مواجهتان عسكريتان تهددان باشتعال حرب عالمية ثالثة. الأولى: في قلب أوروبا بين روسيا وحلف الناتو من خلف ستار أوكرانيا. الثانية: في قلب الشرق الأوسط بين إسرائيل ومن خلفها أمريكا، وإيران ورأس حربتها حركة حماس.
هل هناك حدث عالمي راهن يمكن أن يسحب بساط الإعلام العالمي بخلاف هاتين المواجهتين؟ نعم، مقابلة الملياردير الأمريكي إيلون ماسك مالك منصة إكس مع الرئيس السابق للولايات المتحدة دونالد ترامب.
هل يمكن تخيل ذلك؟ مجرد مقابلة في الفضاء الإلكتروني ظل "تريند" العالم على مدار يومين كاملين، رغم ما نعانيه من تهديدات بنشوب حرب عالمية جديدة.
هل ندرك ماذا يعني ذلك مستقبلاً؟ هل نعي حقيقة الدور الذي يمكن أن يلعبه مالك منصة إكس في استقرار الأنظمة السياسية من عدمه؟
قبل سنوات قليلة، كان يتم التعامل مع الرئيس الأمريكي على أنه الرئيس الفعلي للكرة الأرضية، لكن يبدو أن هذا المنصب انتقل من البيت الأبيض إلى مالك منصة إكس. هذه هي الحقيقة التي يجب التعاطي معها جيداً، لما لها من ارتدادات على الاستقرار في منطقتنا العربية.
خلال مفاوضات إيلون ماسك مع جاك دورسي لشراء المنصة، كان يرى البعض أن القيمة المعروضة للشراء أكبر بكثير من القيمة السوقية للمنصة. وقتها كان أصحاب هذا الرأي على صواب.
لكن يبدو أن ماسك لم يتعامل مع الصفقة على أنها "بيزنس" وإنما نفوذ عابر للحدود. هذا الهدف تحقق له مع بدء الحرب الروسية الأوكرانية، إذ لعبت المنصة دوراً مؤثراً في "قيادة" الرأي العام العالمي.
أدوار سياسية كثيرة أخرى مارستها المنصة حتى مقابلة القرن مع ترامب، إذا جاز التعبير.
مظلة نفوذ متعددة الأبعاد
السؤال هنا، لماذا سعى ماسك إلى رئاسة كوكب الأرض؟ ومن يقف خلف الملياردير الأمريكي؟ ماسك يُنظر إليه في أوساط البيزنس على أنه رائد أعمال قادم من المستقبل، بمعنى أنه يمتلك أفكاراً ورؤى لا تتوافر لمنافسيه.
من هنا كان لابد له من "مظلة نفوذ" تمكنه من أن يصبح لاعباً وازناً في القضايا السياسية والعالمية، وتتيح له المساحة لترويج أفكاره وتوجهاته للجمهور العالمي، دون الحاجة للمرور عبر وسائل الإعلام التقليدية.
وجد ماسك ضالته في منصة "تويتر"، سيما مع تنامي دور السوشيال ميديا في العالم الرقمي. في اعتقادي، هذا هو السبب الرئيسي وراء قتال ماسك على امتلاك تويتر، وتقديمه عرضًا بـ44 مليار دولار، ما يفوق القيمة السوقية للمنصة آنذاك. وحينما ظفر بالصفقة ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد:
أولاً: إكس يعد مصدر الأخبار والنقاشات أمام مختلف صناع القرار في أوساط رجال المال والأعمال، ما يتيح له تجاوز دور "التأثير" إلى قيادة توجهات أسواق المال والعملات المشفرة، خاصة وأنه من أوائل رواد الأعمال الذين استثمروا في البيتكوين.
كذلك الأمر فيما يتعلق باستثمارات المستقبل مثل الميتافيرس وتقنيات الذكاء الاصطناعي وبناء مجتمعات في الفضاء الخارجي.
ثانياً: في مجال الاستثمار، هناك قاعدة ذهبية تقول إن أفكار المشروعات غير التقليدية دوماً تواجه بتحديات حكومية غير تقليدية، وأمام هذه المعضلة يبرز دور "إكس" باعتباره منصة رئيسية أمام مختلف القوى والتوجهات السياسية، وفي كثير من هذه القضايا يقود الرأي العام نحو تبني وجهة نظر بعينها.
من يملك الرأي العام يملك القرار، حتى ولو لم يكن في دوائر صناعة القرار. ما الذي يمنع ماسك إذاً من توجيه الرأي العام في خدمة مصالحه؟
ثالثاً: ماسك أدرك مبكراً أن المستقبل السياسي سيعتمد بشكل متزايد على العالم الرقمي. امتلاكه "إكس" يجعله لاعبًا محوريًا في هذا التحول، ما يمكنه من تشكيل كيفية تفاعل المجتمعات والحكومات مع التكنولوجيا والسياسة.
رابعاً: تمنحه القدرة على الدخول بشكل مباشر في مناقشات سياسية مع الحكومات، ومحاولة تشكيل سياسات تخدم مصالحه وتوجهاته المستقبلية. المثال الصارخ على ذلك، عداؤه للديمقراطيين نتيجة تبنيهم زيادة الضرائب على أصحاب الشركات المليارية.
من يقف وراء ماسك؟
ما سبق يؤشر إلى أن ماسك يجني ثمار ما خطط له من وراء الاستحواذ على "إكس". هنا يأتي الدور على محاولة فهم ما إذا كان الملياردير الأمريكي يقوم بهذه الأدوار لوحده أم تقف وراءه جهة ما.
بعد البحث والتقصي في مراكز بحثية كبرى، لا توجد دلائل موثقة تشير إلى وجود جهة ما تقف وراء مخططات ماسك للسيطرة على العالم بعد استحواذه على "إكس".
ما يعزز منطقية ذلك أن ماسك نفسه يعبر عن أهدافه بصورة مباشرة وعلنية. كما يميل إلى مواجهة السلطات والتنظيمات التقليدية، سواء كان ذلك في الخلافات مع الجهات التنظيمية أو الانتقادات للسياسات الحكومية.
أضف إلى ذلك إظهاره رغبة قوية في الحفاظ على استقلاليته، سواء من خلال السيطرة المباشرة على شركاته، أو رفضه للتأثيرات الخارجية على قراراته.
بيت القصيد.. شئنا أم أبينا، بات إيلون ماسك المحرك الرئيسي للرأي العام العالمي. لديه قدرة مطلقة على "المنح" أو "المنع". يملك في يديه ريموت كنترول يوجه من خلاله "العقول" إلى غاياته و"الأقدام" إلى مناطق الألغام التي يزرعها بنفسه.
مظلة نفوذه تغطي الكرة الأرضية بأسرها. لا يحتاج إلى تأشيرة مرور من أي جهة. يصعب الدخول في تحدي معه، لأن في تحديه مخاطرة غير مأمونة العواقب.
كثيرون يقفون على بابه، لكنه لا يطرق أبواب أحد، لأنه يملك المفتاح السحري. قد يأتي يوماً- لا أراه بعيدا- وتصبح مظلة ماسك أهم من "المظلة النووية".
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة