حرب ترامب التجارية.. ضربة موجعة للنمو الاقتصادي في أوروبا

قال تقرير نشره مركز أبحاث الدراسات الاقتصادية (CEPR)، ومقره لندن، إن إعادة انتخاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي خاض حملته على أساس سياسات حمائية، قد تؤدي إلى زيادة حالة عدم اليقين في الاقتصاد العالمي.
ونشر المركز نتائج دراسة استطلع فيها آراء لجنة من الخبراء والباحثين حول أثر الحرب التجارية الأمريكية على الاقتصاد الأوروبي، وكذلك الخيارات المتاحة أمام بروكسل للتعامل مع هذه الحرب.
وأظهرت النتائج أن غالبية أعضاء اللجنة يعتقدون أن التأثير سيكون محدودًا نسبيًا، حيث من المتوقع أن يقلل من النمو الاقتصادي بأقل من نقطة مئوية واحدة على مدار السنوات الأربع المقبلة. ويرى معظم الخبراء أن أفضل استجابة من الاتحاد الأوروبي لهذه التعريفات الأمريكية يجب أن تكون مزيجًا من تعريفات انتقامية مستهدفة، واتفاقيات تجارية مع شركاء غير أمريكيين، وضرائب أو تدابير تنظيمية تحدّ من نفوذ شركات التكنولوجيا الأمريكية.
سياسات ترامب الاقتصادية وتأثيرها العالمي
مع إعادة انتخاب دونالد ترامب، تصاعدت حالة عدم اليقين في الاقتصاد العالمي. فقد خاض ترامب حملته الانتخابية على أساس سياسات اقتصادية شديدة الحمائية، بما في ذلك اقتراح فرض تعريفة جمركية بنسبة 60% على الصين، مما قد يؤثر على التجارة العالمية والظروف الاقتصادية الكلية في كلٍّ من الولايات المتحدة وخارجها.
أما بالنسبة للسياسات التجارية، فمن المرجّح أن يكون لها التأثير الأكبر على الاقتصاد العالمي. فقد اقترح ترامب فرض تعريفة جمركية دنيا بنسبة 10% على جميع الواردات إلى الولايات المتحدة، مع معدلات متفاوتة حسب الدولة. وعلى الرغم من أن فرض تعريفة بنسبة 25% على الواردات من كندا والمكسيك لا يزال قيد التجميد، فإن تعريفة بنسبة 10% على الواردات من الصين قد دخلت بالفعل حيز التنفيذ. ومع ذلك، لا تزال تفاصيل هذه الإجراءات غير واضحة، وربما أُعلن عن بعض المعدلات كأوراق ضغط تفاوضية.
ووفقًا لتقديرات معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، فإن نحو 48% من واردات الولايات المتحدة تأتي من دول غير الصين وغير الشركاء في اتفاقيات التجارة الحرة الأمريكية (FTA)، وتشمل هذه الدول الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة واليابان. وفرضُ تعريفة جمركية بنسبة 10% سيؤدي إلى زيادة كبيرة في الضرائب المفروضة على معظم السلع المستوردة، باستثناء بعض الفئات مثل الجلود والأحذية والملابس، التي تخضع بالفعل لتعريفات تفوق نسبة 10%. وتشير التقديرات إلى أن القطاعات الأكثر تضررًا ستكون الآلات والمواد الكيميائية والإلكترونيات، حيث تخضع هذه القطاعات حاليًا لتعريفات تقل عن 1%، وتشكل مجتمعة ما يقرب من ثلثي تريليون دولار من الواردات.
في المقابل، يفرض الاتحاد الأوروبي حاليًا تعريفات جمركية بمعدلات معظمها في نطاق الأرقام الأحادية. ومن ثم، فإن استجابة انتقامية مماثلة من الاتحاد الأوروبي قد تؤثر بشكل كبير على الصادرات الأمريكية إلى المنطقة. ومع ذلك، هناك احتمال ألا تؤدي هذه التعريفات إلى قطع التدفقات التجارية بشكل كبير، بل قد يتم إعادة توجيهها عبر دول ثالثة إلى الولايات المتحدة.
التأثيرات المحتملة على اقتصاد الاتحاد الأوروبي
يمكن أن تؤثر سياسات ترامب الجمركية وحالة عدم اليقين العامة بشأن التجارة الأمريكية على اقتصاد الاتحاد الأوروبي بعدة طرق. فمن المتوقع أن تؤثر هذه التعريفات سلبًا على المُصدّرين الأوروبيين، مما قد يؤدي إلى استجابة انتقامية من المفوضية الأوروبية. كما قد يكون لها تأثير على معدلات التضخم وقرارات أسعار الفائدة في الأشهر المقبلة، وقد تتسبب في تباطؤ النمو الاقتصادي للاتحاد الأوروبي.
وتشير التوقعات الحالية إلى حدوث زيادة طفيفة في النمو الاقتصادي خلال العامين المقبلين، بعد أن شهد عام 2023 ركودًا ونموًا معتدلًا بنسبة 0.2% فقط في عام 2024. وإذا فُرضت تعريفة بنسبة 10%، إلى جانب تشديد مالي لاحق، فإن صندوق النقد الدولي يتوقع أن يكون النمو الاقتصادي للاتحاد الأوروبي أبطأ بنسبة 1% خلال العامين المقبلين مقارنة بالتوقعات الحالية. وقد خفض البنك المركزي الأوروبي بالفعل توقعاته لصافي الصادرات لعام 2025. ومن المتوقع أن يكون قطاع السيارات في الاتحاد الأوروبي من بين الأكثر تأثرًا، نظرًا للعجز الكبير في الميزان التجاري لهذا القطاع بين الولايات المتحدة وأوروبا. إذ إن التعريفات المفروضة على السيارات الأوروبية قد ترتفع إلى 25% بعد أن كانت عند 2.5% فقط، مما سيجعل السيارات الأوروبية أقل قدرة على المنافسة في السوق الأمريكية.
أفضل استجابة
ويحدد الخبراء ثلاثة عناصر رئيسية يجب أن تشكل أساس استجابة الاتحاد الأوروبي لتهديدات التعريفات الجمركية الأمريكية. أولًا، يجب أن يسعى الاتحاد الأوروبي إلى إبرام اتفاق ثنائي مع الولايات المتحدة لتجنب فرض التعريفات الجمركية أو تقليل تأثيرها، وقد يشمل ذلك تقديم تنازلات في تسهيل التجارة الثنائية واتخاذ تدابير أمنية اقتصادية مقابل الحفاظ على التعريفات الجمركية عند مستوياتها الحالية. ثانيًا، ينبغي أن يستمر الاتحاد الأوروبي في دعم إصلاح منظمة التجارة العالمية والحفاظ على نظام تجاري قائم على القواعد. ويمكن للاتحاد الأوروبي بناء تحالف من الدول لمواجهة التوجهات الحمائية، يضم شركاء تجاريين رئيسيين من الشمال والجنوب العالمي. ثالثًا، يجب أن يعزز الاتحاد الأوروبي شبكته من اتفاقيات التجارة التفضيلية، لا سيما من خلال تحسين العلاقات التجارية مع المملكة المتحدة وتعزيز الشراكات مع الدول الأفريقية ودول منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
بالإضافة إلى ذلك، يجب على الاتحاد الأوروبي أن يعمل على زيادة مرونة اقتصاده، والحدّ من اعتماده على صافي الصادرات، والتركيز على تعزيز الطلب المحلي كركيزة أساسية للنمو الاقتصادي.
aXA6IDEzLjU4LjExOS43OSA= جزيرة ام اند امز