سبق لنا في مقالين سابقين حديثين في هذه المساحة أن تعرضنا بالرصد والتحليل لإعلام جماعة الإخوان التقليدي وعلى شبكات التواصل تجاه مصر والموجه من خارجها، سواء قام به أعضاء منتمون للجماعة أو "ملتحقة" بهم من تيارات أخرى، بصورة عامة منذ بدء عدوان إسرائيل على غزة
وأبرزنا من خلالهما ملامح وخصائص إضافية لهذا الإعلام ضمن هذا السياق السياسي والعسكري غير المسبوق سواء على صعيد الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني أو على الصعيدين الإقليمي والعالمي، بعضها جديد والآخر امتداد لخصائص لصيقة بهذا الإعلام منذ انطلاقه قبل أكثر من عشر سنوات.
وتأتي التطورات الأخيرة شديدة الخطورة التي طرأت على مجرى الصراع والأزمة، لكي يكشف تحليل متابعة إعلام الإخوان لها، من حيث الشكل والمضمون، وحتى اليوم على الأقل، عن ملامح وخصائص إضافية لهذا الإعلام. فقد تابع هذا الإعلام – ككل وسائل إعلام الإقليم والعالم – عملية الاغتيال التي قام بها الجيش الإسرائيلي للقائد العسكري الأول لحزب الله فؤاد شكر في قلب الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت، والاغتيال اللافت والخطير للغاية لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران، الذي لم يعلن هذا الجيش – حتى الآن على الأقل – مسؤوليته عنه.
ويبدو الملمح الأول الرئيسي مهماً للغاية ولافتاً بصورة تستحق التوقف والتحليل، وهو يتجاوز إعلام الإخوان المصريين، ليتعلق بالاتجاهات والمجموعات التي تفرقت إليها الجماعة خلال السنوات الأخيرة ما بين عدد من عواصم العالم.
فبغض النظر عن الأداء الشكلي لإعلام الإخوان والقائمين عليه من إبداء الحزن والتعاطف مع القائدين المغتالين، فالأكثر أهمية هو أن أيا من فروع الإخوان المصريين المتصارعة لم يصدر أي بيان رسمي أو حتى كلمات تعزية شخصية، وبالتحديد لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس، منذ اغتياله وحتى اللحظة، وبالطبع لم يشر إعلام الإخوان إلى شيء لم يحدث.
ولم يصدر عن أي من ممثلي الإخوان حول العالم أي بيانات رثاء لإسماعيل هنية، سوى إخوان الأردن والجماعة الإسلامية بلبنان، والذين شارك بعض من قياداتهم في تشييع جنازته بالدوحة.
ويشير هذا الملمح المهم الذي يتجاوز إعلام الإخوان المصريين إلى الجماعة، إلى تطور لافت للغاية يبدو أنه قد لحق بعلاقة حركة حماس بجماعة أو جماعات الإخوان المسلمين بدءا من مايو/أيار 2017 عندما ألغت الحركة ميثاقها القديم الصادر في أغسطس/آب 1988، وأحلت محله "وثيقة المبادئ والسياسات العامة لحركة حماس" والمكونة من 42 بنداً.
فمن الناحية النظرية والعملية أوقفت الحركة بصورة كبيرة للغاية ارتباطها بجماعة الإخوان، خصوصاً بعد حذفها المادة الثانية من ميثاقها المُلغى التي كانت تنص صراحة على أنها "جناح من أجنحة الإخوان المسلمين بفلسطين"، لتعرف نفسها بأنها "حركة تحرر ومقاومة وطنية فلسطينية إسلامية".
وقد تطرقنا في مقال سابق في هذه المساحة لأبرز التغييرات في مواقف حماس في تلك الوثيقة، ونشير هنا فقط إلى قبولها بمنظمة التحرير الفلسطينية كـ "إطار وطني للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج يجب المحافظة عليه"، وإلى اعتبار الحركة "أن إقامة دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة، وعاصمتها القدس، على خطوط الرابع من يونيو/حزيران 1967، مع عودة اللاجئين والنازحين إلى منازلهم التي أخرجوا منها، هي صيغة توافقية وطنية مشتركة".
بهذه التغييرات الجوهرية في أساس الحركة الفكري، وأخرى مهمة في أدائها العملي – مع الإقرار بكل الملاحظات الموضوعية عليه – في الإطار الفلسطيني، والأهم في علاقاتها الوثيقة طوال الوقت، خصوصاً في مراحل الأزمات والصراع، مع الدولة المصرية، وحرص قياداتها دوماً على الإشادة بمواقفها في دعم الشعب الفلسطيني وقضيته، فقدت حماس أهميتها للإخوان المصريين، الذين سعوا في أوقات سابقة لاستخدامها في صراعهم مع الدولة المصرية. وزاد من تحسس وتخلي الإخوان عموماً والمصريون خصوصاً عن حركة حماس، أنه طوال شهور الحرب الدموية العشرة في غزة، لم تتبن حماس مفردات وخطاب الجماعة ولا أشارت مطلقاً إليها، بل احتفظت بخطاب "المقاومة الشعبية والتحرر الوطني"، مما اعتبره الإخوان فقداناً لفرصة "تاريخية" لاستغلال هذه الحرب وصمود الشعب الفلسطيني لصالح الدعاية السياسية لهم.
وأما الملمح الثاني المتعلق بأداء إعلام الإخوان، فهو معتاد واستكمال طبيعي لما ظل يقوم به لأكثر من عشر سنوات، فبالرغم من وقوع اغتيال هنية في قلب طهران وأثناء زيارة رسمية له وبداخل أحد مقرات الضيافة المفترض تأمينها عالياً، فلم يوجه هذا الإعلام كلمة نقد واحدة للدولة الإيرانية، وتفرغ كعادته للهجوم على مختلف الحكومات العربية، ومصر بالطبع في مقدمتها، بنفس الحجج والأكاذيب البالية المستهلكة المعادة طوال الوقت، والمشككة دون توقف في مواقفهم من الشعب الفلسطيني وقضيته.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة