إيران تدرك في قرارة نفسها أنّها ورغم مساعدتها حليفتها لن تكون مقبولة من السوريين على المدى البعيد
مخطئ من يظن أنّ الرئيس الروسي وآلته العسكرية من ورائه انتصرا في سوريا وأنّه ما عاد بحاجة لأحد من الأطراف الدولية لتسويق حل سياسي للأزمة السورية المندلعة منذ سبع سنوات ونيف.
على العكس تماماً بات الرجل بحاجة للعالم أكثر من ذي قبل، خصوصاً أنّ الكثير من الملفات تحتاج من زعيم الكرملين الانتهاء منها وتحضير روسيا لما بعد بوتين خلال السنوات الست المقبلة؛ ومنها مسألة ضمه جزيرة القرم والعقوبات الأمريكية والعداء الأوروبي لبلده والمكلف اقتصادياً، لذلك لابد من البحث عن حامل أو جناح يطير به نحو حل سياسي تكون له حصة الأسد فيه وإنْ لم يوافق رؤية الأسد الرئيس.
ستغض موسكو الطرف عن التحركات الأمريكية في شرق سوريا وشمالها الشرقي بما يحفظ مصالح الأخيرة ويقوي نفوذ الأكراد المدعومين منها ليبقوا ورقة تلعب بها واشنطن ساعة تحتاج لها.
من الطرف الذي يتكل عليه الرئيس بوتين في ذلك؟
حتماً ليست الولايات المتحدة التي لن يناسبها المقترح الروسي ولا حتى المقاربة التي تتبناها في سوريا وبشأن الأسد على وجه الخصوص لذلك تتجه أنظار الروس نحو فرنسا الأقرب بذلك، والباحثة عن دور في إعادة الإعمار وإنعاش اقتصادها صاحب المرتبة الثانية على المستوى الأوروبي بعد ألمانيا.
سترضى فرنسا بما يُقسم لها من الكعكة السورية وسيترتب عليها مسؤولية إقناع شركائها الأوروبيين بوجهة نظر موسكو، خصوصاً أنّها رفضت بشكل قطعي خروج القوات الأمريكية من سوريا خشية السماح للإيرانيين مقاسمة الروس الساحة السورية، وهذا لن يكون في صالح الدول الأوروبية لناحية النفوذ ويهمش دورها أكثر من ذي قبل.
هل يعني الحراك الروسي باتجاه الأوروبيين عدم الحاجة للولايات المتحدة؟
أبداً ستكون واشنطن المطلب الأول والأخير لموسكو ولكن بأقل الضرر خاصة أنّ وجود جناح جديد في الإدارة الأمريكية متمثل بمستشار الأمن القومي جون بولتون ووزير الخارجية مايك بومبيو واللذين لا يخفيان عدم رضاهما عن السياسة الروسية في الشرق الأوسط والعالم عموماً.
لذلك ستغض موسكو الطرف عن التحركات الأمريكية في شرق سوريا وشمالها الشرقي بما يحفظ مصالح الأخيرة ويقوي نفوذ الأكراد المدعومين منها ليبقوا ورقة تلعب بها واشنطن ساعة تحتاج لها.
في مقابل حفظهم ماء وجههم أمام المجتمع الدولي وعدم قبول رعاية الحل في سوريا لحساب بوتين وإدارته، لن تكون واشنطن حجر عثرة كبير في وجه الحل الذي يروج له الروس خاصة أن المنطقة ستكون ساحة لتقويض إيران وما سيقدمه الروس في هذا الشأن سيُرضي الولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل.
سيقدم الروس ثمناً لهذه المناورة عبر تقليص دور إيران وخروج المليشيات المدعومة منها والسماح ببقاء بعض مستشاريها وترتيب البيت السوري بما لا يترك للدول الأوروبية ولا للولايات المتحدة أيّ حجة لعدم المضي بالحل السياسي المُتبنى روسيا، وإلا ما معنى مطالبة الرئيس الروسي نظيره السوري خلال لقائه به مؤخراً في سوتشي بضرورة رحيل القوات الأجنبية عن سوريا لإرساء الحل السياسي بعد الخلاص من الإرهابيين كما يسميهم بوتين والأسد؟
في الواقع لن يكون من السهل تسليم إيران الساحة السورية بهذه السهولة خاصة بعد الخسائر المادية الكبيرة والبشرية وإنْ بشكل أقل خلال فترة الحرب السورية، ولكن ثمة ثلاثة اعتبارات ستحسب لها إيران ألف حساب قبل رفضها العرض الروسي من أجل حفاظ مصالحها بسوريا والإبقاء على العقود الاقتصادية الموقعة مع دمشق قبل الانتقال إلى صف المشارك بالحل لا المعثّر إياه.
أولاً: الوضع الاقتصادي الجديد الذي ستتكون عليه الحكومة الإيرانية بعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي وما يترتب عليه من تبعات اقتصادية ستؤثر بشكل كبير على حركة طهران المالية.
ثانياً: الداخل الإيراني الذي بات يرفع الصوت عاليا بأن ما تصرفه حكومته في سوريا واليمن والعراق كفيل بجعل الإيرانيين شعباً ميسور الحال بعيداً عن حالة الفقر الذي تصيب نسبة تتجاوز الأربعين في المائة منهم.
ثالثاً: الداخل السوري المتململ كثير منه من تصرفات العناصر المدعومة إيرانيا وعدم قبول ذلك وليس آخرها ما أتى عليه متطرف إحدى المليشيات في وسط العاصمة دمشق حين كان ينادي بأعلى صوته أنّه وزبانيته سيحرقون الشام وأهلها، ما شكّل ردة فعل كبيرة في أوساط المؤيدين الحكومة قبل معارضيها.
بالنتيجة إيران تدرك في قرارة نفسها أنّها ورغم مساعدتها حليفتها لن تكون مقبولة من السوريين على المدى البعيد لذلك ستضع ذلك بعين الاعتبار وترضخ لما سيُطلب منها.
وللسائل عن طبيعة الحل الروسي فهو يكمن بإقرار دستور جديد، وهذا ما يفسر قبول الرئيس السوري إرسال بعض الأسماء للأمم المتحدة من أجل هذه الخطوة، والتحضير لانتخابات برلمانية ورئاسية يسمح للأسد الترشح فيها مع إعطاء صلاحيات واسعة للأكراد في الشمال الشرقي من سوريا لتبقى إدلب مهمة تركيا التي ستتولى تسوية ملفها بالتنسيق المباشر مع الروس أولاً والعناصر المسيطرة على المدينة، والتي تستطيع أنقرة التأثير على قيادتها وتجنيب المدينة مصير الغوطة وحلب من قبل.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة