"كردستان" بين امتصاص صدمة فشل الاستقلال و"نشوة" انتصار بغداد
مراقبون يؤكدون أن خروج مسعود بارزاني من الرئاسة في كردستان لا يعني غيابه عن المشهد السياسي، بل سيستمر في التأثير ولكن بشكل غير مباشر
لا يعني خروج مسعود بارزاني من الرئاسة في كردستان العراق غيابه عن المشهد السياسي، حيث يؤكد مراقبون على أنه سيستمر في التأثير ولكن بشكل غير مباشر ومن خلال أشخاص مقربين منه.
ولحين إجراء انتخابات جديدة في كردستان منتصف 2018، يُعد منع وقوع أية فوضى في الإقليم المنقسم سياسيًا، وامتصاص صدمتي إخفاق مشروع الاستقلال، و"نشوة الانتصار" لدى بغداد، وإدارة هادئة للخلافات أبرز التحديات أمام الإقليم.
الكاتب الإيراني المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، أمير طاهري، غرد على حسابه في موقع التواصل "تويتر" عن تخلي بارزاني عن الرئاسة، قائلًا "بارزاني يتخلى عن الدور السياسي، لكنه ممسك بالقوات.. نظريًا ترك إدارة القوات لرئيس الوزراء، لكن في الواقع هو المسيطر.. السلطة الموازية هي حقيقة في الشرق الأوسط".
أما السياسي الكردي آزاد جندياني، فيقول عن الموضوع: "ليس سهلًا شغور موقع بارزاني، خاصةً وأنه شخصية ذات كاريزما، والخطط والتحركات التي تجري ببغداد وأماكن أخرى ربما كان الهدف منها أن يفقد الأكراد شخصياتهم ذات الكاريزما مثله، شخصية بهذا المستوى تثبت الحضور في الانتصار والهزيمة".
وأضاف أنه "لا أعلم من سيكون بديل بارزاني، لكن ما أعرفه أن أمريكا والدول المجاورة لنا يبحثون عن شخص يقول لهم وبسهولة نعم على ما يقولون".
وبحسب قانون رئاسة إقليم كردستان الصادر عن البرلمان عام 2005، يحق لأي شخص الاستمرار في منصب الرئيس لدورتين مدتهما 8 سنوات، وتمت الدورة الأولى من خلال البرلمان، أي من دون اقتراع عام، حيث جرت تزكية بارزاني كرئيس دون منافس في البرلمان.
وبعد انقضاء الدورة الأولى وبطلب من بارزاني نفسه تم تعديل القانون ليجري اختيار الرئيس عبر الانتخابات، وفاز فيها بنسبة أصوات تجاوزت 70%، والدورة الثالثة التي منحت له جاءت عبر البرلمان والقضاء لأسباب مختلفة، وهذا يعني أن فرصه في رئاسة الإقليم انتهت قانونيًا، بالتالي فإن خروجه بمصادقة من البرلمان كان أمرًا متوقعًا، باستثناء الظروف الراهنة والتي تزامنت مع نكسة تعرض لها إقليم كردستان في المجال الأمني والسياسي على يد بغداد وبدعم إقليمي.
إهمال دروس التاريخ
حلم بارزاني كان مغادرة رئاسة الإقليم إلى منصب آخر، يشبه حلم سابقيه من القادة التاريخيين للأكراد في دول المنطقة، وهو رئاسة الدولة الكردية، واعتمادًا على قراءته الشخصية للوضع وتحليلات قدمها مستشارون يحيطون به وعدم الالتفات لدروس التاريخ القريب، أعلن عن توجه الإقليم لإجراء استفتاء لتقرير المصير الذي يعني مخرجًا واحدًا وهو طلب الاستقلال عن الدولة العراقية، لكن القراءات التي اعتمدها تضمنت تهوين الفكرة أو استسهالها في هذه المرحلة، لأن بغداد متجهة للاستقواء أكثر بإيران وبقية أصدقائها في المستقبل مما يُصعب على الأكراد إجراء استفتاء.
لكن التطورات التي أعقبت الاستفتاء الذي نجح فنيًا، أثبتت حالة من قصر النظر والقراءة الخاطئة وخاصة لجهة الاستهانة بالتفكير الإيراني والتركي إزاء موضوع استقلال كردستان، إضافة إلى عدم توقع ما قام به بعض السياسيين الأكراد أنفسهم في قطع الطريق على مشروع بارزاني، ليس لشيء، ولكن لأنه سيكتب له كانتصار قومي كاسح ويجعله أهم زعماء الأكراد.
لكن مشروع الدولة تعثر في مراحله الأولى، ليعود إلى مربع الحلم وبانتظار انطلاقة جديدة ومشروع جديد.
المركزية والفردية في القيادة وعدم توسيع دائرة المشورة والقرار هي صفة الأحزاب السياسية في الشرق الأوسط، وهو المتبع في حزب بارزاني، الذي أراد قيادة مشروع تأسيس الدولة الكردية المستقلة، لكن وبسبب حجم المشروع وأهميته ارتدّت التحركات بالسلب على الحزب ومعظم الأكراد.
السياسي الكردي المخضرم، محمود عثمان، قال إن "الأكراد كشعب لم يكونوا وليسوا الآن ضمن الأجندة السياسية الأمريكية، يعتبرونهم جزءًا من الشعب العراقي، وفي كل مرة تقع مشاكل بين الأكراد وبغداد يمارسون ضغوط على الأكراد للذهاب والتفاهم مع بغداد وليس العكس".
وأضاف: "صحيح اعتبرت الأكراد حليفا وشريكا في محاربة الإرهاب وداعش ولكن تلك الصفة لم تتحول إلى سياسية، بدليل أنهم اختاروا جانب بغداد، وبعيدًا عن أي معيار أخلاقي، شاركوا في غرفة عمليات عسكرية لإلحاق الأذى بالأكراد".
وكانت قراءة الأكراد في الاعتماد على موقف إيجابي أمريكي من مشروع الاستقلال أقرب إلى موقف أمريكي آخر من القضية الكردية عام 1975، عندما أوقفت الولايات المتحدة وحليفها شاه إيران الدعم عن المعارضة الكردية للحكومة العراقية، وقرر وزير الخارجية الأمريكية -حينها- هنري كيسنجر، التقريب بين بغداد وطهران لتسوية مشاكلهما وتوقف الطرفين عن دعم المعارضة لكليهما، وسمي اتفاق المصالحة ذاك بـ"اتفاقية الجزائر" التي أدت ضمن نتائجها إلى انهيار المعارضة الكردية وكبوة لمشروع الحكم الذاتي لكردستان.
المسؤولون الأكراد الذين اتفقوا مع الحكومة العراقية بوساطة إيرانية على تمكين قوات الحكومة الاتحادية من إيصال سيطرة الحكومة للمناطق المتنازع عليها مع كردستان، معروفون ونهجهم السياسي واضح بين الأكراد.
أسس لهذه المدرسة السياسية شخصان هما إبراهيم أحمد، وجلال الطالباني، ابتداءً من عام 1963، عندما قررا الوقوف بصف الحكومة العراقية وترك العمل ضمن المعارضة الكردية التي كانت تقاتل لأجل انتزاع اعتراف بغداد بحكم ذاتي لكردستان، أما الاسم الذي يتم تداوله بشكل كبير منذ اندلاع الأزمة الأخيرة في كركوك، وهو "بافل الطالباني" باعتباره الشخص الذي قرر الوقوف بوجه مشروع الاستقلال الكردي وتأييد بغداد على حساب بارزاني، ليس سوى حفيد إبراهيم أحمد وابن جلال طالباني.
بالتالي فإن اختيار جانب بغداد والذي استبعده بارزاني بالنسبة للسياسيين الأكراد كان عدم قراءة في التاريخ السياسي الكردي الحديث، ومن الصعب أن يكتب النجاح لأي مشروع للاستقلال مع بقاء هذه المدرسة السياسية الكردية مؤثرة.
التمسك بالأمل
وكأي حزب سياسي آخر في دول المنطقة، اعتمد الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي ينتمي له بارزاني التوريث، حيث خلف هو رئاسة الحزب عن والده مصطفى بارزاني الذي أسسه عام 1946، واليوم هناك عدد من القادة البارزين في الحزب بمجالي السياسة والأمن من أفراد أسرة بارزاني، فهناك ابن أخيه، نيجيرفان إدريس بارزاني، وهو سياسي معروف يقود حكومة الإقليم منذ سنوات، وهناك النجل الأكبر لبارزاني، مسرور، وهو مستشار مجلس الأمن لإقليم كردستان ويُعد أبرز المرشحين لخلافة والده سواء في منصب رئاسة الإقليم، أو رئاسة الحزب.
إضافة إلى سياسيين أقل أهمية، مثل دلشاد مصطفى بارزاني، وهو سفير العراق بألمانيا، وسيوان صابر بارزاني وهو أيضًا سفير في هولندا، وسيروان صابر بارزاني وهو قائد وحدة للقوات الخاصة، ومنصور مسعود بارزاني وهو قائد قوة خاصة تضم وحدتين، وكل هؤلاء أبناء وإخوة وأبناء إخوة الرئيس.
لكن المُهمين من القائمة، هما مسرور بارزاني ، ونجيرفان بارزاني اللذين يتوقع أن يستمرا في صدارة العملية السياسية بالإقليم، وعبرهما سيبقى مسعود بارزاني مؤثرًا في المشهد خلال الفترة القادمة وبانتظار فرصة جديدة للوصول إلى حلم الاستقلال.
وقال المحلل الكردي عادل القرداغي، عن التطورات الحاصلة، إن "اللعبة لا تزال في شوطها الأول وهناك أشواط أخرى.. واضعو سيناريو الأحداث في المنطقة يديرون اللعبة ضد مصالح الأكراد، لكن الشوط التالي سيبدأ بعد الانتخابات العراقية القادمة "إبريل/نيسان 2018".
وأضاف في تحليل على صفحته بموقع "فيسبوك" أنه "عندما هاجم داعش كردستان كان وضع الأكراد أسوأ من وضعهم الراهن، ثم انقلبت المعادلة وتحولت كردستان إلى مفتاح القضاء على داعش واستعادة معقلهم مدينة الموصل، الذي نراه من ممارسة عملية للقوة من قبل رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي تجاه كردستان هو محاولة لضرب خصومه ومنافسيه الشيعة للاستمرار بمنصبه لدورة ثانية بدعم أمريكي إيراني، وهذه القوة تذكرنا بالقوة التي كان عليها سلفه المالكي قبل أن تنقلب الأوضاع ضده على يد داعش، أي أن القوة قابلة لتتحول إلى ضعف والانتصار إلى هزيمة خلال وقت وجيز، وبالنسبة لكردستان لم تنته بعد اللعبة، بقليل من رص الصفوف قد يحولون نكستهم إلى انتصار في ظل تطورات كثيرة مقبلة وغير متوقعة".
التطورات التي انتهى إليها مشروع الاستقلال الكردي في العراق حزينة، تشبه إلى حد بعيد نهاية مشروعهم لنيل الحكم الذاتي في عام 1975 والذي تم وأده على يد الثلاثي ذاته، الولايات المتحدة ممثلة بكيسنجر، وإيران بالشاه، والعراق بصدام حسين، والأمل الذي يتطلع إليه الأكراد هو النهوض من جديد، فمثلما عادوا من نكسة 1975 في عام 1991 لنيل الفيدرالية، يمنون أنفسهم بالعودة للاستقلال ولو بعد حين.