على نيل القاهرة، كان النقاش صاخباً بين نخبة من الدبلوماسيين والسياسيين، حول الاتهامات التي وجهت للرؤساء الأمريكيين على مر التاريخ.
بدأ النقاش بسؤال أحد الدبلوماسيين حول مدى جدية وخطورة الاتهامات التي صاغها الجمهوريون ضد الرئيس الديمقراطي جو بايدن، وهل هذه الاتهامات مجرد رد فعل على الاتهامات على رئيسهم الجمهوري السابق دونالد ترامب، من قبل الديمقراطيين، أم أن هذا النوع من الاتهامات والقضايا يتعلق بتغير البنية والنسيج السياسي للمجتمع الأمريكي؟!
أحد الحضور من السياسيين المرموقين بادر، بأن الاتهامات الموجهة للرئيس بايدن، بشأن قضايا فساد، متهم فيها نجله «هانتر»، لا تختلف عن المناكفات السياسية والمحاكمات القانونية، التي تعرض لها رؤساء سابقون، من أمثال أندرو جاكسون عام 1868، وريتشارد نيكسون 1974، وبيل كلينتون 1994، ودونالد ترامب في عامي 2019 و2021، فهذه القضايا باتت معتادة، وأثبتت التجارب أنها لا تفضى إلى عزل أي رئيس من كل هؤلاء، فمن يراجع صفحات نحو مائتي عام من التاريخ الأمريكي، يتأكد له أنه تمت تبرئة الجميع، عدا الرئيس ريتشارد نيكسون، الذي استقال قبل أن تتم محاكمته.
تداخلت في النقاش، لأجدني أؤكد أن هناك أهدافا لهذه المحاكمات، بخلاف العزل؛ في مقدمتها: تشويه الصورة، وإرباك حسابات الحملات الانتخابية للمنافس، لا سيما أن معظم هذا النوع من المعارك، كان يجري في الولاية الأولى للرئيس المستهدف، بهدف حرمانه من الترشح للولاية الثانية، فضلا عن أن الحزب الذي يتبنى المحاكمة السياسية، يستهدف الحصول على معلومات ووثائق، واستجواب الشهود تحت سلطة القسم الأمريكي، لتعرية أخطاء منافسه.
ولو توقفنا أمام حالة الرئيس جو بايدن، سنجد أننا أمام مجموعة من الملاحظات أولها:
إن التصويت على عزل الرئيس جو بايدن، جاء على أساس حزبي، بمعنى أن التصويت من قبل جميع الجمهوريين في مجلس النواب، ضد جميع الديمقراطيين، حيث صوت لصالح العزل 221 جمهوريا مقابل 212 ديمقراطيا، رفضوا عملية العزل.
الملاحظة الثانية:
تتعلق بأن مجلس النواب لا يملك حق عزل الرئيس، هو فقط يحدد لائحة الاتهامات، بينما تتم المرافعات في مجلس الشيوخ الذي يتكون من مائة عضو، بينهم 51 ديمقراطيا، و49 جمهوريا، في حين أن عزل بايدن يحتاج إلى ثلثي أعضاء المجلس، أي 67 «سيناتورا»، وفي هذه الحالة يحتاج الجمهوريون إلى خيانة 17 سيناتورا ديمقراطيا لرئيسهم جو بايدن، وهذا مستحيل من الناحية العملية.
الملاحظة الثالثة:
إن التصويت في مجلس الشيوخ لا يتم على إجمالي لائحة الاتهامات، بل على كل مادة بمفردها، وهذا يجعلنا أمام استحالة جديدة تتعلق بتصويت 67 سيناتورا، على كل المواد التي تتضمنها لائحة الاتهامات. وهنا سؤال يطرح نفسه: إذا كان الجمهوريون يعلمون كل ذلك، فلماذا يسيرون في طريق العزل؟
الإجابة ببساطة تتعلق بمجموعة من الحسابات للجمهوريين، تتعلق برغبتهم في إحداث حالة من التعادل بين تغطية وسائل الإعلام لمحاكمات الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب، الذي وجه له 91 اتهاما مع حالة المرافعات، وبين الصخب الذي سيرافق محاكمة الرئيس جو بايدن في مجلس الشيوخ، فضلا عن التشويش على حالة النزاهة والشفافية التي يتباهى بها الرئيس بايدن.
أخيرا، أقول إن المجتمع الأمريكي يتغير سريعا، ويعيش حالة انقسام سياسي وحزبي غير مسبوق؛ فالثابت أن ما بين اتهام الرئيس أندرو جاكسون، وريتشارد نيكسون، كان منذ نحو مائة عام، بينما الفارق الزمني بين محاكمة بيل كلينتون، ودونالد ترامب، لا يزيد على ربع قرن، بينما لا يوجد أي فارق زمني بين اتهامات جو بايدن ودونالد ترامب، الأمر الذي يؤكد أن الولايات المتحدة الأمريكية، تعيش مرحلة استثنائية، عنوانها الإرباك، وعدم الاستقرار الداخلي، وهو ما قاد إلى مشاكل عديدة، تمثلت في انتشار العنف والجريمة والكراهية السياسية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة