وعلى الرغم من بساطة نطق هذا الدعاء وقصره فإنني أراه اليوم ذا معنى كبير جدا
لطالما سمعت والدي -حفظه الله- دائما ما يرفع يديه إلى السماء داعيا ربه: اللهم اجعل لي عبرة ولا تجعلني عبرة. هذا الدعاء الذي لم أكن ألقي له بالا، إلى أن رأيته رؤيا العين في وقتنا الحاضر، من تداعيات وأنباء عن انتشار هذه الجائحة العالمية -فيروس كورونا المستجد- التي نصبح كل يوم على أرقامٍ مرعبة من وفيات وإصابات.
وعلى الرغم من بساطة نطق هذا الدعاء وقصره فإنني أراه اليوم ذا معنى كبيرٍ جدا، ورسالة واضحة لنا بما يجول ويصول حولنا من أحداث تبدأ خاصةً ثم ما تلبث حتى تكون عامةً على العالم بأسره. معان كثيرة وأهمها ضرورة الالتجاء والتضرع إلى الله في كل أمور الحياة أولا، ثم التعلم من الدروس المستفادة لتجارب الآخرين - إيجابية كانت أم سلبية - منعا من الوقوع في الأخطاء التي وقع بها من قبلنا، وسعيا منا في الوصول إلى النجاح الذي وصل إليه الآخرون، فما يدور حولنا من أحداث وتجارب هي دروسٌ وعبر نكتبها لأجيال بعدنا تعلمنا بعضاً منها في كتب تجارب من قبلنا وبعضٌ آخر خطه زماننا، وهي بلا شك دروسٌ مستفادة تشكل فرصا للتعلم على اختلاف قسوتها ولينها، إلا أن أثرها هو الباقي لسنوات وربما لأجيال، وهي من تقودنا غدا إلى طرق ومسارات جديدة، أو ربما قفزات كبيرة في مجالاتٍ عدة، لم نكن لندركها أو نتوجه إليها بسهولة أو بوتيرة أسرع دون هذه التجارب والعبر القاسية، فكما يقال دائما (رُبّ ضارةٍ نافعة).
يجب أن نشاهد ونتعلم من تجاربنا ومن تجارب غيرنا، ونمحص ما يحدث وكيف يسعى كلٌ في سربه، فها نحن اليوم نرى حكوماتٍ استهانت وتغاضت وأهملت فغدت لنا وللتاريخ عبرةً وعظة، ونرى شعوبا اختارت أن تتحدى هذا الوباء بالاستهتار والاستهزاء فخطت دموعها ندما
إن ما نراه من سرعة الانتشار لفيروس كورونا المستجد ابتداءً من معقل انتشاره في مدينة ووهان عاصمة إقليم هوبي في الصين، وما نراه من إجراءات عزلٍ وأساليب وقايةٍ قامت بها جمهورية الصين الشعبية بوقتٍ قياسي لمكافحته وتقليص انتشاره، وما رافق هذه الجهود الحكومية من استجابة عظيمة لأفراد الشعب الصيني لها ولتوجهات حكومته، رغم كم الخسائر البشرية التي عانوا منها وأبكت مقلهم، إلا أنه سريعا ما تداركوا الخطأ وتجاوبوا مع تطور هذا الخطر بتطوير سريع وفعال لإجراءات الوقاية منه، التي كانت كفيلةً بحصره وتقليصه إلى أدنى المستويات مقارنةً بدول كانت تشاهد الصين مستهينةً بالخطر ولا تلقي له بالا.
في هذه الحياة يجب أن نشاهد ونتعلم من تجاربنا ومن تجارب غيرنا، ونمحص ما يحدث وكيف يسعى كلٌ في سربه، فها نحن اليوم نرى حكوماتٍ استهانت وتغاضت وأهملت فغدت لنا وللتاريخ عبرةً وعظة، ونرى شعوبًا اختارت أن تتحدى هذا الوباء بالاستهتار والاستهزاء فخطت دموعها ندما على الحال الذي آلت إليه، فتحولت أزمتهم إلى كارثةٍ نراهم يدفعون الغالي والنفيس لتداركها.
وفي الجانب الآخر من ميزان التعامل مع التجارب نرى حكومات تتمتع بقيادةٍ حريصةٍ على الاستفادة والتعلم من دروس الآخرين وتجاربهم، فأبدعت ووضعت كل تلك التجارب في عين الاعتبار، فصاغتها بقرارات وإجراءات وقائية في كل المجالات، وبخطى واضحة وثابتة، باذلةً حرصها وجدها في جهدها لحماية ووقاية أبنائها من هذه الجائحة، فهي تراهم جميعاً سواسية (مواطنون - مقيمون - زائرون)، طالما أنهم يتنفسون الحياة على أرضٍ يتحملون مسؤولية قيادتها، ويبقى استكمال تلك الإجراءات في ميزان المواجهة مع هذا الفيروس يصب في كفة تعاون أفراد المجتمع، ومدى انصياعهم لتوجيهات هذه القيادة، فما نراه في إيطاليا أو إيران وغيرها من الدول المتضررة، ومدى سرعة انتشار الوباء بها، لكفيلٌ بالتعلم وأخذ العبر منعًا من أن نكون عبرةً لغيرنا - لا سمح الله - فنرى رغم ما تقوم به الجهات من توعية لمنع التجمعات وتوضيح أساليب الوقاية، إلا أن الجهل في مدى أهمية الانصياع للتوجهات كفيلٌ بتدمير هذه الجهود وتدمير أنفسنا ومن نحب، لذلك لا بد أن نتوحد ونتعاون مع حملات التوعية التي توجه بالابتعاد عن التجمعات، والبقاء في المنزل لحين زوال هذه الجائحة والاستمرار بالالتزام الذي افتخرنا به أثناء برنامج التعقيم الوطني الذي قامت به حكومة دولة الإمارات. الاستمرار في الالتزام ضروري جداً، فإن ما نراه من مشاهد تدمي العين نتيجةً للعدوى السريعة التي يتسبب بها هذا الفيروس وعدم التصدي له بالوقاية اللازمة كافيةٌ لتكون لنا عبرةً نتعلم منها ما لم نكن نعلمه، وتكون درساً ننقله للأجيال المقبلة، فإما أن نعلم وتكن لنا عبرة أو نتجاهل ونجهل فنكون لغيرنا عبرة.
وما أجمل العلم وما أبشع الجهل "وإن من الجهل ما قتل" .
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة