في زمنٍ لم يعد فيه الذكاء الاصطناعي مجرد خيار تقني، بل مكوّنًا أساسيًا في تفاصيل الحياة اليومية، يصبح الإلمام بأساسياته ضرورة ملحّة لا تقل أهمية عن تعلم القراءة والكتابة.
فنحن نعيش اليوم وسط طوفان من الخوارزميات، والتطبيقات الذكية، والأنظمة المؤتمتة التي تؤثر في قراراتنا، وتوجّه تفكيرنا، وتشكّل وعينا. وفي هذا الواقع الجديد، لا يمكن أن نسمح لأحد بأن يُستبعد منه بسبب جهل رقمي متراكم أو فجوة معرفية متسعة.
من محركات البحث إلى المساعدات الصوتية، ومن التشخيص الطبي إلى التعليم المخصص، بات الذكاء الاصطناعي حاضرًا في القرارات التي نتخذها، والمعلومات التي نتلقاها، وحتى في طريقة تواصلنا مع العالم. ورغم هذا الانتشار الواسع، فإن الفجوة المعرفية لا تزال قائمة، وتُهدد بتكريس شكل جديد من الأمية: أمية الذكاء الاصطناعي.
غياب برامج شاملة لمحو الأمية في هذا المجال يعني ترك الملايين فريسة للأدوات دون وعي بحدودها أو مخاطرها. فمع الانتشار المتزايد لتقنيات الزيف العميق والمعلومات المضللة، يصبح الجهل بالذكاء الاصطناعي خطرًا مباشرًا على الأمن المعرفي والاجتماعي. كما يؤدي إلى تراجع التفكير النقدي، والانقياد الأعمى وراء نتائج تقدمها خوارزميات قد تكون منحازة أو مضللة.
برامج محو الأمية في الذكاء الاصطناعي ليست دورات تقنية فقط، بل أدوات لتمكين الإنسان من فهم التكنولوجيا التي تشاركه صناعة القرار. إنها تزوّده بمهارات التعامل الواعي مع التطبيقات الذكية، وتعزز وعيه بحقوقه الرقمية، وتحميه من التلاعب بالمحتوى أو الخصوصية. كما تسهم هذه البرامج في إعداد جيل قادر على الإبداع والاستخدام الأخلاقي والمسؤول للتقنيات الحديثة، مما يعزز تنافسية المجتمعات ويضمن شمولية التحول الرقمي.
لقد أدركت دول عديدة، وفي مقدمتها دولة الإمارات، أهمية هذا المسار، فأطلقت مبادرات رائدة لتعليم الذكاء الاصطناعي في المدارس، وتدريب الكوادر المهنية . غير أن الحاجة اليوم أصبحت أكثر إلحاحًا لتوسيع نطاق هذه البرامج لتشمل مختلف فئات المجتمع: من الأطفال إلى كبار السن، ومن العاملين في المؤسسات إلى الجمهور العام.
إن الاستثمار في الوعي بالذكاء الاصطناعي ليس خيارًا، بل ضرورة حضارية لضمان مستقبل آمن وعادل وفاعل في ظل واقع لا مكان فيه للجهل الرقمي. فكما كانت القراءة والكتابة أدوات النهوض في القرن الماضي، سيكون فهم الذكاء الاصطناعي هو مفتاح التقدم في هذا القرن.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة