الثورة الصناعية الرابعة.. تشكيل الجيل الرابع من العولمة
الجيل الرابع من العولمة Globalization 4.0 يهدف إلى مجابهة سرعة تقلبات الاقتصاد العالمي وتحقيق المساواة الاجتماعية.
جاءت الثورة الصناعية الرابعة لتعلن إشارة البدء لدخول مرحلة جديدة من العولمة تعرف بـ"الجيل الرابع من العولمة Globalization 4.0". وقد كان لـ"كلاوس شواب" -المؤسس والرئيس التنفيذى للمنتدى الاقتصادى العالمى- السبق فى الإشارة لمصطلح الثورة الصناعية الرابعة فى كتابه الشهير "الثورة الصناعية الرابعة" الصادر فى عام 2016، والذى كان تمهيدا للإعلان عن "الجيل الرابع من العولمة Globalization 4.0" من قبل المنتدى الاقتصادي العالمي في عام 2019.
ويشير هذا الجيل الجديد إلى التحول في هيكل النظام العالمى والتغيرات العالمية الكبرى الناجمة عن تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي، والروبوتات، والطباعة ثلاثية الأبعاد وإنترنت الأشياء. وقد ولد هذا الجيل الجديد لمجابهة سرعة تقلبات الاقتصاد العالمي، وتحقيق المساواة الاجتماعية، وتقليص التوترات السياسية على المستوى الدولي وبين القادة السياسيين والمواطنين.
الثورة الصناعية الرابعة: الفرص والمخاطر المحتملة
مما لا شك فيه أن الثورة الصناعية الرابعة -على غرار الثورات السابقة- ستسهم في رفع مستويات الدخول العالمية، وتحسين نوعية الحياة للسكان في جميع أنحاء العالم من خلال تقديم خدمات تكنولوجية جديدة، كما أنه من المتوقع أن يؤدي الابتكار التكنولوجي إلى تحقيق مكاسب طويلة الأجل سواء على مستوى الكفاءة أو الإنتاجية، حيث ستنخفض تكاليف النقل والتجارة والاتصالات.
على الجانب الآخر، قد ينتج عن الثورة الصناعية الرابعة سلسلة من الاضطرابات الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية التي ستظهر خلال القرن الحادي والعشرين.
وفي هذا السياق يشير تقرير صادر عن معهد "ماكينزي" إلى أن ما يزيد على 375 مليون عامل بحاجة الى تغيير عملهم بحلول عام 2030، وهناك تخوفات أن تؤدي تلك الطفرة التكنولوجية إلى لركود الدخول أو حتى انخفاضها بالنسبة لغالبية السكان في البلدان ذات الدخل المرتفع، حيث سيزداد الطلب على العمال ذوي المهارات العالية بينما ينخفض الطلب على العمال ذوي التعليم الأقل والمهارات المنخفضة.
بالإضافة إلى كونها مصدر قلق اقتصادي رئيسي، فإن هناك أيضاً تخوفات اجتماعية، لا سيما فيما يتعلق بتحقيق اللامساواة. حيث إن أكبر المستفيدين من الابتكار هم أصحاب رأس المال الفكري والمادي والمبتكرون والمساهمون والمستثمرون.
وفيما يتعلق بالمتطلبات والشروط البيئية، هناك بعض التحديات التي قد تحيط بالثورة الصناعية الرابعة وهذه الحقبة الجديدة من العولمة. فوفقا لتقرير المخاطر العالمية الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، فإن أكبر 3 مخاطر عالمية من المحتمل أن تحدث في عام 2019 تتمثل فى: التغيرات المناخية، وعدم القدرة على التخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معه، والكوارث الطبيعية الكبرى.
أما بالنسبة للأعمال التجارية، يشير مقياس مخاطر Allianz 2019 إلى أن أكبر تهديد للشركات يتمثل فى المخاطر الناجمة عن قضايا مثل التعريفات الجمركية والنزاعات التجارية، فضلاً عن التغييرات الأخيرة في التشريعات واللوائح مثل خروج بريطانيا العظمى من الاتحاد الأوروبي.
تشكيل المستقبل في عصر العولمة 4.0
لا يمكن النظر للتكنولوجيا والمخاطر الناجمة عنها إلى أنها قوة خارجية لا يمكن التصدى لها، وهناك بعض الأطر الحاكمة لتعظيم الاستفادة من الثورة الصناعية الرابعة والتكيف مع الجيل الجديد من العولمة:
• مرونة المؤسسات
مع ظهور الجيل الرابع من العولمة وما صاحبه من ثورة صناعية رابعة، بدأت المؤسسات تتبع أحد المناهج البديلة التى تتمثل في مرونة الحركة والتكيف مع البيئة الخارجية.
• مستقبل التوظيف
يسود حالة من القلق حول مستقبل الوظائف في العالم بأسره على مستوى جميع التخصصات، ولكن بالنظر إلى القوى العاملة فى مجال التكنولوجيا والمعرفة، فإنها تتمتع بإمكانية ركوب هذه الموجة من العولمة نظرا لتمتعهم بالكفاءة.
• التعليم والتدريب
يعد التعليم والتدريب المستمر جزءا لا يتجزأ من التنمية الاقتصادية على أن يكون قائم على المهارات التي يتطلبها سوق العمل الجديد لمواكبة التغير في الطلب على الوظائف، فيمكن التعلم والوصول إلى المعلومات من خلال أجهزة وشبكات الحوسبة القوية والخدمات الرقمية والأجهزة المحمولة.
• حوكمة البيانات وإعادة بناء الثقة
تعد عملية تداول البيانات وحمايتها أحد العناصر المهمة لمعظم الحكومات والشركات ما يفرض حاجة ملحة لإعادة بناء الثقة وزيادة الشفافية بين جميع المستفيدين وأصحاب المصالح لحماية البيانات وإدارتها.
• تعزيز الابتكار المشترك
يتطلب الجيل الرابع من العولمة تعزيز الابتكار والقدرات التنافسية من خلال تحقيق الشراكة بين مؤسسات الخدمات العالمية عن طريق دمج مواطن القوة التي يتمتعون بها في إدارة العمليات والمعرفة المرتبطة بالصناعة.
• المساهمة في النمو الشامل
بدأ كثير من المستهلكين بالنظر إلى معظم الصناعات والمنتجات بصورة مختلفة، فقد بدأ اعتبار القيمة الناتجة عن تلك الأعمال جزءا من قراراتهم الشرائية، ونتيجة لذلك بدأت معظم المؤسسات الرائدة في اتباع نهج أكثر شمولية للنمو يتجاوز القيمة الإجمالية للمساهمين.
الإمارات العربية المتحدة نموذجاً
تمثل الثورة الصناعية الرابعة أحد المرتكزات المهمة والملحة لتشكيل مستقبل دولة الإمارات العربية، وذلك لما تحمله من فرص يتعين تعظيم الاستفادة منها، وما تنطوى عليه من تحديات تتطلب الجاهزية لها لتحويلها إلى فرص لمواكبة الحقبة الجديدة من العولمة. وإيمانا بأهمية تلك الثورة، أطلقت حكومة الإمارات العربية المتحدة استراتيجيتها للثورة الصناعية الرابعة في عام 2017 لتكون الأولى من نوعها وتحتل بها الصدارة إقليميا وعالميا، وتهدف تلك الاستراتيجية إلى تعزيز مكانة دولة الإمارات العربية المتحدة كمركز عالمي رائد ومختبر مفتوح لتطبيقات الثورة الصناعية الرابعة، والمساهمة في تحقيق اقتصاد وطني تنافسي قائم على المعرفة.
وتركز استراتيجية الإمارات العربية المتحدة للثورة الصناعية الرابعة على عدد من القطاعات الحيوية ذات الأولوية التى تؤدي دوراً في ريادة المستقبل، والتي تتمثل في: التعليم المعزز، الطب الجينومي، الرعاية الصحية الروبوتية، كما تسعى إلى تأمين المستقبل المائي والغذائي باستخدام علوم الهندسة الحيوية وتقنيات الطاقة المتجددة المتقدمة، وكذلك التأمين الاقتصادي من خلال اعتماد الاقتصاد الرقمي وتقنيات blockchain في المعاملات المالية والخدمات، هذا إلى جانب تأمين البيانات الفضائية، والصناعات الدفاعية من خلال تطوير الصناعات الوطنية في مجال الروبوتات وتقنيات المركبات المستقلة.
كما وضعت الاستراتيجية الإطار العام والأسس المستقبلية اللازمة لتنفيذها، التي تشمل إعداد جيل من المواهب والقدرات الوطنية الشابة ورواد الأعمال للثورة الصناعية الرابعة وتجهيزهم بالمعرفة والمهارات اللازمة في مجالات العلوم والتكنولوجيا المتقدمة، وكذلك تأسيس بيئة بيانات ضخمة متكاملة وآمنة إلكترونيا وربطها بالذكاء الاصطناعي، كما تتطلب تطوير سياسات وتشريعات لحوكمة القطاعات الجديدة وضمان الخصوصية لأفراد المجتمع.
وفى هذا الإطار، افتتحت حكومة الإمارات بالتعاون مع "المنتدى الاقتصادي العالمي مركز الثورة الصناعية الرابعة في الإمارات في عام 2019، ليكون الأول من نوعه في المنطقة والخامس عالمياً ضمن شبكة مراكز "المنتدى الاقتصادي العالمي". ويهدف المركز إلى ابتكار آليات وخطط عمل وتطبيقات للثورة الصناعية الرابعة في دولة الإمارات، والمساهمة في تطوير التقنيات وأفضل الممارسات، لإحداث تغييرات إيجابية وفاعلة في واقع المجتمع بما يخدم مسيرة التنمية والتطور في المنطقة والعالم.
aXA6IDE4LjIyMy4xOTUuMTI3IA== جزيرة ام اند امز