسيق الدولي.
لابد أن يكون السياسات متسقة، فهذه القرارات الأوروبية تضر ببعض الدول، لذلك لابد من توافق سياسيات على المستوى الدولي، ولكن لا ننسى أيضا أن بعض القرارات قد تكون للصالح الوطني كما هو الحال في قانون مكافحة التضخم الأمريكي الذي أتم الشهر الماضي عامه الأول، فالتقييم المنصف له بعد عام أنه فقد حقق مثل هذا القانون أهدافه الاقتصادية أولا والتي بالتالي كانت أهدافا مناخية، فالإدارة الأمريكية أيقنت أن حل المشكلة البيئية والمناخية يبدأ بالاقتصاد ومواجهة التضخم يكون بالمدخل " بيئي"، فلابد من تقليل أسعار الطاقة ، وتقديم حوافز للمنتجات والصناعات الخضراء، واليوم في التقييم خلق فرص عمل وأنشطة اقتصادية واستثمارات – إيجابية في كافة العناصر، ولتحقيق طفرة اقتصادية وتقليل الأسعار والمدخل هو " بيئي" ، المدخل الأخضر، حل مشكلة التضخم والاقتصاد والأسعار، وأصبحت معدلات المباني الخضراء والصناعات والنقل.
هل ترى قانون التضخم الأمريكي وهو بالأساس اقتصادي ساهم في تخفيف وطأة الأزمة المناخية؟
هذا القانون أظهر بوضوح دور القطاع الخاص في الحل، وهنا يجب أن نتعلم الدرس فلو تم توظيف القطاع الخاص بشكل صحيح سيكون مساهم رئيسي في حل الأزمات الاقتصادية والمناخية، فقط يحصل على البيئة التي يستطيع أن يعمل فيها.
aXA6IDMuMTQyLjIwMC4yNDcg جزيرة ام اند امز