القانون الدولي.. واستهداف الناقلات التجارية
الأمر يلزم توضيح مسائل قانونية وثيقة الصلة بالحادث التخريبي الاستثنائي الذي وقع داخل المياه الاقتصادية الخالصة لدولة الإمارات.
لا شك أن حادث استهداف 4 سفن تجارية بالقرب من المياه الإقليمية الإماراتية باتجاه الساحل الشرقي بالقرب من إمارة الفجيرة، في 12 مايو/ آيار 2019 يشكل تهديدا مباشرا للاقتصاد العالمي المتمثل في استهداف الملاحة الدولية، وهذا يضع على عاتق المجتمع الدولي مسؤولية كبيرة تجاه تلك الأعمال التخريبية.
في الوقت نفسه جاء بيان الخارجية الإماراتية ليؤكد أن الجهات المعنية قامت باتخاذ الإجراءات اللازمة كافة، وأنه جار التحقيق حول ظروف الحادث بالتعاون مع الجهات المحلية والدولية.
وفور وقوع الحادث، تلقت دولة الإمارات العربية المتحدة رسائل الدعم والتضامن، نظراً لمواقف الدولة الإيجابية في دعم السلام والاستقرار الدوليين، والصداقة الكبيرة التي كسبتها الإمارات على الصعيد العالمي، حيث أدان العديد من الدول والمنظمات والبرلمانات في العالم والإقليم الحادث الإجرامي التخريبي.
وتزامناً مع بيانات الإدانة للحادث والتضامن مع الإمارات، حذرت البحرية الأمريكية مرتين السفن التجارية الأمريكية وسفن الدول الصديقة للولايات المتحدة كافة من خطورة الممرات الملاحية في كل من: باب المندب وبحر العرب وخليج عمان ومضيق هرمز. وصدر التحذيران الأمريكيان في شكل نصيحة (Advice).
وطلب نائب قائد الأسطول الخامس الأمريكي من السفن الأمريكية وسفن الدول الصديقة للولايات المتحدة كافة أن تتصل بقيادة ذلك الأسطول أثناء عبورها في الممرات الملاحية السابق الإشارة إليها كافة.
وقبل سبر أغوار مثل هذه الحوادث الخطيرة التي لم تعهدها الملاحة الدولية إلا نادراً وأثناء حروب بين الدول الأعداء المتحاربة، يلزم الأمر توضيح مسائل قانونية مهمة ووثيقة الصلة بالحادث التخريبي الاستثنائي الذي وقع داخل المياه الاقتصادية الخالصة لدولة الإمارات.
البحار والمضائق والممرات الدولية
أضحت البحار - منذ قرون خلت - تشكل الركن المهم في واقع الدول، كما أصبحت أيضاً المرفق الحيوي لاقتصاديات الكثير من الدول. ونتيجة أن البحار والمضائق والممرات البحرية أصبحت طرقا رئيسية للتواصل بين بين الدول عبر السفن، صار لزاماً على القانون الدولي أن يتدخل من أجل تنظيم حقوق وواجبات الدول تجاه النطاقات البحرية المختلفة، مثل المياه الإقليمية، والمنطقة المتاخمة، والجرف القاري، والمنطقة الاقتصادية الخالصة وأعالي البحار.
وبطبيعة الحال، لن نتناول هذه النطاقات كافة، ولكن سنتناول فقط نطاقين بحريين هما المياه الإقليمية والمنطقة الاقتصادية الخالصة.
المياه الإقليمية
المياه الإقليمية هي مناطق مياه البحار والمحيطات التي تمتلك دولة ما حق السيادة عليها، وتتضمن حقوق الدولة في مياهها الإقليمية: التحكم في الصيد، والملاحة، والشحن البحري، علاوة على استثمار المصادر البحرية، واستغلال الثروات المائية الطبيعية الموجودة فيها، وتمتد مساحة المياه الإقليمية ما بين 12 ميلاً بحريًا إلى عدة أميال بحرية، طبقًا لكل دولة.
وتتضمن المياه الإقليمية لبلد ما: مياهه الداخلية وبحاره الإقليمية، وتتضمن المياه الداخلية: البحيرات، والأنهار والمياه التي تشتمل عليها المناطق الساحلية والخلجان، ويقع البحر الإقليمي لبلد ما وراء شاطئه، أو وراء حدود مياهه الداخلية.
والدولة الساحلية، تحدد خطوط الأساس على سواحلها، سواء بطريقة خطوط الأساس العادية، أو خطوط الأساس المستقيمة، بما يتناسب مع اختلاف الظروف الطبيعية والجغرافية.
وكانت الإمارات العربية المتحدة قد أصدرت قانونها البحري في عام 1993، بعد أن صدقت على اتفاقية قانون البحار، وحددت في قانونها البحري بحرها الإقليمي من ثلاثة أميال بحرية إلى اثني عشر ميلاً بحرياً، وطلبت الإمارات من السفن الحربية التي تريد المرور في مياهها الإقليمية أن تحصل على إذن مسبق بالعبور من السلطات المختصة.
ونظراً لوقوع الهجمات التخريبية المشار إليها في المنطقة الاقتصادية لدولة الإمارات، سنقوم بالتناول التفصيلي لمفهوم "المنطقة الاقتصادية الخالصة" ونطاقها والحقوق السيادية والولائية للدول الساحلية فيها، فضلا عن حقوق وواجبات الدول المختلفة في هذه المنطقة.
المياه الاقتصادية
أضحت المنطقة الاقتصادية الخالصة حزاماً بحرياً جديداِ، لم تعهده الدول وسفنها قبل إقرار اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار في 1982، وهي منطقة بحرية تمارس عليها دولة حقوقاً خاصة في الاستغلال واستخدام مواردها البحرية، ويكون لها حقوق في المنطقة تتعلق بالملاحة والطيران.
وتمتد المياه الاقتصادية أو ما يعرف بالمنطقة الاقتصادية الخالصة إلى مسافة 200 ميل بحري يتم قياسها من خطوط الأساس الذي يبدأ منها قياس البحر الإقليمي، وهي إحدى أوجه التطور الهامة التي استحدثتها اتفاقية البحار الجديدة من أجل تحقيق التوازن بين مختلف المصالح.
النظام القانوني للمنطقة الاقتصادية الخالصة
بموجب الاتفاقية المشار إليها، ينطبق على هذه المنطقة نظام خاص يجري بموجبه تنظيم حقوق واختصاصات الدولة الساحلية، وحقوق وحريات الدول الأخرى. وتملك الدولة الساحلية في هذه المنطقة حقوقا سيادية تتعلق باستكشاف الموارد الطبيعية الحية وغير الحية الموجودة في قاع البحر وباطن أرضه، واستغلال هذه الموارد وحمايتها. وهذا يعني أنه لا يحق لأحد دون موافقة الدولة الساحلية استكشاف هذه الموارد واستغلالها وحمايتها.
ويحق للدولة الساحلية أن تضع القوانين التنظيمية للحفاظ على البيئة البحرية، وللدولة الساحلية أيضاً أن تلجأ إلى التسوية الإلزامية للمنازعات في حالة أن تكون دولة ما قد تصرفت في ممارستها لحقوقها وحرياتها في هذه المنطقة بما يخالف اتفاقية قانون البحار أو الأنظمة القانونية التي تكون قد وضعتها الدولة الساحلية.
وقد بينت اتفاقية قانون البحار أيضاً أن المنازعات بين الدول حول ممارسة حقوقها وحرياتها في المنطقة الاقتصادية، يمكن أن تتم تسويتها عن طريق التوفيق الإلزامي، إذا لم تسو بالطرق الاختيارية أو الإلزامية.
وجدير بالذكر أن الدولة الساحلية لا تملك سيادة على هذه المنطقة، وحقوقها السيادية تمارس فقط لأغراض محدودة ودقيقة. إن المنطقة الاقتصادية، بخلاف المياه الإقليمية، لا تدخل ضمن إقليم الدولة وإنما تعتبر جزءاً من البحار العام كالمنطقة الملاصقة.
خصوصية المنطقة الاقتصادية الخالصة
هناك العديد من الفوارق الجوهرية القانونية بين النظام القانوني للبحر الإقليمي، والنظام القانوني للمنطقة الاقتصادية الخالصة، فالنظام العام للملاحة في المنطقة الاقتصادية مرتبط بنظام أعالي البحار وليس بنظام البحر الإقليمي. وهذا يعني أن السفن التي ترفع علم الدولة الثالثة يمكنها أن تبحر فيها مبدئياً دون أي عائق، وهنا لا تطبق القواعد التي تحكم حرية المرور البريء الذي يتعلق بالبحر الإقليمي.
أيضاً، فالدول الثالثة - سواء الدول الحبيسة التي لا تملك ساحلا، والدول المحرومة جغرافيا، أقر لها بموجب اتفاقية قانون البحار، باستثمار جزء مناسب من رصيد الموارد البيولوجية في المنطقة الاقتصادية للدولة الساحلية.
طبيعة ومحل الجرائم التخريبية
وقعت الجريمة التخريبية قبالة ميناء الفجيرة، وهو الميناء الوحيد بالبلاد متعدد الأغراض خارج مضيق هرمز، ما يمنح السفن إمكانية الوصول المباشر إلى خليج عمان والمحيط الهندي، وذلك في حالات إغلاق أو تعطيل الملاحة الدولية في مضيق هرمز.
وهنا تتمتع الفجيرة - تحديدا - بأهمية استراتيجية متفردة لدولة الإمارات. وهنا يفطن كل لبيب لعمدية الهجمات التخريبية المهددة لسلامة الملاحة الدولية، فضلا عن التوقيت المتزامن مع قرع طبول الحرب في المنطقة.
المسؤولية الدولية عن الجرائم المهددة للملاحة الدولية
إن الجرائم التخريبية التي استهدفت ناقلات تجارية خارج المياه الإقليمية لدولة الإمارات تجعل الاختصاص القضائي الإقليمي المطلق تمارسه الإمارات، والذي يسري بشكل شبه مطلق على الجرائم التي ترتكب داخل المياه الإقليمية للدولة الساحلية.
في ذات السياق، فقد كفلت اتفاقية قانون البحار للدولة الساحلية أن يمتد اختصاصها القضائي على الجرائم، ليشمل تلك التي تقع على الجزر الصناعية أو المنشآت التي تكون قد أنشأتها الدولة الساحلية في المنطقة الاقتصادية الخالصة، ومن بين هذه الجرائم على سبيل المثال: تهريب المخدرات وتهريب البشر ونشر أسلحة الدمار الشامل.
ويعد الصيد في المنطقة الاقتصادية للدول ودون ترخيص من الدولة الساحلية فعلاً مجرماً، يرخص للدولة الساحلية ممارسة اختصاصها القضائي على السفن التي تنتهك قوانين الدولة المنظمة للصيد في المنطقة.
وقد أخذت دولة الإمارات العربية المتحدة كل الاعتبارات القانونية السابق ذكرها في اعتبارها، واتخذت قراراً حكيماً صائباً، بالتواصل مع المؤسسات والمنظمات الدولية المعنية بمثل هذه الحوادث، كي تشترك معها في التحقيق الشفاف الذي شرعت فيه بالفعل.
في ذات السياق، نشير إلى أن المنظمة الدولية البحرية التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، وهي تعد ضمن المنظمات المهمة المعنية بوضع القوانين التي تؤمن النقل والشحن البحري وسلامة الملاحة الدولية، وتنسق مع الدول الأعضاء كافة في المنظمة بشأن القوانين التنظيمية الداخلية للدول المعنية بالنقل والشحن البحري.
وهنا تكمن أهمية المنظمة، وفقا لآلياتها المتاحة، للتعاطي مع مثل هذه الأفعال الإجرامية التي تهدد النقل والشحن الدوليين، فضلاً عن أمن وسلامة المسارات البحرية المختلفة للسفن كافة ودون تمييز.
ويجب أن نوضح أن المسؤولية الدولية عن ارتكاب الجرائم الدولية لا تقتصر فقط على الجرائم الدولية التي ترتكبها الدول بشكل مباشر، بل تمتد أيضاً لتطال مسؤولية الدول عن دعم الجماعات المسلحة والتنظيمات الإرهابية. ودون حدس أو تكهن فهناك دولة إقليمية وحيدة في منطقة الخليج العربية، تسيطر – بلغة المسؤولية الدولية - على مليشيات مسلحة لا تزال ترتكب الهجمات التخريبية، التي طالت في الماضي القريب سفناً إماراتية وسعودية.
خلاصة القول إن الجرائم التخريبية الخطيرة التي استهدفت السفن المدنية في المنطقة الاقتصادية الخالصة لدولة الإمارات تدق ناقوس خطر للمجتمع الدولي من أجل أن يتحمل مسؤولياته الدولية تجاه الدول والمليشيات الوكيلة لها التي تهدد سلامة وأمن الملاحة الدولية.
** د. أيمن سلامة: أستاذ القانون الدولي العام