في خطوة ملفتة وذات دلالة بالغة استضافت وزارة الخارجية الأمريكية يوم الإثنين الماضي اجتماعا غير معهود
في وقت توقع فيه كثير من المراقبين أن يكون إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انسحاب بلاده من الاتفاق النووي مع إيران هو أقصى خطوة تصعيدية يمكن أن تتخذها الإدارة الأمريكية حيال الممارسات الإيرانية، إلا أن أسبوعاً واحداً كان لتوه قد انصرم قبل أن تفاجئ وزارة الخارجية الامريكية العالم يوم الخميس الماضي بإعلانها أن بلادها بصدد تشكيل "تحالف دولي ضد إيران وأنشطتها المزعزعة للاستقرار"، حيث قالت المتحدثة باسم الوزارة هيذر ناورت للصحفيين في واشنطن: "ستعمل الولايات المتحدة بجد لبناء تحالف"، "سنجمع بلداناً كثيرة من حول العالم لهدف محدد هو مراقبة النظام الإيراني من خلال منظور أكثر واقعية، ليس من خلال منظور الاتفاق النووي فقط، بل من خلال كل أنشطته المزعزعة للاستقرار التي لا تشكل تهديداً للمنطقة فحسب بل للعالم أجمع"، وإلى أن يقوم وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو بعد غد الإثنين بتفصيل هذه الفكرة و"كيفية المضي قدماً" في إنشاء التحالف ضد طهران، في أول خطاب له حول السياسة الخارجية منذ توليه منصبه، نحاول هنا أن نجيب عن قليل من أسئلة كثيرة تطرحها هذه الفكرة، ولعل أول سؤال يتبادر إلى الذهن هنا هو: هل هذه الخطوة قابلة فعلاً للتنفيذ على أرض الواقع؟ وكيف سيكون شكل هذا التحالف إذا تكوّن؟ من هم أعضاؤه؟ وهل سيكون مجرد تحالف سياسي أم سيكون له شق عسكري؟ وهل هذه الخطوة مجرد محاولة تكتيكية لتعزيز الضغوط على إيران وشركائها الأوروبيين لدفعها لتغيير سلوكها وتقديم تنازلات والقبول بتسوية تستجيب للمطالب الأمريكية تجنباً لسيناريو آخر قد تكون القوة العسكرية أحد عناصره؟ أم تمثل خطوة جديدة بين خطوات أخرى تعكس تحولاً جذرياً في الاستراتيجية الأمريكية حيال ملفات المنطقة لا سيما الملف الإيراني؟
في خطوة ملفتة وذات دلالة بالغة استضافت وزارة الخارجية الأمريكية يوم الإثنين الماضي اجتماعاً غير معهود شمل سفراء نحو 200 دولة، لمناقشة الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها واشنطن ضد طهران، والإجراءات التي تنوي اتخاذها مستقبلاً بما فيها فكرة تشكيل تحالف دولي ضد ممارسات النظام الإيراني.
لعل ما يساعد في الوصول إلى إجابة عن هذه الأسئلة هو تتبع السياق الزماني والمكاني الذي جرى فيه الترتيب لاتخاذ هذه الخطوة، فزماناً جاء الإعلان عن هذه الخطوة في ظل أسبوع كان فيه مواجهة الخطر الإيراني هو المهيمن وحده على عقل صانع القرار الأمريكي، أسبوع يمكن وصفه بأنه "أسبوع إيران في واشنطن"، هذا الأسبوع الذي قد يمتد شهراً أو شهوراً بدأ بإعلان ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، في خطوة كان كثير من المراقبين يستبعدونها حتى قبل أيام من إعلانها، تلاه ثلاث جولات من العقوبات أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية فرضها ضد إيران، استهدفت أولها 4 أشخاص إيرانيين على علاقة بالحرس الثوري وحزب الله من بينهم محافظ المصرف المركزي الإيراني، ولي الله سيف، واستهدفت آخرها وأهمها قادة حزب الله اللبناني بمن فيهم أمينه العام حسن نصرالله ومجلس شورى الحزب بسبب دعمهما للإرهاب وإطالة المعاناة في سوريا وتغذية العنف في اليمن والعراق وتعريض لبنان وشعبه للخطر وزعزعة استقرار المنطقة بأكملها، وأثناء ذلك الأسبوع كانت إسرائيل قد أعلنت أنها ضربت "معظم البنى التحتية العسكرية لإيران" داخل سوريا، في أكبر هجوم لها على سوريا منذ اندلاع الحرب الأهلية فيها، وذلك رداً على ما قالت إسرائيل إنه قصف قوات إيرانية لمواقعها في مرتفعات الجولان المحتلة.
وفي خطوة ملفتة وذات دلالة بالغة استضافت وزارة الخارجية الأمريكية، يوم الإثنين الماضي، اجتماعاً غير معهود شمل سفراء نحو 200 دولة، لمناقشة الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها واشنطن ضد طهران، والإجراءات التي تنوي اتخاذها مستقبلاً بما فيها فكرة تشكيل تحالف دولي ضد ممارسات النظام الإيراني، ولا شك أن استضافة هذا العدد الكبير من الدبلوماسيين الذي يشمل تقريباً سفراء كل الدول المعتمدين لدى واشنطن يعطي إشارة إلى أن ما طرح للنقاش عليهم ليس أمراً عادياً، وإنما أمر قد يحمل تحولاً استراتيجياً، خاصة أن واشنطن لم تلجأ من قبل إلى مثل هذا الإجراء لتبرير قراراتها ومحاولة بناء توافق حولها، حتى في ظل أهم الأزمات الدولية التي انخرطت فيها واشنطن مثل الأزمة غزو العراق في 2003، ومن بين الـ200 دولة التي حضر سفراؤها هذا الاجتماع يبدو أن هناك نحو 23 دولة على الأقل مستعدة للمشاركة في هذا التحالف الذي تعتزم واشنطن تشكيله ضد إيران، وهو ما يمكن أن يكون نواة جيدة لما يمكن تسميته بـ"تحالف الراغبين".
مكانياً لم يكن السلوك الإيراني المزعج يتردد صداه في واشنطن وحدها، وإنما شغل حيزاً عربياً كبيراً من المحيط إلى الخليج، فعلى شاطئ المحيط الأطلسي كانت الرباط قد استبقت قرار واشنطن بالانسحاب من الاتفاق النووي بقطع علاقاتها مع إيران في الأول من مايو الماضي، نتيجة لما قالت إنه دعم وتدريب من "حزب الله" لجبهة البوليساريو، وعلى شاطئ الخليج العربي فرض "مركز استهداف تمويل الإرهاب"، الذي أنشئ في مايو 2017 كمبادرة أمريكية- خليجية، عقوبات على قيادات "حزب الله"، بالتزامن مع القرارات الأمريكية المشابهة.
مكانياً أيضاً تبقى للمكان الذي اختاره مايك بومبيو لإلقاء خطابه المرتقب بعد غد الإثنين دلالة قد تنبئ بمحتواه، فوزير الخارجية الأمريكي سيلقي خطابه أمام مؤسسة التراث Heritage Foundation "، والتي تعد من أبرز مراكز الفكر اليميني المحافظ في الولايات المتحدة، ولديها تأثير واسع على سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وكانت من أكثر مراكز الأبحاث انتقاداً للاتفاق النووي مع إيران، ورأت أن الاستمرار فيه يعني القبول بإيران نووية قادرة على تخصيب كمية من اليورانيوم كافية لصناعة قنبلة في شهرين فقط إذا أرادت، وقدمت نصائح لترامب بالانسحاب من الاتفاق ورحبت بقراره لاحقاً، وبالتأكيد فإن اختيار بومبيو هذا المكان لإلقاء خطابه المتعلق بإنشاء تحالف جديد لمواجهة مجمل النشاط الإيراني الخبيث ليس من قبيل المصادفة، لأن خطابه بالتأكيد سيلقى ترحيباً كبيراً ودعماً قوياً من الحاضرين، وأياً كان محتوى الخطاب الذي سنعود إليه في مقال لاحق، فإنه بالتأكيد سيدشن لمرحلة جديدة من العلاقات بين أمريكا وإيران، وسينهي أخيراً مرحلة التوافق والالتقاء بين واشنطن وطهران التي بدأت في عام 2014، والتي كانت ركيزتها الاتفاق النووي الذي حرر طهران من عزلتها الدولية وأغدق عليها الأموال التي جعلتها أهم قوة مزعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة