تتبنى أبوظبي رؤيةً استراتيجية تستهدف تعزيز مرونة واستدامة الاقتصاد الوطني وتنوُّع روافده الحيوية، لاسيما الصناعة وريادة الأعمال وقطاعات اقتصاد المستقبل.
وفي قلب هذه الرؤية الاقتصادية الطموحة لإمارة أبوظبي، يبرُز منتدى "اصنع في الإمارات" كمنصةٍ استراتيجية تجمع الجهات الحكومية والمستثمرين والمصنعين ورواد الأعمال تحت سقف واحد، بهدف دعم التصنيع المحلي وتحفيز الاقتصاد القائم على المعرفة. وتعد هذه الفعالية فرصة مثالية لعرض قصص النجاح، وتبادل الخبرات، واستكشاف فرص النمو وآفاق تطوير التعاون، بما يرسّخ ثقافة ريادة الأعمال في الإمارة.
حيث يلعب صندوق خليفة لتطوير المشاريع دوراً أساسياً في تمكين منظومة ريادة الأعمال وتعزيز بيئة الابتكار والإبداع؛ فمنذ تأسيسه في 2007، يكرس الصندوق جهوده للإسهام بناء اقتصادٍ معرفي وتنافسي يقوده رواد الأعمال، من خلال دعم مشاريع متنوعة تعكس غنى النسيج الاقتصادي لدولة الإمارات.
ومن خلال تبنّي استراتيجية "اقتصاد الصقر"، يعمل صندوق خليفة على تمكين المشاريع الوطنية الناشئة والصغيرة والمتوسطة في مختلف المجالات، عبر تقديم برامج تمويل مرنة، وتوفير الدعم الفني والتوجيهي، وربط أصحاب المشاريع بالأسواق المحلية والدولية. ولا تقتصر انعكاسات هذه الاستراتيجية على تعزيز الاستدامة الاقتصادية، بل تسهم أيضاً في بناء جيل جديد من القادة والمبتكرين القادرين على تحويل الأفكار إلى إنجازات ملموسة. وفي هذا الصدد، شهدنا خلال السنوات الماضية مشاريع متنوعة في قطاعات متعددة كالتكنولوجيا الزراعية، والصحة والسياحة والصناعات الإبداعية، والطاقة المتجددة، يقودها رواد أعمال إماراتيون يجسدون الطموح الإماراتي في بناء اقتصاد مرن ومستقبل واعد.
وقد انعكست جهود صندوق خليفة بشكل ملموس على أرض الواقع، حيث استقبل أكثر من 25 ألف طلب دعم، واعتمد قروضاً بقيمة إجمالية تجاوزت 1.8 مليار درهم، وموّل أكثر من 1,200 مشروع نشط. كما قدّم الصندوق قروضاً بقيمة 1.3 مليار درهم، وأسهم في تأسيس 112 شركة، وخلق ما يزيد عن 15 ألف فرصة عمل. وعلى مستوى التمكين والدعم غير المالي، عقد الصندوق نحو 32 ألف جلسة استشارية، ودرّب أكثر من 38 ألف مستفيد، بالإضافة إلى تقديم ما يزيد عن 4 آلاف مساعدة فنية.
تاريخياً، لطالما كانت دولة الإمارات رائدة في توفير بيئة أعمال جاذبة تُشجع النمو المستدام، لكن التحدي الحقيقي اليوم يكمن في الارتقاء بقدرة المشاريع الناشئة على المنافسة عالمياً، لاسيما في القطاعات ذات الإمكانات الصناعية العالية. وهنا يأتي دور "برنامج تسريع الصناعات الخفيفة" الذي أطلقه صندوق خليفة، وهو برنامج يهدف إلى توفير بيئة مترابطة تُمكّن رواد الأعمال من توسيع أعمالهم، وتحقيق الاستفادة المُثلى من سلاسل التوريد، والتواصل مع الجهات الحكومية والصناعية. ما يميز هذا البرنامج هو أنه لا يقتصر على الدعم المالي، بل يقدم حلولًا تنظيمية واستراتيجية تعزز جاهزية المشاريع الصغيرة والمتوسطة لمواجهة تحديات السوق والتنافس والمنافسة على المستوى الدولي. ويأتي هذا النهج الشامل إيماناً بأنَّ بناء نظام اقتصادي قائم على الابتكار لا يتحقق فقط بتمويل المشاريع، بل عبر بناء منظومة متكاملة من الدعم الفني، والشراكات الاستراتيجية، والتوجيه نحو قطاعات ذات قيمةٍ مضافة.
وإذا ما نظرنا إلى البرامج الأخرى التي يقدمها الصندوق، مثل برنامج أبطال أبوظبي للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، وبرنامج تمكين الصادرات، وبرنامج تسهيل التمويل، وبرنامج الجاهزية للحصول على شهادة القيمة المحلية المضافة، نجد أنها تُشكّل أساساً متيناً لدفع عجلة التصنيع المستدام والتوسع الاقتصادي في الإمارة؛ فهي ليست مجرد أدوات لمساعدة الشركات الصغيرة، بل جزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى تحويل هذه المشاريع إلى قوى اقتصادية مؤثرة.
ونشهد اليوم مرحلةً مفصلية من هذه الرؤية الطموحة، حيث تمضي دولتنا بثبات في تعزيز النمو الاقتصادي المستدام عبر تمكين المشاريع الصغيرة والمتوسطة لتصبح ركائز رئيسية ضمن المشهد الصناعي والاقتصادي، وليس فقط بالاعتماد على الاستثمارات الكبيرة وحدها. ويتطلب هذا المسار الاستراتيجي وجود برامج فعالة تدمج هذه المشاريع في سلاسل القيمة الصناعية، وتوفر لها بيئةً داعمة للتوسع والابتكار. وانطلاقاً من ذلك فإنَّ صندوق خليفة، من خلال مبادراته وبرامجه، لا يكتفي بدعم المشاريع المحلية، بل يرسم خارطة طريقٍ نحو مستقبل اقتصادي أكثر استدامة ومرونة. ومن هنا، فإن التركيز على التصنيع المحلي والابتكار ليس مجرد خيار، بل ضرورة لترسيخ ريادة الإمارات على الخريطة الاقتصادية العالمية.
وفي إطار منتدى "اصنع في الإمارات"، نؤكد في صندوق خليفة التزامنا المتجدد بمواصلة دعم وتمكين رواد الأعمال الإمارتيين، وبناء شراكات استراتيجية تعزز التكامل بين القطاعين الحكومي والخاص، وتسهم في ترسيخ مكانة أبوظبي كمركز عالمي لريادة الأعمال والابتكار. وكلنا ثقةٌ بأن منتدى "اصنع في الإمارات" 2025 سيواصل بنقاشاته وجلساتها وفعالياته رسم ملامح مستقبل الاقتصاد الوطني، وسيمثل دفعةً لنمو المُمكِّنات الرئيسية للاقتصاد المستدام، وفي مقدمتها الابتكار الصناعي وريادة الأعمال.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة