يمكننا القول إن أردوغان يحاول القضاء على حزبَي المعارضة الرئيسيين في البلاد وهما "الشعب الجمهوري" و"الشعوب الديمقراطي"
لم يكتفِ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بمعاقبة أنصار وقادة حزب "الشعوب الديمقراطي" الموالي للأكراد داخل بلاده على خلفية خسارة حزبه المتتالية في انتخاباتٍ برلمانية وأخرى محلية، بل لجأ كذلك لمعاقبة أنصار وقادة حزب "الشعب الجمهوري" المُعارض أيضاً لبقائه في الحكم، حيث يقبع العشرات من أعضاء هذا الحزب في السجن، بينما تحيكُ المحاكم القضائية في تركيا الاتهامات لقادته ومنهم جانان كفتانجي أوغلو المسؤولة البارزة في الحزب والتي لعبت دوراً كبيراً في الحملة الانتخابية لأكرم إمام أوغلو مرشح حزبها الفائز برئاسة بلدية إسطنبول مرتين على التوالي هذا العام.
وتواجه كفتانجي أوغلو في الوقت الراهن عقوبة بالسجن لمدةٍ تصل إلى نحو 10 سنوات في حين يقبع الرئيسان المشتركان السابقان لحزب "الشعوب الديمقراطي"، صلاح الدين دميرتاش وفيغان يوكسك داغ في السجن منذ نحو ثلاث سنوات، ولم تطلق أنقرة سراحهما رغم مطالبة "المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان" بذلك مراراً وتكراراً.
المثير للسخرية هنا هو أن السلطات القضائية منذ فترة وجيزة اتهمت صحفيا تركيا "مسيحيا"، بالانتماء لجماعة الداعية "الإسلامي" فتح الله غولن!
وتوجّه أنقرة تهماً مختلفة لهؤلاء، منها "نشر دعايةٍ إرهابية" و"العضوية" في جماعاتٍ محظورة في البلاد رغم أن كفتناجي أوغلو هي عضو في حزبٍ سياسي مُرخَّص في البلاد ومعترف به قانونياً ويتمتع بعضوية البرلمان، وكذلك الأمر بالنسبة للحزب الآخر الذي كان يقوده دمّيرتاش مع يوكسك داغ، هو أيضاً مُرخَّص كتيارٍ سياسي ومعترف به كذلك قانونياً ويتمتع بعضوية البرلمان في تركيا.
إذاً يمكننا القول إن أردوغان يحاول القضاء على حزبَي المعارضة الرئيسيين في البلاد وهما "الشعب الجمهوري" و"الشعوب الديمقراطي"، لكنه لا يكتفي كذلك بمحاربة قادة الأحزاب السياسية هذه، مستغلاً صلاحياته الواسعة بعد تعديل نظام الحكم في تركيا من برلماني إلى آخر رئاسي، فقد عزلت أنقرة رؤساء ثلاث بلدياتٍ كردية ينتمون لحزب "الشعوب الديمقراطي" في البلاد.
المضحك في قضية عزل رؤساء البلديات الأكراد هو أن "اللجنة العليا للانتخابات" لم تعترض على ترشّحهم لرئاسة البلديات ذات الغالبية الكردية جنوب شرقي البلاد، ولم تعترض كذلك على فوزهم، ما يعني أن قرار وزير الداخلية التركي الّذي قضى بتعيين وكلاء بدلاً منهم هو مجرّد رغبة "أردوغانية" تهدف لهيمنة حزبه على كامل مفاصل الدولة لا سيما أن الوكلاء الّذين عيّنتهم الداخلية لرئاسة البلديات الكردية ينحدرون من حزب "العدالة والتنمية" الّذي يقوده أردوغان.
المضحك أكثر أن السلطات القضائية في تركيا تتخذ من ذريعة "العضوية" في حزب "العمال الكردستاني" المحظور في البلاد، تهمة لاعتقال أي شخص كائناً من كان حتى لو كان مواطناً تركيًّا لا يمت للأكراد بصلة. والمثير للسخرية هنا هو أن السلطات القضائية منذ فترةٍ وجيزة اتهمت صحفيا تركيا "مسيحيا"، بالانتماء لجماعة الداعية "الإسلامي" فتح الله غولن!
هذا كله يعني أن أردوغان يهدف للقضاء على كلّ معارضيه من الأكراد والموالين لهم في حزبهم إلى جانب العلمانيين الأتراك في حزب "الشعب الجمهوري" مع الصحفيين الّذين لا يعملون في وسائل إعلام حزبه أو الموالية له، مهما كانت التهم مكررة وسخيفة وغير واقعية.
ويضاف إلى التهم السابقة كالعضوية في جماعة "إرهابية" و"نشر دعاية" لصالحها، تهمة أخرى هي الأكثر استخداماً في البلاد وهي "جريمة إهانة رئيس الجمهورية".
إن هذه التهمة يُعاقب عليها القانون التركي وفق المادة 299 من الدستور، بالسجن لمدة زمنية تتراوح بين سنة وتصل لعدّة سنوات، بالإضافة لدفع غرامةٍ مالية وعلى إثرها اعتُقل نواب في البرلمان التركي.
وتكشف وزارة العدل التركية عن أن نحو 13 ألف شخص بينهم رسّامون وفنانون وصحفيون تمّت ملاحقتهم منذ العام 2017 بتهمة "إهانة الرئيس". وبحسب بيانات الوزارة، فإن معظمهم نُفِّذ بحقهم عقوبات مختلفة تتراوح ما بين السجن لمدة عام وقد وصلت في بعض الأحيان إلى 10 أعوام.
وتُعاقب أنقرة على هذه "الجريمة" خارج حدودها أيضاً، فقد سبق وأن قام مسلحون موالون لها في سوريا بمعاقبة مواطنٍ سوري سُجن لأشهر في مدينة الباب بتهمة "إهانة" أردوغان.
بهذه الطريقة، وعلى خلفية هذه التهم الجاهزة، تمكن أردوغان من حصار معارضته من الأكراد والأتراك العلمانيين، وبالطريقة ذاتها حاصر الصحفيين والمدونين وصنّاع الرأي العام في البلاد، بينما يحاول مسلحوه في سوريا معاقبة كل من ينتقد تركيا وأردوغانها، حتى إن محاميا تركيًّا قبل أيام قام برفع دعوى جنائية ضد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتهمة "إهانة الرئيس أردوغان" بعد رسالة ترامب الأخيرة له والتي وصفه فيها بـ"الأحمق"، ظناً منه أن واشنطن هي أنقرة وأن كلّ من ينتقد أردوغان يجب أن يُعاقب كما يحصل في بلاده دوماً.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة