لا حالة الغليان السياسي التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط، ولا حتى عمليات التصفية الجسدية والاغتيالات التي تقوم بها الحكومة الإسرائيلية جديدتان على المنطقة.
بل إن سياسة الاغتيالات هي الوسيلة المفضلة التي تستخدمها إسرائيل في إضعاف أعدائها كما حدث مؤخراً من خلال سلسلة اغتيالات التي قامت بها إسرائيل بعدد من القيادات والمسؤولين في بعض التنظيمات والمليشيات الفلسطينية واللبنانية عندما أعلنت أنها نجحت في اغتيال القيادي بحركة حماس محمد الضيف، ثم قامت باغتيال فؤاد شكر القيادي في حزب الله اللبناني، ثم إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، بعد بضع ساعات فقط. وكل هذا كان يمر وفق تفاهمات وترتيبات سياسية في المنطقة ويرجع الوضع في المنطقة وفق "الروتين السياسي" للمنطقة وهي المشاغبات المتبادلة بين إيران وإسرائيل.
ولكن مصدر الخطر المحتمل (حالياً) باشتعال المنطقة بحرب مفتوحة وشاملة، يرتبط أساساً بخلط الأوراق وفتح جبهات متعددة وممارسة سياسة الأرض المحروقة وتوسيع الفجوة بين إسرائيل ودول وشعوب المنطقة. فحكومة بنيامين نتنياهو تباشر بشكل واضح ومتعمد استفزاز أطراف عدة في وقت واحد، وقطع الطريق على أي محاولات لتهدئة الأوضاع وتهيئة الظروف الملائمة لإبرام اتفاق لوقف إطلاق النار وإنهاء حرب غزة بصورة سلمية.
والمؤكد أن عدم إنهاء الحرب أصبح هدفاً ثابتاً، بل وربما مصيري بالنسبة لنتنياهو. فأي ما كانت صيغة أو طريقة إنهاء الحرب، لن تكون نهاية سعيدة للحكومة الحالية وستعني أيضاً نهاية مسيرة نتنياهو السياسية، بعد الإخفاق في تحقيق كل أهداف الحرب التي أعلنها طول عشرة أشهر من العمليات العسكرية والتدمير المتواصل في قطاع غزة ومقتل عشرات الآلاف من المدنيين هناك. فيما لا يزال الرهائن محتجزين وحماس ما زالت "تشاغب" أمنياً وتقلق الأمن في إسرائيل.
وبالتالي، لم يعد محل شك أن بنيامين نتنياهو والمتطرفين في حكومته، لم يعودوا يبحثون عن إنهاء الحرب بالمرة، بل عن استمرارها وإطالة أمدها لأطول وقت ممكن. وبعد أن استخدمت تل أبيب كل الطرق والأساليب الممكنة لتفجير المفاوضات ومنع التوصل إلى اتفاق، أخذت تباشر عمليات الاغتيال لتدفع حماس وبقية التنظيمات الفلسطينية إلى وقف المفاوضات والعودة إلى استخدام القوة المسلحة التي يسمونها "الجهاد". فيحصل نتنياهو على ما يريده من ذرائع للاستمرار في العمليات العسكرية، ولو على حساب الرهائن المحتجزين لدى حماس. بل إن تعريض حياة أولئك الرهائن للخطر، سيسمح لحكومة تل أبيب بمزيد من الوحشية والإمعان في القتل والتدمير لقطاع غزة والفلسطينيين المدنيين الأبرياء.
مخاطر عملية خلط الأوراق التي يمارسها نتنياهو بامتياز، تتجاوز حدود المفاوضات مع الفلسطينيين واحتمالية إيقاف الحرب. فقد تم اغتيال إسماعيل هنية داخل الأراضي الإيرانية، ما يعني انتهاكاً للسيادة الإيرانية، وإنما أيضاً إهانة أخلاقية وصفعة أمنية للحرس الثوري الإيراني ما يشير إلى نقل الصراع إلى مرحلة جديدة وجعل المواجهة مفتوحة.
وبما أن إيران حاضرة بقوة في لبنان وسوريا والعراق واليمن، وانغماسها في ملفات متعددة وقضايا متقاطعة كثيرة بالمنطقة، فإن المنطقة كلها بذلك تكون في وضع حرج وقابل للانفجار. وما إن تشتعل شرارة المواجهة على أي جبهة، فإن كل دول الشرق الأوسط تصبح أطرافاً محتملة سواءً بإرادتها أو رغماً عنها.
ولا شك في أن تعدد الأطراف وتعدد الجبهات، من شأنه إحداث فوضى إقليمية لا يمكن تقدير نتائجها أو حساب تبعاتها. خصوصاً من زاوية حساب المصالح والخسائر التي يمكن أن تتعرض لها شعوب ودول المنطقة.
إجمالاً، قد ينجح نتنياهو في إشعال المنطقة وإثارة الفوضى، لكنه بالتأكيد لا يضمن التحكم في نتائج تلك الفوضى. فالتاريخ يؤكد أن سياسة خلط الأوراق وتفجير الأزمات وإشعال التوترات، يدفع ثمنها الجميع وليس المتسبب فيها وحده.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة