معارف الشعوب الأصلية.. ضيوف طيبون في COP28
إذا كنت من متابعي فعاليات مؤتمرات المناخ المتعاقبة، فمن المؤكد أن عينك ستلتقط صورا لأشخاص يرتدون أزياء تبدو غير مألوفة.
وذلك لحرص هؤلاء من أبناء "الشعوب الأصلية" على التمسك بثقافتهم وزيهم التقليدي، حتى لو كان لافتا للانتباه.
ورغم أن الكاميرات عادة ما تلاحقهم، ويتم توقيفهم كثيرا من المشاركين في المؤتمر، رغبة في التقاط صور تذكارية معهم، فإن ذلك لا يسبب لهم الضيق أو الضجر أبدا، ذلك لأنهم فضلا عن شخصياتهم الطيبة، التي لم تتلوث بالحضارة والمدنية، يرون في هذا الاهتمام نجاح للرسالة التي يودون توصيلها من خلال مشاركتهم، وهي أننا "ما زلنا على وجه الأرض، ونحن أكثر المتضررين من تغيرات المناخ، فلا تنسونا وأنتم تتفاوضون".
وإذا كانت مشاركة ممثلي الشعوب الأصلية مثل الأمازون والأستراليون الأصليون ومجتمعات مناطق القطب الشمالي (الإنويت)، شعوب جزر المحيط الهادي ، كانت في البداية قاصرة على مجرد وجود أجنحة لهم يعرضون خلالها ثقافتهم ويتحدثون عن تضررهم من تغير المناخ، إلا أنه مع الوقت اكتسبوا مزيدا من الاعتراف بفضل فهمهم الفريد للقضايا البيئية وارتباطهم بالأرض، فأصبح حضورهم بمثابة رسالة قوية لتسليط الضوء على آثار تغير المناخ على مجتمعاتهم، وكثيراً ما يدعون إلى سياسات تحترم حقوقهم، وتعزز الممارسات المستدامة، وتحافظ على معارفهم التقليدية.
وتمتلك الشعوب الأصلية معارف إيكولوجية تقليدية قيمة تقدم رؤى حول الإدارة المستدامة للموارد، واستراتيجيات التكيف، والحفاظ على التنوع البيولوجي، لذلك فإن حضورهم أصبح مناسبة جيدة أيضا لتقاسم هذه الحكمة مع الآخرين، خلال المناقشات الرامية إلى تعزيز جهود التخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معه.
وتطورت مشاركات الشعوب الأصلية إلى أن أصبح وجودهم داعما للاعتراف بحقوقهم في الأراضي والأقاليم والموارد، والتشديد على أهمية إدراج وجهات نظرهم في عمليات صنع القرار التي تؤثر على أراضيهم وسبل عيشهم، كما أصبح مندوبو السكان الأصليين يوظفون هذه المؤتمرات كمنصات للتواصل مع صانعي السياسات والمنظمات غير الحكومية وأصحاب المصلحة الآخرين، بهدف بناء تحالفات وتبادل الأفكار والتعاون في المبادرات التي تفيد مجتمعات السكان الأصليين وتعالج تحديات المناخ.
نتائج بارزة لمشاركة الشعوب الأصلية
وأثمرت هذه المشاركة المميزة للشعوب الأصلية تحقيق العديد من النتائج البارزة التي أثرت بشكل إيجابي على الإجراءات والسياسات المناخية، ومنها على سبيل المثال:
- الاعتراف بالمعرفة الأصلية: هناك اعتراف متزايد بقيمة المعرفة البيئية التقليدية، التي تمتلكها مجتمعات السكان الأصليين، وقد تم دمج هذه المعرفة في سياسات المناخ، مما يسترشد به استراتيجيات التكيف والتخفيف، وخاصة في المجالات المتعلقة بالاستخدام المستدام للأراضي، والحفاظ على التنوع البيولوجي، وبناء القدرة على الصمود.
- الإدماج في عمليات صنع القرار: بُذلت جهود لإشراك ممثلي السكان الأصليين في عمليات صنع القرار الرسمية في مؤتمرات المناخ ومناقشات السياسات ذات الصلة، ويسمح هذا الإدماج بسماع أصواتهم وأخذ وجهات نظرهم بعين الاعتبار عند صياغة السياسات وخطط العمل.
- الاعتراف بالحقوق وحيازة الأراضي: تم توجيه اهتمام أكبر نحو الاعتراف بحقوق الشعوب الأصلية وحمايتها فيما يتعلق بالأراضي والأقاليم والموارد الطبيعية، ويهدف هذا الاعتراف إلى حماية أراضي السكان الأصليين من الاستغلال ودعم إدارتها المستدامة، وهو أمر بالغ الأهمية لمقاومة تغير المناخ.
- الشراكات والتعاون: أقامت مجموعات السكان الأصليين شراكات مع الحكومات والمنظمات غير الحكومية والمنظمات الدولية من خلال مشاركتها في المؤتمرات، وقد سهلت هذه التعاونات تنفيذ المشاريع التي يقودها المجتمع المحلي، ودعم القدرة على التكيف مع تغير المناخ وجهود التخفيف من آثاره على أرض الواقع.
- الحفاظ على الثقافة والقدرة على الصمود: سلط التركيز على وجهات نظر السكان الأصليين الضوء على أهمية الحفاظ على الثقافة ودور الممارسات الثقافية في تعزيز القدرة على التكيف مع تغير المناخ، وقد ساعد هذا الاعتراف في حماية التراث الثقافي والتقاليد المرتبطة بالممارسات المستدامة.
- زيادة الوعي: أدت مشاركة السكان الأصليين في مؤتمرات المناخ إلى زيادة الوعي حول نقاط ضعفهم الفريدة تجاه تغير المناخ والحاجة إلى حلول مخصصة، وقد أدى هذا الظهور المتزايد إلى زيادة الدعوة إلى السياسات التي تعالج هذه التحديات المحددة.
ورغم تحقيق خطوات كبيرة في مجال مشاركة الشعوب الأصلية، فإن التحديات لا تزال قائمة، بما في ذلك الحاجة إلى الالتزام المستمر بالإدماج الهادف، وضمان التنفيذ الفعال للسياسات التي تعكس أولويات الشعوب الأصلية ومعارفها.