غابات المانغروف الساحلية.. سلاح فاعل في معركة المناخ (دراسة)
يرسم بلد صغير في أمريكا الوسطى طريقًا لإبطاء تغير المناخ حول العالم، مع تعزيز الاقتصاد وجعل المجتمعات أكثر أمانًا.
إذ حددت دراسة جديدة بقيادة جامعة ستانفورد الأمريكية قيمة غابات المانغروف الساحلية في بليز، من حيث كمية الكربون التي يمكن أن تحتويها، والقيمة التي يمكن أن تضيفها إلى السياحة ومصايد الأسماك، والحماية التي يمكن أن توفرها ضد العواصف الساحلية والمخاطر الأخرى.
الأهم من ذلك، أن النتائج، التي نُشرت في مطلع الشهر الجاري (1 يونيو/حزيران) في دورية "نيتشر إيكولوجي أند إيفوليوشن" (Nature Ecology and Evolution)، قدمت بالفعل أساسًا لالتزام بليز (دولة صغيرة في أمريكا الوسطى) بحماية أو استعادة غابات المانغروف الإضافية التي يبلغ مجموعها مساحة تقارب حجم العاصمة الأمريكية واشنطن، بحلول عام 2030.
وتشير نتائج الدراسة الجديدة إلى أنه يمكن استخدام الحلول الطبيعية للتغيرات المناخية، ما يساعد العديد من الدول الساحلية على تحقيق التزاماتها الدولية فيما يتعلق بتغير المناخ وتحقيق التنمية الاقتصادية في نفس الوقت.
التجربة البليزية
أجرى الباحثون المشاركون في هذه الدراسة من جامعة ستانفورد وغيرها تقييما مفصلا لقيمة غابات المانغروف في بليز. وقد قدروا قيمتها فيما يتعلق بكمية الكربون الذي يمكنها احتواؤه، والقيمة التي يمكن أن تضيفها للسياحة وصيد الأسماك، وحمايتها من الأعاصير وغيرها من المخاطر الساحلية.
من خلال العمل مع علماء آخرين، بالإضافة إلى صانعي السياسات وأصحاب المصلحة في بليز، قام الباحثون بتحديد كمية تخزين الكربون وعزله باستخدام بيانات الغطاء الأرضي والتقديرات الميدانية.
وقاموا بتحديد الفوائد المشتركة للحد من مخاطر الفيضانات الساحلية، والسياحة، ومصايد الأسماك من خلال نمذجة الخدمات ذات الصلة -مثل مناطق تكاثر جراد البحر- التي توفرها أشجار المانغروف حاليًا وفي سيناريوهات الحماية والاستعادة المستقبلية في مواقع مختلفة.
من بين النتائج التي توصلوا إليها: في بعض المناطق، يمكن أن يكون لتأهيل غابات المانغروف فوائد كبيرة في مجال السياحة والثروة السمكية.
ويبدأ معدل الزيادة للمنافع بخلاف تخزين الكربون في الانخفاض عند نقطة معينة مع استمرار زيادة مساحة المانغروف.
ويمكن للتنبؤ بنقاط الانعطاف هذه أن يساعد أصحاب المصلحة وصناع السياسات على تحديد كيفية تحقيق التوازن الأكثر فعالية بين حماية النظام الإيكولوجي والتنمية الساحلية. وبالمثل، فإن تحديد المواقع التي ستوفر فيها استراتيجيات الكربون الأزرق أكبر قدر من الفوائد المشتركة يمكن أن يساعد في تعزيز الدعم المحلي.
بناءً على النتائج، تعهد صانعو السياسة في بليز بحماية 46 ميلًا مربعًا إضافية من غابات المانغروف الحالية -وبذلك يصل المجموع الوطني الخاضع للحماية إلى 96 ميلًا مربعًا- واستعادة 15 ميلًا مربعًا من غابات المانغروف بحلول عام 2030.
إذا تحقق ذلك، فلن يقتصر الجهد على تخزين وعزل ملايين الأطنان من الكربون، ولكن أيضًا تعزز مصايد سرطان البحر بنسبة تصل إلى 66%، وتولد سياحة المانغروف عدة ملايين من الدولارات سنويًا، وتقلل من المخاطر الساحلية بنسبة 30%، وفقًا لنماذج الباحثين.
وإذا تحققت هذه الجهود، فإنها لن تخزن وتحتجز ملايين الأطنان من الكربون فحسب، بل ستعزز أيضا صناعة صيد الجمبري بنسبة تصل إلى 66%، وتوليد عائدات سياحية بقيمة ملايين الدولارات سنويا، وتقليل مخاطر الكوارث الساحلية لأكثر من 30% من السكان.
مفيدة للغاية
وكشفت الدراسة أيضا عن حقيقة أن غابات المانغروف مفيدة للغاية، لأنها تخزن الكربون وتخفض مخاطر الكوارث مثل العواصف، ووجد الباحثون أن حماية مساحات صغيرة نسبيًا من غابات المانغروف الحالية في بعض المناطق يمكن أن تخلق فوائد كبيرة للسياحة وصيد الأسماك، في حين أن تخزين الكربون الأولي أقل بكثير عند إعادة ترميم الغابات مقارنة بحماية الغابات القائمة، لأنه يستغرق وقتًا لتراكم كميات كبيرة من الكربون في التربة والكتلة الحيوية.
وتعد هذه النتائج مهمة بالنسبة لبلد مثل بليز الذي يبلغ عدد سكانه أقل من مدينة تولسا في ولاية أوكلاهوما الأمريكية، ويبلغ الناتج المحلي الإجمالي لها نسبة 2% فقط من ميزانية مدينة نيويورك سنويا، لأن هذه الطريقة تعالج كلاً من الأهداف المناخية وأهداف التنمية المستدامة، وتفتح فرصًا جديدة لتمويل حلول طبيعية مثل غابات المانغروف في بلدان شبيهة ببليز.
وتشير نتائج هذه الدراسة إلى أهمية غابات المانغروف في حل مشكلة التغير المناخي وتعزيز النمو الاقتصادي، مع وجود دروس قيمة للبلدان الساحلية الأخرى حول كيفية التوازن بين أهداف المناخ تحت اتفاقية باريس والتنمية الاقتصادية.
وتحمل النتائج دروسًا للبلدان الساحلية التي تبحث عن طرق لتحقيق التوازن بين الأهداف المناخية بموجب اتفاقية باريس والتنمية الاقتصادية.
ومن المعروف أن العديد من البلدان تكافح للوفاء بالتزاماتها الدولية المتعلقة بالمناخ. وتوفر الحلول القائمة على الطبيعة، مثل حبس الكربون أو عزله في غابات المانغروف والأعشاب البحرية والمستنقعات المالحة، حلاً واعدًا -فهي تساعد الدول على تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري والتكيف أيضًا مع تغير المناخ.
وتشير الدراسة إلى أن تجربة بليز توضح الطرق العملية التي يمكن بها تحديد فوائد الطبيعة العديدة جغرافياً وتؤثر على سياسة المناخ والاستثمارات في البلاد، وهي الآن متاحة للتوسع حول العالم، وسيعمل البنك الإنمائي الأمريكي والبنك الآسيوي للتنمية مع 10 دول لدعم دمج هذه النهج القائمة على الطبيعة في عمليات صنع القرار السياسي واتخاذ القرارات الاستثمارية.
ومع ذلك، فإن الدول الساحلية الرئيسية، بما في ذلك الولايات المتحدة، قد تجاهلت إلى حد كبير ما يسمى استراتيجيات الكربون الأزرق.
وقالت كاتي أركيما، مؤلفة الدراسة الرئيسية، وهي عالمة في مشروع ستانفورد ناتشورال كابيتال: "تمتلك الولايات المتحدة أحد أكبر السواحل في العالم، وأراضي رطبة واسعة النطاق".
وأضافت "تقدم هذه الدراسة نهجًا يمكننا استخدامه لتحديد المرونة المناخية القائمة على الأدلة وأهداف التنمية الاقتصادية".
ويحمل هذا النهج دروسًا للعديد من الدول الساحلية الغنية والفقيرة لتعزيز قدراتها الاقتصادية والمساهمة في حماية البيئة وتخفيض الانبعاثات الضارة.