تركيا والاتحاد الأوروبي.. تصاعد التوتر
العلاقة بين تركيا والاتحاد الأوروبي مرشحة لمزيد من التوتر بفعل إصرار أنقرة على تعقيد الأزمة السورية
عاد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى ابتزاز الاتحاد الأوروبي بقضية اللاجئين السوريين، والتهديد بفتح الأبواب أمام اللاجئين في حال لم تتحقق مطالبه، حيث أكد في 26 أكتوبر/تشرين الأول الجاري أنه لن يبقى أمام تركيا خيار آخر سوى فتح حدودها ليسير اللاجئون إلى أوروبا، إذا لم يتم دعم مشاريعها في المنطقة الآمنة بسوريا.
وكان الاتحاد الأوروبي قد وجه انتقادات شديدة إلى العملية العسكرية التي شنتها تركيا تحت اسم "نبع السلام"، بهدف القضاء على المليشيات الكردية في شمال شرقي سوريا. وتصاعدت المخاوف الأوروبية من تداعيات التوغل التركي على خطر حدوث أزمة إنسانية كبيرة، فضلاً عن تأثيراتها على المعركة ضد خلايا تنظيم داعش.
ودخلت العلاقة مناخ الشحن بين أنقرة وأوروبا، بعدما اعتبر البرلمان الأوروبي في 24 أكتوبر/تشرين الأول الجاري أن التدخل العسكري "يمثل انتهاكا خطيرا للقانون الدولي ويقوض الاستقرار والأمن في المنطقة برمتها"؛ يرفض الاتحاد فكرة "إقامة منطقة آمنة".
ويعود رفض الاتحاد إلى حرصه على تجنب تصعيد الأزمة في سوريا، باعتبار أن السياسة التي تتبناها أنقرة والسعي إلى عسكرة الأزمة شرق الفرات ربما تقلب الأمور في سوريا رأسا على عقب، بحسب وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، ناهيك بتأثيراتها المحتملة على مسارات تسوية الأزمة، والتي بدأت ملامحها في صياغة اللجنة الدستورية التي تشكلت في سبتمبر/أيلول الماضي، ومنوط بها إعادة بناء كيانات الدولة السورية. كما يمكن تفسيره في إطار سعي دول الاتحاد الأوروبي إلى تقليص نفوذ روسيا، فيما يتعلق بالتعامل مع بعض الملفات الإقليمية في المنطقة، وفي مقدمتها الملف السوري .
- تركيا تستعدي أوروبا بالتنقيب في شرق المتوسط
- اللاجئون و"داعش" على مائدة تركيا والاتحاد الأوروبي اليوم في بروكسل
اعتبارات مختلفة
يمكن تفسير إصرار أوروبا على الاستمرار في انتقاد أنقرة، ورفضها تقديم الدعم الخاص بإقامة منطقة آمنة في ضوء اعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في:
- إنعاش داعش: تخشى الدول الأوروبية من أن يؤدي انصراف قوات سوريا الديمقراطية إلى مواجهة التوغل التركي إلى إنعاش التنظيم ومضاعفة حالة الفوضى القائمة في السجون والمخيمات، حيث تحتفظ بالآلاف من مقاتلي التنظيم وأفراد عائلاتهم، وبينهم عدد كبير من الأجانب تمنّعت بلدانهم عن إعادتهم إلى أراضيها.
ترسخت الشكوك الأوروبية بعدما أوقفت قوات سوريا الديمقراطية "قسد" حربها ضد داعش لاستحالة تنفيذ أي عملية في ظل التوغل التركي والتهديد الذي يطال عناصرها، إضافة إلى تزايد حالات فرار عناصر "داعش" من مناطق الاحتجاز في شمال شرقي سوريا، على خلفية تراجع تأمين سجون ومعسكرات احتجاز الدواعش، وتخشى الدول الأوروبية من عودة الأوروبيين الذين شاركوا في القتال مع تنظيم داعش الإرهابي، بعد تمكنهم من الهرب.
وتحرس "قسد" منشآت سجون تضم نحو 11 ألف إرهابي من "داعش"، بينهم نحو 9 آلاف سوري وعراقي، وألفان من نحو 50 دولة أخرى رفضت حكوماتهم إعادتهم، كما يديرون مخيم "الهول" الذي يضم عائلات داعش.
- تزايد التهديدات الأمنية: مع بدء التوغل التركي في الشمال السوري في 9 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، شهدت المدن الأوروبية عمليات تعبئة مظاهرات ومظاهرات مضادة للأتراك والأكراد المقيمين في أوروبا. وزادت المخاوف الأوروبية من تأثير المشاعر الوطنية للمناصرين والخصوم على الاستقرار السياسي الحالي وإثارة الزعزعة الاجتماعية في المجتمعات الأوروبية، خاصة بعد خروج مظاهرات لمهاجرين ولاجئين أكراد في مدن أوروبية مختلفة للمطالبة بوقف العملية العسكرية.
- التأثير على النفوذ: رغم تفهم الدول الأوروبية المخاوف التركية من تصاعد نفوذ الأكراد في شمال شرقي سوريا، فإنها ترى أن عملية "تبع السلام" دفعت واشنطن إلى الانسحاب من قرى ومدن شرق الفرات، وهو ما يعني إجبار القوات الفرنسية والبريطانية على الانسحاب من الشمال السوري، نظرا لأنها تعتمد على الدعم اللوجستي الأمريكي.
- تدفق جديد للاجئين: تتخوف أوروبا من أن تسفر عملية "نبع السلام" عن تدفق موجة جديدة من اللاجئين على دول الاتحاد على غرار ما حدث في 2015، وكشف عن ذلك وزير الخارجية الألماني الذي أعرب عن مخاوفه من ظهور كارثة إنسانية أخرى، قد تساهم في موجة نزوح جديدة خاصة بعدما وصل عدد النازحين من مناطق المعارك إلى ما يقرب من 130 ألف شخص وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة .
عواقب محتملة
رغم رؤية أوروبية تعتقد أهمية التعاون مع تركيا لمواجهة الارتدادات السلبية للأزمات الإقليمية، وبخاصة موجات اللجوء والهجرة غير الشرعية، فإن ثمة تداعيات محتملة على مسار العلاقة بين أنقرة والاتحاد الأوروبي بفعل التوغل التركي في الشمال السوري، ويمكن بيانها على النحو الآتي:
- عقوبات أوروبية: منذ بدء العملية العسكرية التركية، في 9 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، يواجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ضغوطاً متزايدة من جانب أوروبا، حيث أصدرت دول أوروبية قرارات منفردة تحولت لاحقاً لقرار جماعي، كشفت عنها القمة الأوروبية التي عُقدت في 17 و18 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، والتي اتجهت إلى فرض عقوبات على تركيا، منها محاولة فرض عزلة على سياسة أنقرة من خلال استدعاء السفراء، ووقف بعض برامج التعاون الاقتصادي، وفرض عقوبات تجارية ومالية واقتصادية.
- تقييد صادرات الأسلحة: لا تعتزم الدول الأوروبية إصدار تصاريح تصدير جديدة إلى تركيا، لا سيما تلك المتعلقة بالمعدات العسكرية، وذلك ردا على عدوان أنقرة العسكري شمال شرقي سوريا. ووفقاً لمكتب إحصاءات الاتحاد الأوروبي (يوروستات)، بلغت صادرات الأسلحة الأوروبية إلى تركيا في عام 2018 ما قيمته 45 مليون يورو إضافة إلى صفقات طائرات متنوعة بنحو 1.4 مليار يورو.
وكان تقييد صادرات الأسلحة الألمانية لتركيا هو الإجراء العقابي الذي اتخذته بعض الدول الأوروبية ضد تركيا. وكانت النرويج وهولندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا بين الدول الأوروبية التي علّقت تسليم الأسلحة لتركيا على خلفية الهجوم على مليشيات كردية شمال سوريا.
- تكثيف الضغوط: أدانت دول الاتحاد الأوروبي عملية "نبع السلام"، واعتبرتها عملا أحادي الجانب يهدد تقويض استقرار منطقة هشة أصلا، ويفاقم الوضع الإنساني وينال من التقدم الذي أحرزه التحالف الدولي ضد "داعش".
في هذا السياق اتجهت الدول الأوروبية إلى محاصرة تركيا دولياً عبر تكثيف الضغوط في المؤسسات الدولية والإقليمية، وتجلى ذلك في بيان مشترك للتكتل الأوروبي صدر خلال قمة الاتحاد الأوروبي في 18 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، والذي أكد ضرورة وقف التوغل التركي. وفي وقت سابق من هذا الاجتماع تبنى وزراء خارجية الدول الأعضاء في 14 أكتوبر/تشرين الأول الجاري توصيات تدين تحرك تركيا وتحثها على وقف إطلاق النار وسحب قواتها من سوريا.
- تراجع الدعم الاقتصادي: قد يتجه الاتحاد الأوروبي إلى تمديد عقوبات نوعية فرضها على أنقرة في يوليو/تموز الماضي على خلفية أعمال تنقيب غير قانونية في منطقة شرق المتوسط، وبخاصة تخفيض مساعدات مالية لتأهيل أوروبا لعضوية الاتحاد، إضافة إلى استمرار بنك الاستثمار الأوروبي في تقليص أنشطة الإقراض لتركيا، خاصة أن مؤسسات التمويل الأوروبية تمثل ورقة رابحة لمحاصرة الأزمة الاقتصادية التي تعانيها تركيا، فقد اقترضت في الفترة الماضية، بتسهيلات مريحة نحو 30 مليار يورو من بنك الاستثمار الأوروبي، و11 مليار يورو من البنك الأوروبي لإعادة البناء والتنمية.
ختماً يمكن القول، إن العلاقة بين تركيا والاتحاد الأوروبي مرشحة لمزيد من التوتر بفعل إصرار أنقرة على تعقيد الأزمة السورية، بالتوجه نحو عسكرة الأزمة شرق الفرات، إضافة إلى مخاوف أوروبية من تصاعد التنسيق بين أنقرة وموسكو في ملفات الإقليم، وهو ما يعني زيادة الدور الروسي المناهض للتوجهات والمصالح الأوروبية.
aXA6IDEzLjU4LjM0LjEzMiA= جزيرة ام اند امز