يُعرّف بعض اللغويين العرب كلمة "الردح" بأنها علو الصوت وإطالة اللسان بالكذب والافتراء والتضليل.
ولعل هذه الكلمة هي الوصف الأدق لما يقوم به الإخوان وأتباع المليشيات من الرعاع الذين ابتلينا بهم في زماننا.
وما بين رد إيران من عدمه على إسرائيل، نتيجة اغتيال تل أبيب زعيم حركة حماس إسماعيل هنية في قلب العاصمة طهران، تبقى بعض أجزاء المنطقة العربية ساحةً لكثير من الترهات والأزمات والخلافات، وهذا أمر أعقب الفوضى الحاصلة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وإن كان هناك ردٌ إيراني حقيقي يستهدف العمق الإسرائيلي، فلا بد من القول: إن كل طرف يعرف حدوده جيداً، فالمايسترو الأمريكي يتبادل الرسائل مع حكام إيران عبر السفارة السويسرية والوسطاء، وعبر البارجات والمدمرات والغواصات، التي عادت إلى المنطقة بقوة.
والمستجد لكل مستعد، هو أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة، باتت معفاةً من أي استحقاق حقيقي على مستوى الشرق الأوسط، إلا مسألة الدفاع عن إسرائيل، وهي من ثوابت السياسة الخارجية الأمريكية وحتى الداخلية، فـلا البيت الأبيض بغض النظر عن ساكنه، ولا الكونغرس الأمريكي بصرف النظر عن أغلبية فيه أو أقلية من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، يستطيعان التخلي عن الالتزام التام بتحقيق رغبات تل أبيب.
والأزمة الكبرى تتمثل بالخطابات التي يمارسها الإخوان والمليشيات من خلال تخوين العرب وشتمهم، وكأن المليشيات التي يتلطون خلفها حققت منجزات تنهي الاحتلال أو تخفف من معاناة الناس المدنيين.
والواقع يقول: إن الحوار وحده الكفيل بحل أي مشكلة، والمفاوضات الجادة هي السبيل الأمثل والوحيد لتجنب وقوع حرب شاملة، قد تنزلق لها المنطقة، إن تمادى المتطرفون هنا وهناك، سواءٌ كانوا في إسرائيل أو الفصائل التي تتعامل معها.
وحتى الرئيس الأمريكي السابق والمرشح الجمهوري الرسمي دونالد ترامب لم يخف تخوفه من حصول حرب عالمية ثالثة، بسبب ما يشهده الشرق الأوسط من صراع دموي على مدار الأشهر الماضية، وإن كان ترامب يلقي باللوم على خلفه الرئيس جو بايدن، ويصفه بالضعيف المرتجل لسياسة غامضة بأداء مرتبك.
ويتمسك ترامب بمقولته المتكررة: لو كنت رئيساً لما حصل كل هذا، وحين سأله رجل الأعمال الأمريكي الأشهر إيلون ماسك عن معنى ذلك، خلال حوار ملياري المتابعة على منصة "إكس" (تويتر سابقاً) قبل أيام، قال ترامب: "لقد أغدقت العقوبات بسخاء على إيران خلال سنوات حكمي، وهذا الأمر جعلها عاجزةً عن دعم مليشياتها لارتكاب حماقات كبرى، وأما بايدن فقد رفع العقوبات واستعدى الحلفاء واسترضى الأصدقاء ضمن معايير كارثية".. انتهى كلام ترامب.
ولعل هذا كله يجعلنا أمام تحديات كبيرة، فمعيب أسلوب من يتصيد للعرب والعروبة بذريعة عدم الرد على إسرائيل، وهذا المنطق ربما يكون مقبولاً ومفهوماً أحياناً من الضحايا والبسطاء، فأول العتب واللوم على ذوي القربى، لكن من المتعلمين ومدعي الفهم، فهو ليس أكثر من تدليس أو سوء تقدير فادح.
ومن أجل الدفاع عن إيران وردها المؤجل ذوداً عن (شرفها)، ينبري ناطقون بالعربية، ومجندون رقميون، للنيل من العرب والعروبة عامة، وكأن شعب فلسطين العربي صار أعجمياً، أو كأن مواكب الشهداء من أجل فلسطين كانت من الأعاجم لا العرب.
وهذا التضليل لا ينبغي أن يمر، ومن يريد الدفاع عن غزة وشعبها المنكوب، عليه ألا يخلط ذلك بالنيل من أمة ما كان له شرف الانتساب لها، والتضليل الإعلامي والسياسي الذي يحاول فصل القضية الفلسطينية عن محيطها العربي وتقديمها كقضية تخص أطرافاً محددة أو قوميات أخرى؛ هو جزء من مخطط أوسع لتفكيك الهوية العربية وتحويلها إلى مجرد تجمعات عرقية أو طائفية متناحرة، لذلك يجب علينا أن نكون واعين لهذه المحاولات وأن نرفضها بكل قوة.
ومن المؤسف اقتران القضية الفلسطينية العادلة في بعدها التاريخي، والحافظة لميراث أجيال متعاقبة من العرب الأوفياء، بمجموعات من القتلة والفاسدين والمتاجرين بكل شيء وصولاً إلى فلسطين، فالخطر الحقيقي على هذه القضية ليس من أعدائها، بل من أطراف تريد غسل أدرانها بنقاء عدالة قضية معروفة.
وهناك من يقول: إن تأخر رد الفعل الإيراني يعود لسبب وحيد هو أنها لم تكمل الصفقة النهائية مع الولايات المتحدة الأمريكية لمقايضة دم إسماعيل هنية مقابل إلغاء العقوبات الأمريكية على مؤسسات وشخصيات ترتبط بالحرس الثوري، وإطلاق نسبة من ملياراتها المجمدة مع عودة غير مشروطة لمفاوضات الملف النووي، وهذه هي إيران كما يقول جواد ظريف وزير خارجيتها السابق: "مصلحتها قبل مبادئها".
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة