معاً نستكمل هنا تلك السلسلة الطويلة من المقالات المخصصة لمتابعة وتحليل ما يقدمه إعلام جماعة الإخوان التقليدي وعلى شبكات التواصل تجاه مصر والموجه من خارجها.
ذلك الإعلام القائم عليه أعضاء منتمون للجماعة أو "ملتحقة" بهم من تيارات أخرى، لفترة زمنية زادت عن العشر سنوات، وبالتحديد منذ إسقاط الشعب المصري العظيم لحكم الجماعة بثورته التاريخية في 30 يونيو/حزيران 2013.
وهذه المرة يتعلق الأمر بأداء هذا الإعلام والقائمين عليه، تقديماً وبثاً وإعداداً، فيما يخص مصادر أخباره وتحليلاته الموجهة كلها تقريباً نحو مصر حكماً ومجتمعاً. والملاحظة المركزية فيما يخص المصادر، هي أن العالم قد استقر على وجود مجموعة من الجهات والمؤسسات الإعلامية وغير الإعلامية، والتي تتمتع بالصدقية والقرب الكبير من الدقة والموضوعية، والتي يستمد منها الإعلام بمختلف وسائله وأشكاله حول العالم كله، معلوماته في مختلف المجالات، الاقتصادية، والمالية، والعسكرية، والاجتماعية.. وغيرها، ويستعين في كثير من الأحيان بما تقدمه من تحليلات وتقارير متخصصة في هذه المجالات.
ففي مجال الاقتصاد هناك عديد من المؤسسات الدولية التي يعتد بما تصدره من معلومات وتحليلات، أبرزها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية، فضلاً عن مؤسسات أخرى إقليمية، كالمؤسسة الاقتصادية الأوروبية وتجمع البريكس. وفي مجال التصنيف الائتماني، تحتل ثلاث مؤسسات أمريكية أكثر من 90% من هذا المجال، وهي "فيتش" و"موديز" و"ستاندر آند بورز". وتمثل الوكالات والهيئات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة مصدراً رئيسياً وموثوقاً فيما يخص كثيراً من الموضوعات الاجتماعية والسكانية وغيرها، مثل منظمة الأغذية والزراعة، ومنظمة الصحة العالمية والمنظمة الدولية للهجرة، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونيسكو).
أما في مجال الإعلام، ففضلاً عن المؤسسات الوطنية العملاقة المعروفة في غرب العالم وشرقه من صحف ومحطات تليفزيون، فهناك وكالات رئيسية للأخبار والمواد الإعلامية، سواء غربية أوروبية وأمريكية، وشرقية روسية وصينية، وتعد أهم المصادر لمعظم الإعلام الدولي.
هذا هو حال المصادر الرئيسية التي يستعين بها الإعلام الدولي كله بمختلف وسائله فيما يقدمه، وبالطبع تضيف إليها كل وسيلة ما لديها من معلومات وتحليلات خاصة بها، وهي التي تحدد في النهاية مكانة كل منها في الانتشار والتأثير الدوليين.
وعندما نلقي نظرة تحليلية على إعلام الإخوان خلال كل سنواته، نلاحظ الغياب التام تقريباً لكل أنواع المصادر العالمية الموثوقة والمعتمدة للمعلومات والتحليلات في شتى المجالات، أو المؤسسات والوكالات الإعلامية الرئيسة في العالم. وكما سبق الذكر في مقالات سابقة، يقتصر هذا الإعلام في أفضل الأحوال على اللجوء "الانتقائي المتعمد" وفقط تقريباً لبعض مؤسسات التصنيف الائتماني، ولا يحدث هذا سوى عندما يتراجع تصنيفها للاقتصاد المصري. وبالمقابل، فعند الحديث مثلاً عن عدد اللاجئين في مصر والذين يطلق عليهم هناك "ضيوف مصر"، لم يذكر هذا الإعلام الإخواني ولو لمرة واحدة أن تقدير المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة لعددهم في مصر عام 2022 هو 9 ملايين شخص من 133 دولة، وليس هو تقدير الدولة المصرية.
وبالطبع، فإن تجاهل إعلام الإخوان للمصادر الدولية الرئيسة الموثوقة والمعتمدة في مختلف مجالات الحياة وخصوصاً الإعلامية منها، يعكس فلسفة هذا الإعلام التي يقوم عليها وجوده كله. فهو ليس إعلاماً بالمعنى المعروف والدقيق للمصطلح، بل هو "ماكينة" دعاية سوداء وتسميم سياسي، لا ينفصل أبداً عن أهداف الجماعة التي تلهث وراء وهم "إسقاط" الحكم في مصر والعودة المستحيلة للاستيلاء على حكمها ثانية. وهنا لن نستطيع في هذه المساحة المحدودة أن نستعيد معاً عشرات من خصائص وملامح إعلام الجماعة التي سبق لنا عرضها وتحليلها خلال تلك السلسلة الطويلة من المقالات، ولكننا فقط نضيف إليها هذا الملمح الذي استعرضناه في السطور السابقة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة