COP30 يفشل في اختبار الأمن الغذائي.. الزراعة حاضرة والاتفاقات غائبة
تشتهر البرازيل بالزراعة والموارد الطبيعية، لذلك، عندما أُعلنت استضافتها الدورة الثلاثين من مؤتمر الأطراف المعني بتغير المناخ (COP30)، كان من المتوقع أن تحظى قضايا الزراعة والأمن الغذائي باهتمام كبير على جدول الأعمال.
وبالفعل، خُصصت مساحة واضحة للزراعة والغذاء ضمن أجندة المؤتمر، وخرجت بعض المخرجات الداعمة لهذا الملف، غير أنّ عددًا من القضايا الجوهرية ظلّ عالقًا دون حسم. فما أبرز مخرجات COP30 المتعلقة بالزراعة والنظم الغذائية؟
كانت مدينة شرم الشيخ المصرية قد استضافت مؤتمر COP27، وأسفر حينها عن قرار «عمل شرم الشيخ المشترك لتنفيذ العمل المناخي في مجال الزراعة والأمن الغذائي» (SSJW)، الذي استهدف تنسيق الجهود بين مختلف أصحاب المصلحة لدعم الزراعة والأمن الغذائي في ظل التغيرات المناخية. وقد امتدت خطة العمل لأربع سنوات، حتى COP31 المقرر عقده في عام 2026، إلا أنّ المؤتمرات اللاحقة لم تُحقق نتائج ملموسة في هذا المسار.
وخلال فعاليات COP30، أُقيمت العديد من الأنشطة واللقاءات التي عكست دعمًا لتمويل النظم الغذائية والزراعة المستدامة. وطالبت دول عدة، من بينها الأرجنتين، والمجموعة الأفريقية، والبلدان الأقل نموًا، بإدراج وسائل التنفيذ ضمن نصوص المفاوضات لدعم تمويل قطاع الزراعة. في المقابل، عارض الاتحاد الأوروبي الإشارة إلى المادة 9.1 ضمن مسار العمل الخاص بالزراعة، علمًا بأن هذه المادة تتعلق بالتمويل المناخي.
كما دعمت مجموعة الـ77 والصين أولوية القضاء على الجوع، ودعت الدول المتقدمة إلى زيادة التمويل القائم على المنح لتعزيز إجراءات التكيف في قطاع الزراعة. وشهد المؤتمر نقاشات موسعة حول الزراعة الإيكولوجية، واستخدام الذكاء الاصطناعي في الزراعة، ودمج أسواق الكربون النزيهة لمكافأة المزارعين. كذلك، طُرحت منظمة التجارة العالمية كجهة يمكن أن تسهم في ضمان استقرار التجارة الزراعية العالمية، في إطار قواعد داعمة للعمل المناخي. ومع ذلك، انتهت مفاوضات الأسبوع الأول دون تحقيق اختراقات ملموسة.
يُذكر أن الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا رحّب بالحضور خلال الجلسة الافتتاحية لـCOP30، ودعاهم إلى اغتنام الفرصة لتجربة الطعام المحلي في مدينة بيليم، مؤكدًا تفرّده وعدم توافره في أي مكان آخر. ورغم الاهتمام الكبير بقضايا تحويل النظم الغذائية والزراعية، والحلول التي قُدمت خلال فعاليات المؤتمر -أحيانًا في صورة أطباق طعام للحضور- فإن قاعات المفاوضات لم تشهد تقدمًا ملموسًا، ولم ينعكس ذلك على الاتفاق النهائي.
وخارج إطار المفاوضات الرسمية، برزت بعض التعهدات المهمة، من بينها «إعلان بيليم بشأن الجوع والفقر والعمل المناخي»، الذي يركز على دعم الإنسان، وتعزيز قدرات صغار المزارعين على التكيف مع آثار التغير المناخي، فضلًا عن توسيع نطاق أنظمة الحماية الاجتماعية، مثل إعانات المرض والبطالة الحكومية. وقد تبنّت هذا الإعلان نحو 43 دولة، إلى جانب الاتحاد الأوروبي، في خطوة تسعى إلى الربط بين العمل المناخي والحماية الاجتماعية والأمن الغذائي.
وبدأت حملات الحد من فقدان وهدر الطعام في الظهور منذ COP28، إلا أنّ الجديد في COP30 تمثل في إطلاق برنامج الأمم المتحدة للبيئة مبادرة تستهدف خفض هدر الطعام إلى النصف بحلول عام 2030، إضافة إلى تقليل انبعاثات غاز الميثان بنسبة 7%. وقد حظي هذا التعهد بدعم واسع من اليابان والمملكة المتحدة والبرازيل.
وفي حديثها لـ«العين الإخبارية»، قالت ليزا مون، الرئيسة التنفيذية لشبكة بنوك الطعام العالمية، إنّ «قضية فقدان الطعام وهدره كانت أكثر بروزًا في COP30»، مضيفة: «شجعنا كثيرًا الاهتمام المتزايد بهذا الملف، إذ بات من الواضح أنه يكتسب زخمًا متصاعدًا، نظرًا لما يحمله من فرصة هائلة لإحداث تغيير إيجابي للبشرية وكوكب الأرض».
وفي الأيام الأخيرة من فعاليات COP30، أُطلقت مبادرة جديدة بالتعاون بين منظمة الأغذية والزراعة (FAO) ورئاسة المؤتمر، تُعرف اختصارًا باسم RAIZ، وهي «مبادرة الاستثمار الزراعي المقاوم لتحقيق صافي صفر تدهور للأراضي». وتهدف المبادرة إلى توحيد جهود الحكومات لاستصلاح الأراضي الزراعية المتدهورة، وقد حظيت بدعم عدد من الدول، من بينها المملكة العربية السعودية، والمملكة المتحدة، وأستراليا.
وفي هذا السياق، أوضح كافيه زاهدي، مدير مكتب تغير المناخ والتنوع البيولوجي والبيئة في منظمة الأغذية والزراعة، في تصريحات لـ«العين الإخبارية»، أن المبادرة تهدف إلى توجيه الاستثمارات نحو إعادة استخدام الأراضي الزراعية بشكل أكثر إنتاجية واستدامة، مشيرًا إلى أنّ ذلك لا يقتصر على استعادة القدرة الإنتاجية فحسب، بل يشمل أيضًا حماية الأمن الغذائي من مخاطر المناخ، وضمان الاستخدام المستدام للتنوع البيولوجي.
من جانبه، علّق هشام عيسى، المنسق المصري السابق لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC)، موضحًا آلية عمل المبادرة، قائلًا لـ«العين الإخبارية»: «تعمل مبادرة RAIZ كمسرّع تمويل (Finance Accelerator)، عبر مجموعة من الأدوات والخدمات للدول المشاركة، تبدأ بإعداد خرائط للأراضي المتدهورة لتحديد أولويات الاستثمار، ثم تقدير تكلفة الحلول الزراعية القابلة للاستثمار وتحديد الفجوات التمويلية، وصولًا إلى تصميم آليات استثمار مشتركة بين القطاعين العام والخاص لتقليل مخاطر الاستثمار وتعزيز التعاون وتبادل المعرفة بين الدول والمستثمرين والجهات الفاعلة».
غير أنّ عيسى أشار إلى جملة من التحديات، موضحًا أن فجوة التمويل لا تزال ضخمة، إذ تصل إلى نحو 105 مليارات دولار سنويًا لاستعادة الأراضي المتدهورة عالميًا. وأكد أنّ الحكومات وحدها لا تستطيع تعبئة هذا الحجم من التمويل، بينما يتردد القطاع الخاص في الاستثمار بسبب ارتفاع التكاليف الأولية للمشروعات، وطول فترات استرداد العائد، وعدم وضوح العوائد المالية مقارنة بالفوائد البيئية والاجتماعية، ما يجعل جذب الاستثمارات الخاصة على نطاق واسع أمرًا صعبًا دون أدوات دعم حكومية قوية، مثل الضمانات أو الحوافز الضريبية.
وخلال المؤتمر أيضًا، أطلقت البرازيل والمملكة المتحدة إعلانًا مشتركًا يحث الدول على اتخاذ إجراءات للحد من الأثر البيئي للأسمدة، ودعم الإنتاج المستدام لها، وتحسين إدارة المغذيات، مع الإقرار بأن الاستخدام غير المستدام للأسمدة لا يضر بالأنظمة البيئية فحسب، بل يؤثر كذلك في النظم الغذائية.
من ناحية أخرى، تناولت تقارير صدرت خلال محادثات COP30 كيفية إدماج النظم الغذائية ضمن خطط المساهمات المحددة وطنيًا (NDCs)، باعتبارها عنصرًا أساسيًا في جهود التكيف والتخفيف.
يُذكر أيضًا أن مؤسسة غيتس خصصت نحو 1.4 مليار دولار لدعم تكيف صغار المزارعين مع تغير المناخ في جنوب آسيا ومنطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا، فيما أعلنت مؤسسة روكفلر تخصيص أكثر من 5.4 مليون دولار لتعزيز مرونة النظم الغذائية وتوفير وجبات مدرسية للأطفال.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTAzIA== جزيرة ام اند امز