اليوم العالمي لغابات المانغروف.. نموذج إماراتي ملهم
في السادس والعشرين من كل عام، يحتفل العالم باليوم الدولي لصون النظام الإيكولوجي لغابات المانغروف.
وتتميز غابات المانغروف بأنها نظم إيكولوجية نادرة ومذهلة وخصبة وهي تعيش على الحدود بين اليابسة والبحر. وتُسهم هذه النظم الإيكولوجية الاستثنائية في رفاه المجتمعات المحلية الساحلية في العالم وفي أمنها الغذائي وحمايتها. وتدعم وجود تنوع بيولوجي ثري، كما توفر منطقة تفريخ هامة للأسماك والقشريات.
وتعمل غابات المانغروف كنظام دفاعي ساحلي طبيعي في وجه هبوب العواصف وأمواج التسونامي وارتفاع منسوب مياه البحر. وتعتبر تربتها بالوعات كربون شديدة الفعالية حيث تثبِّت كميات كبيرة من الكربون.
ولكن تتراجع المساحات التي تغطيها غابات المانغروف بنسبة تفوق بمقدار ثلاث إلى خمس مرات نسبة التراجع العام لمساحات الغابات العالمية، ويقترن هذا التراجع بحدوث أضرار كبرى من النواحي البيئية والاجتماعية والاقتصادية. وتشير التقديرات الحالية إلى أنَّ المساحات التي تغطيها غابات المانغروف قد انحسرت بنسبة النصف خلال الأربعين عاماً الماضية.
خطة إماراتية "طموحة" لزراعة وإصلاح وتجديد غابات المانغروف
في مواجهة الحرارة والتوسع العمراني ورمال الصحراء، تعمل دولة الإمارات على إصلاح وتجديد الممرات المائية الموحلة لغابات المانغروف الساحلية وزراعتها في خطة طموحة لمكافحة تغير المناخ.
وغابات المانغروف المدارية هي نظم بيئية معقدة ترتكز على أشجار المانغروف التي تزدهر في ظروف قاسية من الحرارة والوحل والملوحة. وتشكل هذه الغابات درعا يحمي المجتمعات الساحلية من العواصف والفيضانات، وتضم أنواعا متنوعة ومهددة ويمكنها أن تحد من تغير المناخ عبر امتصاص الكربون من الغلاف الجوي.
ما يجعل هذه الأنواع من المانغروف، ومنها أفيسينيا مارينا (القرم البحري)، في أبوظبي مميزة هو تحملها الشديد للظروف القاسية، إذ يمكنها تحمل الملوحة الشديدة ودرجات الحرارة المرتفعة.
ومن داخل غابات المانغروف في أبوظبي، والتي يُزرع أقل من 40% منها وينمو بقيتها تلقائيا "إنها مهمة جدا فيما يتعلق بتغير المناخ، إذ ترتفع درجات الحرارة بمختلف أنحاء العالم أو تصبح أقل استقرارا".
وتزرع دولة الإمارات، التي تستضيف قمة المناخ COP28 في 30 نوفمبر/تشرين الثاني وحتى 12 ديسمبر/كانون الأول 2023، أشجار المانغروف منذ تأسيسها في سبعينيات القرن العشرين، وتعتزم زراعة 100 مليون شجرة مانغروف إضافية بحلول عام 2030 إلى جانب 60 مليون شجرة تنتشر حاليا في مساحة 183 كيلومترًا مربعًا، وتقول وزارة التغير المناخي والبيئة بدولة الإمارات إنها تمتص 43 ألف طن من ثاني أكسيد الكربون سنويا.
ووفقا لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، تقلصت غابات المانغروف عالميا في عام 2020 بنسبة 3.4% مقارنة مع 1996، لكن مساحاتها استقرت في السنوات الأخيرة.
وفي مركز خور كلباء لأشجار القرم على الساحل الشرقي لدولة الإمارات، توجد لافتة تخبر الزائرين بأن غابة المانغروف هذه يزيد عمرها على 300 عام وتساهم في مكافحة تغير المناخ.
- 160 مليون شجرة.. الإمارات تكافح تغير المناخ بـ"زراعة المانغروف"
- غابات المانغروف الساحلية.. سلاح فاعل في معركة المناخ (دراسة)
نموذج ملهم للاستدامة البيئية
لقد اهتمت دولة الإمارات بالحفاظ على التنوع البيولوجي بمختلف صوره، مستندة إلى إرث طويل من العمل الوطني بدأه الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، "طيب الله ثراه"، وواصلت جهودها في هذا السياق، من خلال منظومة تشريعية متكاملة، وإطلاق حزمة من المبادرات والخطط الاستراتيجية، وإنشاء المناطق المحمية والتوسع فيها، والمحافظة على الأنواع المهددة بالانقراض وإكثارها، إضافة إلى التوقيع على العديد من الاتفاقيات الإقليمية والدولية التي تعزز التنوع البيولوجي وتحافظ عليه، بما يضمن تحقيق الاستدامة البيئية، وإيجاد مستقبل أفضل للأجيال الحالية والقادمة.
ونتيجة حتمية لجهود دولة الإمارات الحثيثة في المحافظة على التنوع البيولوجي على مدار السنوات الماضية، تصدرت دولة الإمارات دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الترتيب العام لتقرير "مؤشر الأداء البيئي 2022" الصادر عن جامعة ييل، الذي يرصد الأداء البيئي لـ 180 دولة، حيث حصدت المركز الأول عالمياً في مؤشرات المحميات البحرية، وخدمات النظام الإيكولوجي، وقلة انحسار الأراضي الرطبة، والمركز الأول إقليمياً والثالث عالمياً في مؤشر حيوية النظام البيئي، والمركز الأول إقليمياً في مؤشر التنوع البيولوجي والموائل الطبيعية.
وتولي الإمارات أهمية كبيرة لإطلاق مبادرات طموحة وإيجابية لحفظ التنوع البيولوجي، باعتبارها تمثل حلولاً ملموسة يحتاجها العالم للتخفيف من ظاهرة التغير المناخي، خصوصاً مع قرب انعقاد مؤتمر (COP28)، الذي يسهم في تقديم رؤية واضحة وإجراءات عملية لحماية النظم البيئية، إضافة إلى تعزيز وتوحيد العمل العالمي للحد من تدهور التنوع البيولوجي وحماية النظم الإيكولوجية التي تدعم الأمن الغذائي والمائي والصحة للمليارات من البشر، فضلاً عن تقليل فقدان المناطق ذات الأهمية العالمية للتنوع البيولوجي.
وفي إطار مبادراتها للحفاظ على التنوع البيولوجي وحماية الأنواع المهددة بالانقراض، عززت دولة الإمارات طموحها لتوسيع غطاء غابات القرم (المانغروف) من خلال زيادة هدف زراعة أشجار القرم من 30 مليوناً - التي أُعلن عنها سابقاً ضمن التقرير الثاني للمساهمات المحددة وطنياً وفقاً لاتفاق باريس للمناخ - إلى 100 مليون شجرة بحلول 2030، حيث تلعب غابات القرم دوراً مهماً في حماية سواحل دولة الإمارات من ارتفاع مستويات سطح البحر، والعواصف الشديدة، وتوفير الموائل الطبيعية للتنوع البيولوجي.
ويشكل إطلاق دولة الإمارات العربية المتحدة “ تحالف القرم من أجل المناخ في العام 2022 ” خلال «COP27» في مدينة شرم الشيخ المصرية وبالشراكة مع جمهورية إندونيسيا، محطة مهمة ضمن مسيرة الدولة لتعزيز العمل المناخي العالمي، والحفاظ على التنوع البيولوجي، حيث تشكل غابات القرم أو ما يسمى "المانغروف" نظماً بيئية مهمة للغاية، إذ تعتبر ضرورية لتحسين جودة الحياة والاقتصاد من خلال تعزيز جهود التصدي لتغيّر المناخ. كما توفر غابات القرم فرصاً للسياحة المستدامة والترفيه، كما تساعد على تحسين الثروة السمكية وحماية المدن والبنية التحتية من العواصف وارتفاع مستوى مياه البحر.
واتّخذت دولة الإمارات تدابير جوهرية لحماية وتنمية الحياة الفطرية النباتية الخاصة بأشجار القرم، حيث كانت سبّاقة في إطلاق مبادرات لاستعادة وتشجير أشجار القرم على مستوى العالم، في الوقت الذي أظهرت فيه بيانات منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة، أن العالم فقد نحو 22% من أشجار القرم خلال الثلاثين سنة الماضية، بينما تضاعف عدد أشجار القرم في دولة الإمارات في الفترة ذاتها، حيث يوجد بها في الوقت الحالي نحو 48% من أشجار القرم في منطقة الخليج العربي.
وتعد تجربة دولة الإمارات في زراعة غابات القرم لتعزيز مستويات التنوع البيولوجي، ملهمة ويحتذى بها، فعلى الرغم من تنامي مسارات التنمية وارتفاع القيمة الاستثمارية للمساحات المطلة على الشواطئ إلا أن دولة الإمارات واصلت العمل على تعزيز انتشار غابات القرم لتغطي وفقاً لآخر إحصائيات 204 كيلومترات مربعة من مساحة الدولة خلال عام 2022، منها 176 كيلومتراً مربعاً في إمارة أبوظبي وحدها.
وتتمتع “أشجار القرم” بقدرتها على التخفيف من آثار التغير المناخي، وحماية الجزر والشواطئ من عوامل التعرية، والإسهام في تخفيض الانبعاثات الكربونية، فيما تعد بيئة داعمة للتوازن البيئي للعديد من الكائنات من خطر الانقراض.