اجتماعات صندوق النقد والبنك الدوليين.. تحديات اقتصادية وسياسية عالمية
بدءا من اليوم الإثنين ولمدة أسبوع يجتمع وزراء المالية ومحافظو البنوك المركزية من مختلف دول العالم في واشنطن، لحضور اجتماعات الخريف لصندوق النقد والبنك الدوليين.
تأتي هذه الاجتماعات وسط مناخ عالمي مضطرب يعج بالأزمات السياسية والاقتصادية، مثل تفاقم الصراع في الشرق الأوسط، واستمرار الحرب الروسية الأوكرانية، والتباطؤ الملحوظ في الاقتصاد الصيني، ما يزيد من تعقيد المشهد الاقتصادي الدولي ويثير تساؤلات حول آفاق التعاون العالمي، خاصة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
في ظل هذه الأوضاع سيتم التركيز خلال الاجتماعات على عدة قضايا ملحة تشمل ديناميكيات الاقتصاد الغذائي، وتسريع وتيرة تحقيق المساواة بين الجنسين، وسبل تحقيق التنمية المستدامة، والتحديات التي تواجه الأسواق المالية العالمية، إذ تعد هذه الاجتماعات فرصة للتباحث حول قضايا عالمية مؤثرة، تجمع بين أطراف حكومية، منظمات دولية، ممثلين عن القطاع الخاص، وأكاديميين، خلال الفترة من 21 إلى 26 أكتوبر/تشرين الأول.
أبرز القضايا المطروحة
بينما سيتم تناول العديد من القضايا الجوهرية فإن القضية الأكثر بروزاً في أذهان المشاركين هي الانتخابات الأمريكية المرتقبة في نوفمبر/تشرين الثاني، حيث يُتوقع أن تؤدي نتائج هذه الانتخابات إلى تغييرات جذرية في السياسة الاقتصادية العالمية.
وفي حال فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب قد نشهد تحولا كبيرا في التوجهات التجارية والعلاقات الدولية، ما يثير قلقا واسعا حول إمكانية اندلاع صراعات تجارية جديدة وتقليص التعاون متعدد الأطراف، خاصة في قضايا المناخ والتجارة.
وفي هذا السياق، قال جوش ليبسي، الرئيس الحالي لمركز الجيو-اقتصاديات في المجلس الأطلسي "على الرغم من أن نتائج الانتخابات الأمريكية ليست على جدول الأعمال الرسمي للاجتماعات، فإنها تحتل مساحة كبيرة في أذهان المشاركين، إذ ستكون لها تداعيات واسعة على التجارة العالمية، قيمة الدولار، ومستقبل القيادة في الاحتياطي الفيدرالي".
وأضاف ليبسي أن نتائج الانتخابات قد تؤثر بشكل مباشر على استقرار النظام الاقتصادي العالمي، خاصة مع التوجهات المتوقعة من الحزب الجمهوري نحو فرض تعريفات جمركية جديدة، وهو ما قد يعرقل التعاون التجاري العالمي، لا سيما مع دول مثل الصين والاتحاد الأوروبي.
الأزمات السياسية والاقتصادية
إلى جانب الانتخابات الأمريكية سيحتل تباطؤ الاقتصاد الصيني وحرب روسيا في أوكرانيا مكانة بارزة في المناقشات، فقد أثرت هذه القضايا بشكل كبير على استقرار الاقتصاد العالمي. ومع تباطؤ الاقتصاد الصيني، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، يواجه المشاركون تحديات حول كيفية التعامل مع الآثار الجانبية لهذه الأزمة، التي أثرت على سلاسل التوريد، وحركة التجارة العالمية، والطلب على السلع الأساسية.
كما سيكون الوضع في أوكرانيا موضوعًا رئيسيًا في الاجتماعات، إذ تسعى الدول السبع الكبرى إلى التوصل إلى اتفاق سياسي بحلول نهاية أكتوبر/تشرين الأول الجاري، لفتح باب قرض بقيمة 50 مليار دولار لأوكرانيا، مدعومًا بأصول روسية مجمدة، ما يعكس التزام المجتمع الدولي بالحفاظ على استقرار الاقتصاد الأوكراني في وجه الصعوبات الناجمة عن الحرب، وهو أمر بالغ الأهمية في مواجهة الأزمة التي تهدد استقرار أوروبا والعالم.
وبدأت اجتماعات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي العام الماضي في المغرب، تزامنًا مع اندلاع الصراع في الشرق الأوسط، اقتصرت الأضرار الاقتصادية إلى حد كبير على المناطق والدول المجاورة للنزاع: غزة، الضفة الغربية، إسرائيل، لبنان، مصر والأردن.
وفي هذا الصدد، حذرت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، كريستالينا غورغيفا، من أن تصعيد النزاع في المنطقة، خاصة إذا ما تأثر قطاع الطاقة، قد يؤدي إلى تداعيات أوسع نطاقاً على الاقتصاد العالمي، فالمنطقة تمثل أحد أهم مصادر الطاقة في العالم، وأي اضطراب في إمدادات النفط والغاز قد يؤدي إلى زيادة حادة في الأسعار، ما يؤثر سلباً على التعافي الاقتصادي الهش.
آفاق النمو العالمي
من المتوقع أن يُصدر صندوق النقد الدولي تحديثًا لتوقعاته للنمو العالمي خلال الاجتماعات. وأشارت غورغيفا إلى أن النمو الاقتصادي العالمي يواجه تحديات كبيرة، مع انخفاض توقعات النمو على المدى المتوسط بسبب التحديات المالية والاقتصادية. وعلى الرغم من ذلك، أشارت غورغيفا إلى وجود بعض الجيوب المقاومة، لا سيما في الولايات المتحدة والهند، حيث لا تزال هناك فرص لتحقيق نمو مستدام.
ومع ذلك، تشير التقديرات إلى أن العالم سيواجه تحديات كبيرة فيما يتعلق بالديون المرتفعة وضعف السيولة في بعض الدول النامية، وهو ما يعوق قدرتها على تمويل مشاريع التنمية.
كما تعكس الاجتماعات التزامًا بتعزيز التعاون الدولي متعدد الأطراف، خاصة في مجالات مثل المناخ، الضرائب، وتخفيف الديون. وفي هذا الصدد، أكدت نائبة الرئيس الأمريكي، كامالا هاريس، على أهمية استئناف التعاون الدولي في هذه المجالات الحيوية.
تغييرات القيادة الأمريكية
من المتوقع أن تكون هذه الاجتماعات الأخيرة لوزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين، التي قادت العديد من جهود الإدارة الحالية في تعزيز التعاون الاقتصادي والمناخي العالمي، ومع اقتراب نهاية ولاية الرئيس جو بايدن، قد يشهد العالم تغيرات جذرية في القيادة الاقتصادية الأمريكية، وهو ما قد يكون له تأثير كبير على السياسات الاقتصادية العالمية في المستقبل.
على الرغم من التحديات، تسعى المؤسسات المالية العالمية إلى التوصل لحلول عملية لمواجهة الأزمات المالية والاقتصادية المتزايدة، فمع اقتراب الذكرى الثمانين لتأسيس هذه المؤسسات في بريتون وودز، يُظهر العالم تماسكًا نسبيًا في مواجهة الأزمات، مع تزايد الضغوط على قادة الدول لاتخاذ قرارات حاسمة تعزز من استقرار النظام الاقتصادي العالمي.
المديونية العالمية
سيكون موضوع الدين العالمي محورًا رئيسيًا في الاجتماعات، خاصة مع توقعات صندوق النقد الدولي بأن تصل مستويات الدين العام إلى 100 تريليون دولار خلال هذا العام، مدفوعة بديون الولايات المتحدة والصين، ما يشكل تحديًا كبيرًا أمام الحكومات العالمية التي تسعى لإعادة بناء الاحتياطيات المالية لمواجهة الصدمات المستقبلية.
وبهذا الصدد، أكدت مديرة الصندوق، أن الحكومات بحاجة إلى العمل الجاد على خفض الديون وإعادة بناء الاحتياطات المالية، محذرة من أن العالم قد يواجه صدمة مالية كبيرة في المستقبل القريب إذا لم تتخذ الحكومات إجراءات جادة.
aXA6IDMuMTMzLjE0Ni45NCA=
جزيرة ام اند امز