منذ نهاية الحرب الباردة اقترن استخدام مصطلح «الإعلام الحر» بتعبير «القرية الكونية» للدلالة على ما حملته ثورة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات من تغييرات جذرية في حياة الإنسان المعاصر
منذ نهاية الحرب الباردة اقترن استخدام مصطلح «الإعلام الحر» بتعبير «القرية الكونية» للدلالة على ما حملته ثورة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات من تغييرات جذرية في حياة الإنسان المعاصر. ولهذا، أصبح الاهتمام بمجتمع المعرفة يحظى بأولوية متقدمة سواء على الصعيد الوطني أو الدولي. وتجسد هذا بشكل واضح في القمم العالمية السنوية للمعلومات، التي تناقش التطورات الجارية في ثورة الاتصالات والمعلومات ومجتمع المعرفة، فالبيان الختامي للقمة العالمية الأخيرة التي استضافتها جنيف، في مايو من العام الماضي، أكد أهمية مجتمع المعلومات باعتباره ضرورة لدعم الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية، خاصة حرية الرأي والتعبير وحرية تداول المعلومات، وهذا يؤكد عمق العلاقة التبادلية بينهما.
ويعرّف مجتمع المعرفة بأنه ذلك المجتمع الذي يقوم أساساً على نشر المعرفة وإنتاجها وتوظيفها بكفاءة في جميع مجالات النشاط المجتمعي، ويقوم هذا المجتمع على إطلاق حريات الرأي والتعبير وضمانها بالحكم الصالح، والنشر الكامل للتعليم راقي النوعية، وتوطين العلم وبناء قدرة ذاتية في البحث والتطوير التقاني في جميع النشاطات المجتمعية، والتحول الحثيث نحو نمط إنتاج المعرفة في البنية الاجتماعية والاقتصادية، وتأسيس نموذج معرفي عام أصيل منفتح ومستنير.
وقد انعكس التطور في ثورة الاتصالات على مجتمع المعرفة، فمع اختراع حروف الكتابة إلى تطور تكنولوجيا الكتابة وصناعة الورق والطباعة والنشر والتوزيع إلى تطور تكنولوجيا الاتصال السمعي والبصري، وأخيراً إلى تطور تكنولوجيا الاتصال والبث الفضائي عبر الأقمار الصناعية وعبر شبكة الإنترنت، تطورت أدوات ممارسة حرية التعبير عن الرأي تطوراً ثورياً في كل عصر من العصور.
من الضروري وضع المعايير السليمة التي تضمن مسؤولية الحرية الإعلامية وعدم تجاوزها المسموح به، وخصوصاً فيما يتعلق بتدقيق المعلومات وتوثيق الوقائع، وعدم المساس بالحرية الشخصية للأفراد
وبمعنى آخر، فإن التطورات التكنولوجية جاءت معها بإمكانات جديدة للحرية الإعلامية، وإذا كانت حدود «الدولة» حتى وقت قريب قد تفرض جداراً عازلاً يحول بين الناس وبين حق المعرفة، فالآن وبفضل تكنولوجيا البث الفضائي والاتصال عبر الإنترنت فإن الفرد يستطيع في معظم الأحوال التغلب على قسر «الدولة القومية» والحصول على المعلومات التي يرغب فيها، والتي قد تمنع الدولة وصولها إليه.
وهذه التطورات الثورية في صناعة مجتمع المعرفة تعني في واقع الأمر أن وجوهاً للقهر كانت تمارس قد عفا عليها الزمن وتخلف من يمارسونها عن ركب الحضارة والمدنية في القرن الحادي والعشرين.
إن ممارسات مثل الرقابة على الصحف والمطبوعات والسينما والمسرح والإذاعة والتلفزيون وأيضاً على المواقع الإلكترونية التي تنشأ على شبكة الإنترنت تعتبر كلها ممارسات مضادة لتطور العلم والتكنولوجيا ولتطور الحضارة البشرية. ومثل مثل تلك الممارسات هي عقبات تواجه التطور والنمو الإنساني وتعرقل احتمالات التقدم والرفاهية للشعوب في المستقبل.
ولكن من الضروري وضع المعايير السليمة التي تضمن مسؤولية الحرية الإعلامية وعدم تجاوزها المسموح به، وخصوصاً فيما يتعلق بتدقيق المعلومات وتوثيق الوقائع، وعدم المساس بالحرية الشخصية للأفراد، وعدم التمييز ضد الأشخاص أو الجماعات، وعدم الحض على العنف أو على كراهية الآخرين، أو نشر الفكر المتطرف الذي يهدد المجتمع والدولة، أو ترويج دعايات تنظيمات إرهابية. والتعبير عن تنوع المصالح والآراء، والبحث عن الحقيقة في كل جوانبها، وقبول الرأي الآخر وإتاحة حق النقد وحق الرد بصورة متكافئة. فهذه القواعد يمكن اعتبارها ضوابط للحرية الإعلامية،، ولا يقصد منها في أي حال من الأحوال تقييد حريات الأفراد أو الجماعات، وإنما المقصود هو المحافظة على روح المسؤولية في إطار هذه الحرية.
ومن الضروري أن يحدد القانون النطاق الذي يشمل واجبات الصحافة والإعلام في فترات الكوارث وفترات الحروب (أو أوقات الطوارئ). فاللجوء إلى إعلان حالات الطوارئ في فترات الحروب أو الكوارث قد يعني في حقيقة الأمر إطلاق يد السلطة التنفيذية في كل ما يتعلق بفرض إجراءات استثنائية تساعد المواطن على الخروج من حالة المشقة التي تترافق مع الكوارث أو الحروب.
ولا يشمل ذلك بأي حال من الأحوال تكميم أفواه الناس وحرمانهم من حق حرية التعبير أو تقييد هذا الحق. وفي بعض الأحوال يكون من الضروري إطلاق حرية النقد أكثر فأكثر لمواجهة حالات الفساد التي قد تستفيد من ظروف الطوارئ لتحقيق مكاسب استثنائية على حساب الأفراد. ومن المفترض أن مؤسسات الصحافة والإعلام تلعب دوراً جوهرياً في أوقات الأزمات من أجل تعبئة الأفراد لتجاوز الأزمة. ولذلك فإن فترات الطوارئ لا ينبغي أن تقترن بالحد من حرية التعبير وحرية الصحافة.
*نقلاً عن " الاتحاد"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة