ملف «التكيف المناخي» في COP30.. ضجيج صاخب ونتائج محبطة
شهد ملف التكيف المناخي حضورًا قويا قبيل واثناء قمة الأمم المتحدة للمناخ في البرازيل COP30؛ لكن النتائج مع ذلك وصفت بالمحبطة.
أندريه كوريا دو لاغو رئيس COP30 إلى "مؤتمر الأطراف المعني بتغير المناخ في دورته الثلاثين" (COP30) على أنه "مؤتمر الأطراف للتكيف" (COP of Adaptation)؛ وبالفعل كان تمويل التكيف موضوعًا ساخنًا خلال أيام المؤتمر في بيليم هذا العام، ودارت العديد من النقاشات وتزايدت الضغوطات لرفع سقف تمويل التكيف المناخي، لكن السؤال الأهم، هل استحق COP30 لقب مؤتمر الأطراف للتكيف؟ وما أبرز ما جاء في النص وثيقة المونتراو (الوثيقة الرسمية التي تمثل اتفاق "بيليم") بشأن التكيف؟ حسنًا، تلك قصتنا. قبل الخوض فيها، لنرى ما حدث في ملف التكيف خلال السنوات القليلة الأخيرة.
في COP26
على الطاولة الإنجليزية في غلاسكو بالمملكة المتحدة عام 2021، اتفقت الأطراف على هدف لمضاعفة تمويل التكيف إلى 40 مليار دولار بحلول العام 2025، لكن ما الذي حدث؟ حسنًا، في عام 2022، بلغ إجمالي التمويل المخصص للتكيف المناخي من الدول المتقدمة للدول النامية فقط 28 مليار دولار فقط، والأدهى أنه انخفض في عام 2023 إلى 26 مليار دولار.
معضلة المؤشرات!
في أثناء الدورة الثامنة والعشرين من مؤتمر الأطراف المعني بتغير المناخ (COP28)، دارت نقاشات بوضوح حول "الهدف العالمي بشأن التكيف" (GGA)، والذي يشغل المادة رقم 7 من اتفاق باريس، ويتضمن عدة أهداف رئيسية للدول من أجل قياس التقدم الذي تحرزه لتحقيقه، وتشمل أهدافًا متعلقة بأنظمة غذائية قادرة على الصمود في مواجهة تغير المناخ، والحد من آثار تغير المناخ على النظم البيئية، وندرة المياه، وغيرهم من الأهداف الرئيسية، واقتربت القائمة الأولية للمؤشرات الخاصة بتلك الأهداف من نحو 10 آلاف مؤشر، عمل الخبراء خلال العامين السابقين على تقليصها.
وفي اجتماع بون للعام 2024، اتفقت الأطراف على تشكيل فريق من الخبراء الفنيين لتحديد مؤشرات التكيف، وبالفعل، تم تشكيل فريق من 78 خبيرًا في سبتمبر/أيلول 2024، وبدأوا في مراجعة قائمة من المؤشرات تضم ما يزيد عن 5 آلاف مؤشر، تم تجميعها من التقارير المقدمة إلى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ. وفي أكتوبر/تشرين الأول من نفس العام، انعقدت ورشة عمل ثانية في إطار برنامج عمل الإمارات - بيليم، واتفق الخبراء على ضرورة النظر في 5 آلاف مؤشر إضافي جمعتهم لجنة التكيف.
وكان من المفترض أن ينتهي الخبراء من تحديد المؤشرات المحتملة بحلول صيف العام 2025، لكن نظرًا لضيق الوقت، وضعف توفير التمويل اللازم لدعم تلك العملية، بدا الأمر صعب التنفيذ.
وحلّ COP29 في أذربيجان، والذي شكل نقطة تحوّل في برنامج العمل لتطوير مؤشرات التكيف، هناك حيث أكدت الأطراف على ضرورة التوّصل إلى قرار حاسم لدعم المؤشرات، واعتمد المؤتمر "خريطة طريق باكو للتكيف" (BAR)، والتي صُممت لتعزيز التقدم نحو الهدف العالمي للتكيف، لكن تفاصيل آلية عملها لم تكن واضحة.
وقبل انطلاق اجتماع بون للعام 2025، استطاع فريق من الخبراء تنقيح قائمة المؤشرات المحتملة لتصل إلى 490 مؤشرًا محتملًا، وفي اجتماع بون، تجلت الخلافات بين الأطراف حول المؤشرات، واتفقوا في نهاية المطاف على تقديم تقرير فني نهائي يتضمن قائمة بالمؤشرات المحتملة بحلول أغسطس/آب 2025. وأخيرًا، قبل انطلاق COP30، كانت هناك قائمة من 100 مؤشرًا محتملًا جاهزة لاعتمادها.
حسم في COP30
حلّ COP30 في بيليم بالبرازيل في نوفمبر/تشرين الثاني 2025، بين الآمال والطموحات، وكانت من أبرز النتائج الاتفاق على مجموعة مؤشرات تستطيع الدول من خلالها قياس التقدم نحو الهدف العالمي بشأن التكيف، وقد برزت الانقسامات والخلافات حول المؤشرات منذ اليوم الأول للمؤتمر؛ إذ اقترحت المجموعة الأفريقية والمجموعة العربية تحسين المؤشرات على مدار عامين قبل اعتمادها في رسميًا عام 2027 (ويُذكر أنّ أثيوبيا، ستستضيف COP32 في أديس أبابا ممثلة المجموعة الأفريقية في ذلك العام).
لكن، عارضت بعض التكتلات تلك الفكرة، منها الاتحاد الأوروبي والتحالف المستقل لأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي (AILAC). مع ذلك، استطاعت الدول في نهاية المطاف اعتماد 59 مؤشرًا، ووافقت على برنامج عمل لوضع إرشادات لتفعيل مؤشرات بيليم للتكيف مدته عامان.
مطالبات للتمويل!
أشار تقرير "فجوة التكيف للعام 2025: نفاذ الموارد"، والذي صدر عن "برنامج الأمم المتحدة للبيئة" (UNEP) قبل أيام قليلة من COP30، إلى اتساع فجوة تمويل التكيف، بمقدار يتراوح بين 284 و339 مليار دولار؛ إذ يُقدر التقرير حاجة الدول النامية لنحو 310 مليارات دولار سنويًا بحلول العام 2035 من أجل دعم التكيف المناخي، لكن عند أخذ المساهمات المحددة وطنيًا وخطط التكيف الوطنية بعين الاعتبار؛ فذلك الرقم يرتفع إلى 365 مليار دولار سنويًا.
وبالفعل، طالبت المنظمات البيئية الدولية بدعم قضية تمويل التكيف، وخلال فعاليات COP30، تواصلت العين الإخبارية مع الدكتورة حنان كسكاس، مسؤولة الحملات السياسية في غرينبيس الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي كانت تحضر محادثات بيليم وقتها، وقالت في تصريحات خاصة: "يمثل ملف التكيّف أحد أكثر المحاور حساسية وتعقيدًا في مفاوضات COP30، خصوصًا مع استمرار العمل على استكمال الهدف العالمي للتكيّف ووضع حزمة المؤشرات التقنية التي ستوجّه التنفيذ على المدى القريب والمتوسط، إلى جانب النقاشات الجارية حول تعزيز صندوق التكيّف". وتتابع: "اتفقت البلدات سابقا على “مضاعفة هدف تمويل التكيف” وذلك برفع خط الأساس من 20 مليار دولار في عام 2019 إلى 40 مليار دولار بحلول عام 2025، مع العلم أننا لا نعرف بعد ما إذا تم تحقيق ذلك".
وفي أثناء المؤتمر، تزايدت الدعوات لوضع هدف جديد لمضاعفة التكيف 3 مرات بحلول 2035، وجاء ذلك بعد أن طلبت البلدان الأقل نموًا في محادثات اجتماع بون بوضع هدف لمضاعفة تمويل التكيف 3 مرات ليصل إلى 120 مليار دولار أمريكي بحلول 2030. وقد حظيت تلك الدعوة بتأييد من الدول الجزرية الصغيرة النامية (AOSIS) والمجموعة الأفريقية وغيرهم في أثناء COP30. لكن، واجه ذلك المقترح معارضة من الدول المتقدمة في الاتحاد الأوروبي، التي رأت أنّ هذا الهدف قد يعني إعادة التفاوض بشأن الهدف الكمي الجماعي الجديد.
وقالت "كسكاس" للعين الإخبارية: "إن هذا التمويل يشكّل حجر الأساس لضمان قدرة المجتمعات الأكثر هشاشة في الجنوب العالمي على الصمود أمام الخسائر والآثار المتسارعة للأزمة المناخية. ونشدد على ضرورة أن يكون تمويل التكيّف تمويلاً عاماً ومنحًا مباشرة غير مشروطة، لا قروضًا تُفاقم عبء الديون على الدول التي تعمل جاهدة لحماية سكانها ومواردها الطبيعية".
محور أساسي
يُذكر أنه بالفعل، كانت قضية التكيف المناخي في مقدمة المفاوضات؛ وتلك ليست المرة الأولى؛ فمنذ انطلاق قمة الأرض في ريو دي جانير عام 1992، واتفاق الدول على إطلاق "اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ" (UNFCCC)، كان التكيف على رأس الموضوعات المطروحة بقوة في كل دورة من دورات مؤتمرات الأطراف، لكن خلال السنوات الأخيرة، توّسع تأييد قضية التكيف المناخي؛ فبحسب هشام عيسى، المنسق المصري السابق لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، كان تأييد قضية التكيف في الماضي فقط من الدول النامية والبلدان الأقل نموًا والدول الجزرية، والتي بالفعل تتضرر من آثار التغيرات المناخية منذ زمن بعيد، لكن بعد أن تفاقمت أزمة المناخ لتؤثر على الدول الأوروبية والدول المتقدمة وصارت تعاني هي الأخرى من تواتر الظواهر الطقسية المتطرفة مثل الأعاصير والفيضانات والجفاف والآثار الأخرى المصاحبة لتغير المناخ، أيدت شريحة واسعة منها هي الأخرى قضية التكيف المناخي.
وقد شدد عيسى في تصريحات لـ"العين الإخبارية" على أنّ المعضلة الأكبر في تمويل التكيف المناخي هو أنه "لا يوجد عائد من مشاريع التكيف مثل مشاريع التخفيف".
من جانبه، قال كواسي أماني (Kouassi Amani)، متخصص التمويل والتكيف المناخي في "مركز الزراعة الحراجية العالمي" (World Agroforest Center) لـ"العين الإخبارية" أنه كان "يجب أن يكون التكيف محورًا أساسيًا في COP30. لم تعد آثار تغير المناخ مجرد توقعات، بل هي واقع يعيشه ملايين البشر يومياً. ومع اقتراب الموعد النهائي للحد من الاحتباس الحراري إلى 1.5 درجة مئوية، يبرز السؤال: كيف نساعد الأفراد والمجتمعات على التعايش مع تغير المناخ؟ أولئك الذين ساهموا بأقل قدر في تغير المناخ هم الأكثر معاناة، وكان يمثل COP30 لحظة حاسمة لضمان حصول الفئات الأكثر ضعفًا على الدعم والحماية التي تستحقها".
وماذا حدث؟
تضمنت المسودة الأولى لوثيقة الموتيراو بعض الخيارات لمضاعفة الدول المتقدمة مخصصاتها لتمويل التكيف المناخي 3 مرات، واقتراح موعدًا نهائيًا عام 2030 أو 2035. ودعا النص النهائي إلى بذل الجهود لمضاعفة تمويل التكيف 3 مرات بحلول 2035 مقارنة بمستويات 2025. وتضمن النص أيضًا خططًا لرؤية "بيليم-أديس" لمدة عامين لمواصلة تحسين مؤشرات التكيف ووضع إرشادات لتفعيل مؤشرات التكيف في بيليم. وفي نهاية المطاف، تم تأجيل الموعد النهائي لتحقيق هدف مضاعفة تمويل التكيف 3 مرات، كما تم حذف الإشارة إلى عام 2025 كخط أساس لذلك الهدف.
وقال صنداي جيفري مبافومبي (Sunday Geofrey Mbafoambe)، المنسق التنفيذي لمنظمة دعم الإنسانية في الكاميرون (SUHUCAM) ومنسق منصة GLFx Yaounde لـ"العين الإخبارية": "للأسف، لم يلتزم الاتفاق العالمي للتكيف (GGA) بآليات التنفيذ، لا سيما فيما يتعلق بنقل التكنولوجيا وتمويل التكيف. ورغم أن هذا الأمر مخيب للآمال، إلا أن القرار الوارد في نص "الموتيروا" الذي يدعو إلى "مضاعفة تمويل التكيف ثلاث مرات على الأقل بحلول عام 2035" يُظهر حسن النية ويُعطي الأمل في التنفيذ".
وتابع: "كما أعتقد أن رؤية بيليم-أديس أبابا بشأن التكيف ستعزز الزخم المتزايد في هذا المجال. لكن لا يمكننا، بعد مرور 30 عامًا على مؤتمر الأطراف الأول، الاستمرار في الوعود المعسولة والرؤى بعيدة المدى. يجب أن ننتقل إلى التنفيذ، وآمل أن تلتزم رؤية بيليم-أديس أبابا بشأن التكيف التزامًا واضحًا بآليات التنفيذ، التي تُعدّ أساسية لتفعيل مؤشرات الاتفاق العالمي للتكيف وتنفيذها".
بالفعل، كان ملف التكيف حاضرًا وبقوة في أثناء COP30؛ خاصة مع كثرة الأعمال والتنسيقات التي كانت الأطراف بحاجة إليها لدعم تحقيق الهدف العالمي بشأن التكيف، لكن خروج النص النهائي غير ملزم قد أثار الإحباط، وما زال ملف التكيف مطروحًا في قلب العمل المناخي.