بين الوقت والآخر يطفو على السطح من يدعو إلى إعادة إحياء الإخوان المسلمين وعودتهم للمشهد السياسي أو توفير البيئة التي تؤدي إلى ذلك.
سمة هؤلاء الذين يظهرون بدعواتهم فجأة أنهم لا ينتمون لهذه الجماعة، وبعضهم يرى أن نضاله ضد التنظيم في فترات زمنية سابقة قد يُعطيه الحق في إعادة إحيائه تحت أي صورة ووفق أي تصور، وهذا ما قد يستفيد منه التنظيم أو يدفع في اتجاهه، فهي الثغرة التي تُحقق عودته وتؤمّن وجوده.
بعض هؤلاء تجمعهم صلات بهذه التنظيمات، قد تكون نفعية وقد تكون مرتبطة بقناعات هذه الشخصيات، وأغلبها قد يكون ضمن دوائر ربط التنظيم، أي الذين ترك التنظيم أثراً عليهم، فيعملون له ولصالحه بدراية أو بدون، وهؤلاء كثيرون ويعتمد عليهم التنظيم وقت الأزمات.
هنا لا أتحدث عن مراجعات الإخوان المسلمين؛ فنحن مع أي مراجعة، بل ونُحرض عليها طالما بُنيت على أسس صحيحة تؤدي في النهاية إلى أن يتخلى صاحب هذه الأفكار عما يُكرس لاستخدام العنف أو يُؤدي إليه أو يحض على الكراهية، والتخلي أيضاً عن كل الأفكار التي تُحقر من قدر الوطن.
لكن في الوقت نفسه، لا بد أنّ نفرق بين مراجعات فكرية وفقهية حقيقية تُساعد النّاس على العودة الحميدة إلى الدين بتعاليمه السمحة والعودة الدافئة لحضن الوطن، طالما لم يتورط في ارتكاب دماء، وبين إعادة إنتاج لبعض التنظيمات المتطرفة بصورة تجميلية في الحقيقة هي أقبح من الصورة القديمة.
خطورة هذا التوجه أو الخلط هو أنّ صاحبه ينطلق من مساحة الصواب، حيث المراجعات الفكرية إلى المساحة الخاطئة التي تُساعد على عودة التنظيم إلى الحياة بكل أفكاره المنحازة للعنف التي لم تتغير؛ وادعاء صاحب هذه الرؤية حماية المجتمع وانتشال المغرر بهم من الأفكار المتطرفة؛ كلها أفكار إيجابية بناءة، لكن لا علاقة لها إلا بإعادة إحياء التنظيمات المتطرفة.
من يفعل ذلك أو يُهيئ إليه هو في الحقيقة يرتكب جريمة في حق وطنه وفي حق الدين معاً، لأنه ارتضى أنّ يكون جسراً تعبر من خلاله هذه التنظيمات المتطرفة؛ نحن لا نبحث في سير النّاس ولا نواياهم، لكننا في ذات الوقت نتأمل ما يقولونه ونقيمه أيضاً وفق العقل والمنطق وضروريات الواقع مستحضرين التاريخ في تقدير الموقف.
الإخوان يُمثلون الرئة التي يتنفس منها الإرهاب؛ ولا يمكن القضاء على الجماعة دون تفكيك هذا التنظيم وأفكاره، لذلك دائماً ما ننادي بتفكيك أفكار الإخوان المؤسسة قبل أن ننادي بتفكيك التنظيم، فأي مواجهة عسكرية غير ذات جدوى إن لم تُصاحبها مواجهة فكرية تؤدي إلى تفكيك الأفكار المؤسسة لهذا التنظيم.
فهؤلاء الذين يُنادون بعودة الإخوان من جديد يتعاملون مع التنظيم على أنه فصيل سياسي؛ وهذه مشكلة كبيرة لأن التنظيم لا يرى ذلك في نفسه، هذه التسمية جزء من مراوغته، فعندما تُحاكمه أو تُخاصمه أو تنتقده يتعامل معك على أنه جماعة دينية فيشهر في وجهك أسلحة التكفير والتشهير.
ولذلك تجده تارة يُقدم نفسه على أنه جماعة دينية وتارة أخرى يعرض نفسه، إذا كان ذلك في مصلحته، على أنه جماعة سياسية؛ حتى عندما فصل بين الجماعة والحزب الذي خرج من رحمه في مصر بعد عام 2011 كان يعقد لقاءات لممثلي الحزب والجماعة معاً، وكانت هذه اللقاءات تتم من خلال أمين عام الجماعة، وهنا يمكن القول، إنّ الجماعة هي المسيطر الحقيقي على حزبها السياسي الذي ادعت تحرره وانفصاله!
وبالتالي من الخطأ عدم فهم هذا التصور عن التنظيم، لذلك دائماً نكرر أنّ مواجهة التنظيمات المتطرفة والإخوان تستلزم قراءة دقيقة للتنظيم، بحيث تكون غير منحازة، وتكون مبنية على قراءة التفاصيل دون أي انحيازات، مع قراءة تحولات التنظيم الدائمة والمستمرة في نفس الوقت، ما يُساعد بصورة كبيرة في تفكيك أفكاره.
يختار الإخوان من يُدافع عنهم من التيار المدني، ويا حبذا من الذين سبق وأخذوا مواقف فكرية وسياسية من التنظيم في فترات زمنية طويلة، لذلك هم يختارون من يُدافع عنهم أو يمهد لوجودهم وينفقون أموالاً طائلة في سبيل ذلك؛ هم يبحثون عن هؤلاء أكثر مما يبحث عنهم هؤلاء، رغم ما سوف يُغدقه التنظيم في حالة رضاه عنهم، وهنا تبدو المصلحة متبادلة بين منفعة مادية للباحثين عنها وعودة محتملة للتنظيم يبحث عنها أيضاً بأي مقابل.
مواجهة الإخوان لا بد أن تكون مبنية على موقف فكري وأيديولوجي نابع من تصورات دينية منفتحة تُعبر عن التسامح الديني وليس رؤية التنظيم الضيقة للدين والوطن، لذلك أي جهود في هذه المساحة لا بد أن تكون عن قناعة وليست مبنية على الخصومة المسبقة؛ فمواجهة التنظيم باستنارة أفضل بكثير من مواجهته على قاعدة الخصومة الثأرية، والمواجهة المستنيرة أكثر تأثيراً من مواجهته على قاعدة الرفض، فالأولى تسعى لتفكيكه والثانية لا تُؤثر على بنية التنظيم وإنما تترك أثراً إيجابياً يسعى التنظيم لتحقيقه!
ولذلك عندما تُلقي نظرة على حملات التشهير التي يشنها الإخوان وطبيعة عمل اللجان الإلكترونية الخاضعة لهم، تجد أغلبها ينصب على أولئك الذين يُركزون على تفكيك الأفكار المؤسسة للتنظيم أو يتعاملون من خلال قاعدة تفكيك التنظيم باستنارة، وليس الذين يستخدمون المواجهة السطحية المبنية على الخصومة المسبقة، وهنا يمكن القول إنّ التنظيم يستفيد من الصنف الأخير.
لذلك لا بد أن توزع الجهود على تفكيك الأفكار المؤسسة للإخوان، المواجهة الفكرية الأهم، أي جهد يُبذل في غير هذه المواجهة لا محل له وتأثيره ضعيف ولا يؤدي إلى نتائجه المرجوة، لذلك يُحبذ التنظيم أن يكون خصومه على شاكلة من يسبه بما ليس فيه، فهؤلاء هم الأقرب إليه، وهذا ما سوف يُساعده في إعادة إنتاج نفسه وعودته إلى الحياة بعد أنّ فارقها برفض شعبي ربما لم يسبق له مثيل.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة