فرنسا.. كيف تضغط اضطرابات الحكومة على النمو والاستثمار؟

تواجه فرنسا منذ صيف 2024 واحدة من أكثر مراحلها السياسية اضطرابًا، مع توالي استقالات الحكومات وتبدّل رؤساء الوزراء في فترات قصيرة، ما ألقى بظلاله الثقيلة على الثقة الاقتصادية والنشاط الاستثماري.
ومع استقالة حكومة فرنسوا بايرو وتكليف وزير الدفاع السابق سيباستيان لوكورنو ثم استقالته وإعادة تكليفه مجددًا، يجد الاقتصاد الفرنسي نفسه أمام اختبار صعب، بينما ينتظر من لوكورنو تقديم مشروع قانون الميزانية يوم الإثنين المقبل في ظل ضغوط مالية متصاعدة وأسواق متوترة.
ضغوط مالية وأسواق متوترة
وبحسب محافظ بنك فرنسا، فرنسوا فيليروي دي غالو، فإن عدم الاستقرار السياسي يُكلف فرنسا حوالي 0.2 نقطة مئوية من النمو الاقتصادي، نتيجة تراجع ثقة المستهلكين وتأجيل الاستهلاك والاستثمار، بحسب محطة "فرانس إنفو" الفرنسية.
وفي سوق السندات، ارتفعت الفوارق بين العائد على السندات الفرنسية والسندات الألمانية (OAT vs Bund) إلى مستويات غير مسبوقة، مما يعكس زيادة في مخاطر الاقتراض الفرنسي.
المؤسسات الصغيرة والمتوسطة (TPE / PME) تعلن انخفاض الاستثمار: في استطلاع محلي، أفاد 42% من هذه المؤسسات بأنها قلّلت استثماراتها في وقت تواجه فيه مشكلات السيولة وتأخر اتخاذ القرارات.
تجميد قرارات وتحفظات في التوظيف
من جانبه، قال بونو درينيغني، رئيس شركة ManpowerGroup فرع فرنسا، إن عدم الاستقرار المؤسسي هو في حقيقته "عدم يقين اقتصادي": لقد أدت حالة الترقب إلى تجميد التوظيف وتأجيل الخطط الاستثمارية، بحسب صحيفة "لوموند" الفرنسية.
وتقول بعض المؤسسات إن القرار بالتوظيف أو تمويل المشاريع الكبرى قد وُضع على "الرف المؤقت" إلى حين تحقق رؤية واضحة للحكومة القادمة.
ملف الإصلاحات العالقة
ومن القضايا الحساسة التي تتعرض للشلل السياسي، إصلاح التقاعد، كما أن تأجيل أو تعديل سن التقاعد يطرح تحديات كبيرة للشركات التي كان لديها خطط انتقال ومُعدات للتعاقب الإداري.
كما أن أي تغيير في السياسة الضريبية أو فرض ضرائب على الأغنياء يُنتظر بتوجس من القطاع الخاص الذي يخشى أن تكون هذه السياسات "إصلاحات ظرفية سياسية" وليست مبادئ مستدامة.
ميزانية 2026 على المحك
مع إعادة تعيين لوكورنو، يُمنح فرصة ثانية لمواجهة التحديات: إذ ينبغي أن يقدم مشروع الميزانية إلى البرلمان في مهلة قانونية لضمان المصادقة قبل نهاية العام.
لكنه يواجه ضغطًا مزدوجًا: الرغبة في استقرار مالي (خفض العجز) من جهة، والمطالب الشعبية والاجتماعية من جهة أخرى.
إذا فشل في كسب دعم برلماني واسع، قد يضطر إلى اللجوء إلى أدوات دستورية استثنائية للحفاظ على استمرارية الإنفاق.
من جانبه، قال الباحث الفرنسي في مدرسة باريس للاقتصاد لوكاس شانسل لـ"العين الإخبارية": "عندما تسود الشكوك حول قرارات الحكومة، فإن الظل الطويل لهذا الشك يطال النمو والاستثمار والابتكار".
وأضاف: "الاقتصاد لا يعمل بالكلام أو النوايا، بل بالثقة والتوقعات المستقرة"، معربًا عن قلقه من أن عدم الاستقرار المؤسسي في فرنسا قد يؤدي إلى كساد سياسي واقتصادي مزدوج.
الكلفة في النمو والفرص الضائعة
وأشار شانسل إلى أن النمو في فرنسا كان موضع توقعات متواضعة حتى قبل الأزمات السياسية، موضحًا أنه مع انتقال الأموال إلى الادخار بدلًا من الاستهلاك، وتأجيل المشاريع الكبرى، من الممكن أن يتراجع النمو السنوي فعليًا بمقدار 0.3 إلى 0.5 نقطة مئوية إضافية إذا استمر الشلل المؤسسي.
وأضاف: "الفرص التي تُفقد في أشهر الانقطاع السياسي قد لا تُعوض؛ المستثمر المحلي قد يوجه رأس ماله إلى دول أكثر استقرارًا".
تأثير على السياسات الاجتماعية والاقتصادية
وقال شانسل إن المؤسسات التي تعتمد على الأفق الزمني الطويل مثل التعليم، والطاقة المتجددة، والبنية التحتية، تشعر بأكثر تأثر من غيرها، لأن انعدام الاستقرار يبطئ تنفيذ السياسات.
وأوضح أن فرنسا تواجه ضغوط الشيخوخة وتركيبة اجتماعية تتطلب إصلاحات هيكلية. الشلل السياسي يجعل أي تغير اجتماعي ذا تكلفة عالية ومغامرة للكثير من الحكومات.
مخاطرة تآكل الثقة المؤسسية
ونوه شانسل إلى ضرورة استعادة الثقة بين الفرنسيين والحكومة، موضحًا أنه "لو استمرت الحلول المؤقتة والإدارة بالبالونات الهيكلية، سينخفض الإيمان بأن المؤسسات الفرنسية يمكنها تحقيق الاستقرار. حينها لا تتضرر الشركات فحسب، بل يُصاب رأس المال الاجتماعي كما رأينا في تجارب أوروبا الجنوبية بعد الأزمة المالية".
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMjE3IA==
جزيرة ام اند امز