إنها قصة مؤلمة هزّت الجميع، وكانت محور الإعلام منذ عقدين من الزمن. قصة فصولها جمعت بين الأمل والرجاء، والألم والحزن.
فبرحيل الأمير الوليد بن خالد بن طلال، تُطوى صفحة من صفحات الصبر الطويل والإيمان العميق بقضاء الله وقدره، لتبقى قصته محفورة في ذاكرة القلوب المؤمنة، شاهدةً على صبر أهله ومحبيه، وعلى عظمة التسليم لمشيئة الخالق.
نعم، الفراق مؤلم، والغياب موجع، والوداع مرٌّ على النفس مهما حاولنا التماسك والتجلّد. وكيف لا؟ ونحن اليوم نودّع روحًا عزيزة بقيت عشرين عامًا بيننا، جسدًا مسجّى على سرير المرض، وروحًا حيّة في قلوب والديه وأحبّته، يرافقهم بالأمل والدعاء والحب والحنين.
إعلان الديوان الملكي
أعلن الديوان الملكي السعودي وفاة الأمير الوليد بن خالد بن طلال، المعروف إعلاميًا باسم "الأمير النائم"، يوم السبت، عن عمر يناهز 35 عامًا، بعد غيبوبة امتدت لعشرين عامًا.
تعب الوليد بتعرضه لحادث
نعم، الأمير الوليد بن خالد بن طلال، رحمه الله، تعرّض لحادث سير مؤلم في عام 2005 أثناء دراسته في الكلية العسكرية. الحادث أسفر عن إصابته بنزيف دماغي حاد أدخله في غيبوبة تامة منذ ذلك الحين، ليُعرف إعلاميًا بلقب «الأمير النائم».
ورغم مرور السنوات وتعدد المحاولات الطبية لإنقاذه، بقيت حالته محيّرة ومؤلمة. وقد اختلفت التشخيصات الطبية بشأن وضعه الصحي، بل إن والده الأمير خالد بن طلال، الذي كان مثالًا نادرًا في الصبر والاحتساب، لم يتردد في استدعاء وفد طبي دولي يتكوّن من ثلاثة أطباء أمريكيين وطبيب إسباني لمحاولة إيقاف النزيف من رأسه، إلا أن إرادة الله شاءت أن يبقى في غيبوبته كل تلك السنوات، حتى وافاه الأجل وهو في ريعان شبابه عن عمر ناهز 35 عامًا.
الصبر
منذ ذلك الحين، رفض الأمير خالد بن طلال أي حديث عن رفع الأجهزة الطبية، موقنًا أن الله وحده هو واهب الحياة وسالبها، وأن ما يحدث هو ابتلاء واختبار من الرحمن، لا ينبغي للعبد إلا الصبر عليه. ولطالما كان مشهده، وهو يؤمّ الصلاة بجانب سرير ابنه في المستشفى، مؤثرًا وقاسيًا في تفاصيله، شاهدًا على صبر عظيم وأبوة نادرة في الوفاء والرجاء.
كم كان الألم كبيرًا، وكم كان الدعاء حارًّا، وكم كانت مشاهد تلك السنوات العشرين شاهدةً على التعلّق برحمة الله وحسن الظن به، رغم قسوة الابتلاء. نعم، كانت قصته استثنائية بقدر استثنائية صبر والده وأسرته، الذين علّمونا أن الحُب لا يذبل مع الوقت، وأن الرحمة لا تتغيّر مهما طال البلاء.
ينتابني الحزن على هذا المصاب، وكأنني أرى في عيني والده وهو يقول: "ستبقى أنت في العين والقلب، وستبقى معك الروح، وسيبقى عشقي لك ممتدًّا بين السطور ووسط الحروف، وسيبقى دائمًا يومي مفتونًا بلقائك. معك أكون أكثر بريقًا، أكثر حنانًا، أكثر هدوءًا، ومعك أعي كل همساتك وأفكارك، ومعك تكون للحياة نكهة أخرى". نعم، عليكم بالصبر، فقد قال رسول الله ﷺ: "إن عِظَم الجزاء مع عِظَم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحبَّ قومًا ابتلاهم".
لعل الله -إن شاء الله- أراد به خيرًا، وكان ممن أحبهم الله فابتلاه، وهو في عز شبابه، بغيبوبة لأكثر من عشرين سنة.
نسأل الله أن يغفر له ويرحمه، ويعوّض شبابه الجنة، وأن يربط على قلب أمه وأبيه.
اليوم إذ ننعاه، لا يسعنا إلا أن نقدّم أصدق مشاعر المواساة والعزاء للأمير خالد بن طلال، قائلين من القلب: عظّم الله أجركم، وأحسن الله عزاءكم، وربط الله على قلوبكم بالصبر والسكينة. لقد أحببتم ابنكم، وصبرتم، ورضيتم، فنسأل الله أن يجعل صبركم هذا في ميزان حسناتكم، وأن يجزيكم خير الجزاء، ويجمعكم به في جنات النعيم، حيث لا ألم ولا فراق.
إنها سنة الحياة، وهذا هو القضاء والقدر الذي لا مفرّ منه، وكلنا إليه راجعون. نسأل الله الرحيم الغفور أن يغفر للأمير الوليد، ويرحمه، ويبدله عن شبابه جنةً عرضها السماوات والأرض، وأن يجعل قبره روضةً من رياض الجنة، وأن يثبّت أهله ومحبيه بالصبر واليقين.
لقد كان رحيله موجعًا، لكنه لقاء الموعود، لقاء الرحمة والمغفرة، وموعد مع الراحة الأبدية التي لا تعب فيها ولا ألم. فالوداع صعب، والفقد موجع، ولكن الرجاء في رحمة الله أعظم وأبقى.
"إنا لله وإنا إليه راجعون."
اللهم اربط على قلب والده ووالدته، وامنحهما الصبر والسلوان، واغفر لفقيدهم، وارزقهم لقاءه في دار الخلود.
توفي الأمير الوليد بن خالد بن طلال آل سعود، المعروف بلقب "الأمير النائم"، يوم السبت 19 يوليو 2025، بعد أن قضى نحو عشرين عامًا في غيبوبة إثر حادث مروري تعرّض له عام 2005 أثناء دراسته في الكلية العسكرية.
قصة الأمير الوليد ألهمت الكثيرين، ليس فقط لطول فترة الغيبوبة، بل بسبب التزام والده الأمير خالد بن طلال برعايته طوال هذه السنوات، ورفضه فصل أجهزة الإنعاش عنه، مؤمنًا بأن الحياة بيد الله وحده.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة