لم تتأخر دولة الإمارات، منذ قيامها قبل نصف قرن، عن ارتياد ومواكبة الآفاق الجديدة لكل المجالات الحياتية، خصوصاً المرتبطة بتطوير حياة الإنسان سواء من حيث الموضوع أو من حيث الزمن.
واحد من هذه المجالات "الاقتصاد الإبداعي" الذي لا يزال يعتبر جديداً مع أنه دشن عالمياً في 2004 والذي يعتمد على المجالات الثقافية والإعلامية والتراث وغيرها.
التقرير الذي تداولته وسائل الإعلام قبل يومين، يستشرف المكانة الرائدة لدولة الإمارات في هذا القطاع ويبرز ريادة الإمارات في هذا المجال ويتوقع أن يتنامى دورها (الإمارات) في تعزيز وتطوير هذا القطاع كنتيجة طبيعية لاستراتيجية الحكومة الإماراتية القائمة على تطبيق مفهوم الاستباق وعدم التأخر في مواكبة كل ما يحسن من حياة الإنسان.
ولأن الإمارات كانت سباقة في مجال الفضاء وتكنولوجيا الاتصالات والرقمنة. كما تعد من أولى دول العالم التي استفادت من الطفرة الهائلة في الذكاء الاصطناعي واستخداماته المتنوعة وتطوير تطبيقاته لتشمل كل مناحي الحياة تقريباً، فإنها تسعى في الاقتصاد الجديد إلى الجمع بين الاقتصاد والإبداع، ليصير الاقتصاد بأغراضه التنموية وأدواته الرقمية، موازياً للإبداع الإنساني.
القطاع الجديد يحقق غرضين اثنين في وقت واحد. الغرض الأول: هو تدشين مسار تنموي واقتصادي جديد، يعتمد كلية على القدرات والمواهب البشرية. ومن ثم يتجاوز حدود ما يسمى الاستثمار في البشر، ليصل إلى استثمار "قدرات البشر ومواهبهم الفكرية". فمعروف في علم الاقتصاد أن المورد البشري هو الأكثر شمولاً واستدامة من بين كل الموارد الطبيعية. وحتى الآن، كان الاستثمار في البشر ينصرف إلى تحسين قدرات الإنسان على العمل والإنتاج وبذل الجهد وتطوير إمكاناته ومهاراته المادية والعقلية، ليكتسب قدرات إنتاجية ويستطيع تعظيم القيمة المضافة بواسطته ضمن منظومة التنمية الشاملة في أي دولة.
الغرض الثاني: هو الاستثمار في مواهب الإنسان ومهاراته الإبداعية. وبالتالي، تضاف عناصر جديدة غير تقليدية إلى قائمة الموارد الاقتصادية وأدوات الإنتاج؛ منها الفن بفروعه المتعددة من رسم وغناء وموسيقى وتمثيل ونحت وتصوير، والأدب بأشكاله القصصية والروائية وأدب الرحلات والخيال العلمي، وغير ذلك من وسائل ممارسة الموهوبين لتلك الأنشطة واستقبالها بواسطة الجمهور المتلقي.
من شأن إدارة الإبداع البشري وفق مفاهيم وأدوات اقتصادية، أن يفتح آفاقاً رحبة أمام قدرات البشر الإبداعية ويُسهم في تنميتها وتطويرها وتوسيع نطاق الاستفادة منها على مستوى المجتمع والدولة. وبالتالي يتم تحويل النشاط الإنساني الطبيعي وبمخرجاته ونتائجه، إلى "صناعة" كاملة. ثم تتكامل تلك الصناعة مع غيرها من الأنشطة الاقتصادية في المنظومة الأوسع التي تعرف بصناعة الترفيه. وإن كانت الإمارات تتعاطى مع هذا الملف بمنظور أشمل من "الترفيه" وهو منظور "الثقافة" وليس فقط الترفيه.
هناك فوائد كبيرة ومتنوعة لذلك المسار المزدوج والتوازي بين إفساح المجال للإبداع وإدارته بقواعد وآليات اقتصادية. إذ يصب ذلك في التوجه العام الذي تسعى إليه معظم دول العالم، بتنويع مصادر الدخل وتعدد الموارد والابتعاد عن التقيد بمصادر تقليدية أو التقيد في موارد بعينها خصوصاً إذا كانت غير مستدامة.
تدرك دولة الإمارات بخبرتها وتجاربها التنموية، أن الاقتصاد الإبداعي سيكون واحداً من أسرع الاقتصادات نمواً في الدول المتقدمة بصفة خاصة. بعد أن تجاوزت نسبة مساهمته في إجمالي الناتج المحلي العالمي 6.1%. واستشرافاً للمستقبل الكبير الذي ينتظر ذلك الأفق الجديد في التنمية، جعلت الإمارات الاقتصاد الإبداعي إحدى ركائز استراتيجيتها للنمو خلال نصف القرن المقبل.
ما دامت دولة الإمارات قد جعلت استحداث اقتصاد الإبداع هدفاً لها، فلا بد أنه سيتحقق وعلى أفضل ما يكون من تخطيط وتنفيذ ومتابعة وتطوير. فهي ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التي تنافس فيها الإمارات دول العالم وتسبقها، ليس فقط في تطوير وتحديث نشاط أو مجال قائم، بل أيضاً في استحداث وابتكار نشاطات ومجالات غير مسبوقة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة