الجيش السوري يتحرك بدعم قوي من القوات الروسية، وتحت غطائها الجوي، لكن حركته تظل خاضعة لرؤية موسكو في تقييم الوضع الميداني.
على الرغم من المعارك الضارية وسقوط عشرات القتلى والجرحى وسط الاتهامات المتبادلة والخروقات والخروقات المضادة، يبدو أن حسم هذه المعارك لا يزال ممنوعاً بأمر من الاتفاقات الروسية التركية، وإصرار الجهات الداعمة للفصائل المسلحة على إبقاء موطئ قدم لها، لكي يستمر النزيف وتستمر معاناة ملايين المدنيين والنازحين فيها، فوق ذلك، تحت وطأة الظروف المناخية شديدة القسوة.
اتفاقات وراء اتفاقات كان آخرها اتفاق وقف إطلاق النار بين موسكو وأنقرة، الذي دخل حيز التنفيذ في 12 يناير/كانون الثاني الحالي، الذي جاء بعد مناشدة من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لوقف تقدم الجيش السوري، وفق ما ذكرته الخارجية التركية.
هذا الاتفاق لم يصمد لمدة 48 ساعة، لأنه أولاً جاء مفروضاً على دمشق، وفي ذروة التقدم الميداني للجيش السوري، ولأن "جبهة النصرة" إلى جانب حلفائها، ثانياً، في الأغلب يستغلون مثل هذه الاتفاقات، ليس فقط لالتقاط الأنفاس، وإعادة تنظيم الصفوف، وإنما لشن الهجمات المضادة.
المشكلة تكمن في حسابات المصالح والمقايضات والأدوار التي دائماً ما تكون على حساب المدنيين والنازحين الذين فوق معاناتهم، يشكلون مادة خصبة للاستثمار السياسي.
الأهم من ذلك، هو أن هذا الاتفاق مثل الكثير غيره من الاتفاقات السابقة، كشف عن تباين واضح بين موسكو ودمشق بشأن الحسم العسكري في إدلب، فبينما تريد دمشق حسم معركة إدلب عسكرياً بأقصى سرعة ممكنة، لإغلاق هذا الملف، ووقف تداعياته على المدنيين، وتجنب المزيد من الانتقادات الدولية في هذا الشأن، تبدو موسكو غير مستعجلة في عملية الحسم، على الرغم من أنها تتفق في الهدف النهائي مع دمشق بحتمية عودة محافظة إدلب إلى حضن الدولة السورية، وذلك انطلاقاً من حساباتها القائمة على عدم استفزاز أنقرة، وترك مساحة مفتوحة للمقايضة، كما حدث في مرات سابقة مع "المنطقة الآمنة" في شمال شرقي سوريا، وربما تتعدى هذه المقايضة حدود الداخل السوري لتصل إلى ليبيا، كما تردد على خلفية نقل مقاتلين من محافظة إدلب إلى هناك.
صحيح أن الجيش السوري يتحرك بدعم قوي من القوات الروسية، وتحت غطائها الجوي، لكن حركته تظل خاضعة لرؤية موسكو في تقييم الوضع الميداني، وما إذا كان ذلك التقدم سيضر بمصالحها الخارجية، خاصة في العلاقة مع أنقرة، كما حدث أخيراً حين أوقف الاتفاق الروسي التركي تقدم الجيش السوري على أبواب مدينة معرة النعمان الاستراتيجية، ومنعه من الدخول إليها على الرغم من أنها كانت بحكم الساقطة عسكرياً. ومع ذلك، فإن هذا التباين في الرؤية بين موسكو ودمشق لن يدفع إلى خلاف جدي أو علني بين الجانبين، خاصة أنهما متفقان على الهدف النهائي، وهو بسط سيطرة الدولة السورية على كامل المساحة الجغرافية لسوريا، لكن المشكلة تكمن في حسابات المصالح والمقايضات والأدوار التي دائماً ما تكون على حساب المدنيين والنازحين الذين، فوق معاناتهم، يشكلون مادة خصبة للاستثمار السياسي، سواء من هذه الجهة أو تلك، في ظل تجاهل تام لظروفهم الحياتية الصعبة وقسوة الطبيعة، واستمرار نزيف الدماء لأبنائهم وعائلاتهم في ظل صراع لا ينتهي بين قوى متقاتلة لا تعرف الرحمة، وممنوعة من حسم الصراع حتى إشعار آخر.
نقلاً عن "الخليج الإماراتية"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة