منذ قيام الثورة الصناعية التي أثرت على البشر بشكل غير مسبوق وكانت الشعلة التي أوقدت مراحل التطور في كافة مناحي الحياة، دخلت البشرية في سباق مع الزمن؛ لمواجهة تحديات ساهمت فيها الثورة الصناعية مثل التعداد السكاني المطرد.
إن من أكبر التحديات التي أثرت على البشرية والحياة هي نتائج التصنيع والتعدين ومصادر الطاقة التقليدية، والمتمثلة في التلوث البيئي وأثره في التغير المناخي.
ومنذ القدم، عانت البشرية من حرق للأخشاب والفحم الذي يُعد مصدرًا للتدفئة في أوروبا قديمًا حتى وصل الأمر بملك إنجلترا، إدوارد الأول، بإصدار إعلان لندن عام 1272؛ الذي نص على وقف حرق الفحم لأنه يسبب مشكلة.
إن انتباه العالم لتبعات تسلسل الأمور كانت موجودة فعلًا، لكن لم يتم التحرك بشكل فعلي إلا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية؛ حيث شرعت عدة دول بإصدار قوانين ومعاهدات، وللأسف لم تجد طريقها للنور واستمرت هذه الدول في استهلاك الوقود الأحفوري حتى زمن قريب.
لقد تعددت المبادرات التي تهدف إلى تقليل الانبعاثات الكربونية، وسأركز هنا على مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية حول تغير المناخ COP وتاريخ دولة الإمارات وإسهاماتها في هذا المجال؛ حيث تستضيف دولة الإمارات مؤتمر الأطراف المعني بالمناخ بدورته الـ28 في مدينة إكسبو بدبي.
وفي نقاط ملخصة سريعة، سأعرض لكم تاريخ COP وما حققه حتى الآن لأضع بين يديك عزيزي القارئ الحقائق:
- سأعود بالزمن لعام 1992 وبالتحديد في عاصمة البرازيل ريو دي جانيرو الذي نتج عنه الاتفاقية الإطارية الخاصة بالمناخ، لكن لم يتم تحديد أي من أهدافها إلا في عام 1995 في برلين (COP 1) ولم يتم التوقيع عليها إلا في عام 1997 (COP 3) وعرفت فيما بعد باتفاقية كيوتو الشهيرة، لكن أيضا للأسف لم تدخل حيز التنفيذ إلا في منتصف فبراير/شباط عام 2005 (COP 11).
- مضى أحد عشر عاما من عمر COP لم يتم تحديد أطر ولا التزام بأي من بنودها، بل على العكس انسحبت كندا أول دولة موقعة على الاتفاقية منها وقبلها الولايات المتحدة الأمريكية عام 2001؛ بعد أن رفضت اتفاقية كيوتو.
شد وجذب وخلافات بالجملة أدت إلى طريق مسدود لم يوقف عجلة التلوث البيئي، بل ساهمت في تفاقم التلوث بشكل مطرد ولم يتم اتخاذ أي إجراء تاريخي صحيح يمكن الاعتماد عليه إلا في باريس في أثناء (COP21)؛ حيث نتج عنه أول اتفاق اعتباري رسمي يهدف إلى تخفيض الانبعاثات الكربونية والغازات الدفيئة بما يساهم في عدم زيادة حرارة الأرض بمعدل 1.5 درجة مئوية بحلول عام 2050، والإعلان الشفّاف من دولة الإمارات عن أهدافها المناخية وأيضا تقديم الدعم للدول النامية بما يستهدف اتفاقية باريس، ومايميز (COP28) هو القيام بالتقييم العالمي الأساسي الأول لمعرفة مدى الالتزام باتفاقية باريس ومرونة الدول في كافة المجالات وتكيفها مع تأثير ارتفاع درجات الحرارة.
السؤال الأبرز: ما هو دور دولة الإمارات ومساهماتها في COP؟ وماهي المساعي التي اتخذتها لتحقيق خفض الانبعاثات الكربونية مقارنة مع باقي الدول وخطواتها خلال COP؟
شاركت دولة الإمارات في أول مؤتمر للمناخ في (COP 18) الذي عقد في قطر؛ حيث أكدت التزامها بالعمل الدؤوب والمستمر مع شركائها الإقليميين لوضع أطر صحيحة فعّالة تحد من هذا الخطر العالمي واستمرت في هذا النهج في الدورتين اللتين جاءتا، بدعوة كافة الأطراف للعمل معا ضمن هذا الإطار لوضع اتفاقية أساسية يمكن الاعتماد عليها وهو ما تحقق بدورة باريس؛ حيث تم التوقيع عليها من قبل 197 دولة. وأكد أيضا الإسراع بتطبيق بنود الاتفاقية ومنها تقديم الدعم الملموس للدول النامية لمواجهة تحديات المناخ وتقليل اعتمادها على مصادر الطاقة ذات البصمة الكربونية.
على عكس الكثير من الدول التي كانت ومازالت ليومنا هذا تستخدم الفحم كمصدر للتدفئة، وخلال العشر السنوات الماضية عملت دولة الإمارات على عدة مبادرات أهمها تأسيس مصدر في عام 2006 التي تستهدف القيام باستثمارات الطاقة المتجددة وتنويع مصادرها وأيضا دعم الابتكار في التكنولوجيا النظيفة، ومنها الهيدروجين الأخضر بما يساهم في تقليل الانبعاثات الكربونية.
وللعلم شركة أبوظبي لطاقة المستقبل "مصدر"، مملوكة من قبل ثلاث شركات وطنية رائدة في مجال الطاقة، هي: شركة بترول أبوظبي الوطنية "أدنوك" عملاق النفط و الغاز، وشركة مبادلة للاستثمار "مبادلة"، وشركة أبوظبي الوطنية للطاقة "طاقة".
وقد ساهمت "أدنوك" في قيام دولة الإمارات بتأسيس "مصدر" وتعيين الدكتور سلطان بن أحمد الجابر وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة الرئيس المعين لمؤتمر COP28، كرئيس تنفيذي في "أدنوك" ورئيس لمجلس إدارة "مصدر"، كان حصيلة رؤية القيادة الرشيدة في دولة الإمارات لوضع أسس واضحة وحقيقية تستهدف الاستدامة في اعتماد دولة الإمارات على مصادر طاقة نظيفة.
وفي عام 2013 تم إطلاق محطة شمس للطاقة في أبوظبي التي عملت على تفادي إطلاق 175 ألف طن من ثاني أكسيد الكربون بما يعادل زراعة 1.5 مليون شجر، أو منع 15 ألف مركبة من السير على طرقات أبوظبي.
وتستمر حتى الآن أعمال مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الذي يستهدف طاقة إنتاجية تصل الى 5000 ميغاواط بحلول عام 2030، وسيسهم المجمع عند استكماله في تفادي إطلاق 6.5 مليون طن من الانبعاثات الكربونية سنويًا، ناهيكم عن مشروع محطات براكة للطاقة النووية السلمية الذي يستهدف تزويد دولة الإمارات بما يصل إلى 25% من احتياجاتها من الطاقة، وأيضًا يستهدف تفادي إطلاق 22 مليون طن من الانبعاثات الكربونية سنويًا، وبما يعادل منع أكثر من 4.8 مليون مركبة من السير على الطرقات.
فيما أطلقت دولة الإمارات مؤخرًا مجمعًا لإعادة تدوير النفايات الذي يستهدف تدوير 900 ألف طن من النفايات سنويًا ومعالجتها لتوليد الطاقة لأكثر من 52 ألف منزل، مما أدى لتفادي إطلاق مليون طن سنويًا من الانبعاثات الكربونية.
أما على صعيد "أدنوك"، فقد قامت بعدة مشاريع تستهدف الاستدامة في أعمال الشركة بقيادة الدكتور سلطان الجابر ، العضو المنتدب و الرئيس التنفيذي لـ"أدنوك" ومجموعة شركاتها؛ حيث سأركز على 3 مشاريع رئيسية قامت بها "أدنوك":
1- مشروع خفض غاز الميثان: يعتبر غاز الميثان من أبرز الغازات الدفيئة؛ حيث قامت أدنوك بالتوقيع في عام 2020 على اتفاقية شراكة النفط والغاز والميثان 2.0 التي أطلقها برنامج الأمم المتحدة للبيئة و"تحالف الهواء والمناخ النظيف"، للإبلاغ بدقة وشفافية عن انبعاثات الميثان على مستوى شركات قطاع النفط والغاز العالمي.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2022، أعلنت أدنوك عن تحديد هدف جديد لخفض انبعاثات الميثان من عملياتها في مجال الاستكشاف والتطوير والإنتاج إلى 0.15% بحلول عام 2025؛ حيث قامت الأمم المتحدة بتصنيف الهدف الجديد لأدنوك أدنى مستوى للانبعاثات على مستوى الشرق الأوسط، وأيضًا حصلت على معيار ذهبي بعد أن قدمت بيانات ذات جودة عالية وخطة واضحة فعّالة لتحقيق هدفها في هذا المجال.
2- الهيدروجين: تُنتج أدنوك مايصل إلى 300 ألف طن سنويًا منه؛ فالهيدروجين والوقود الناقل له، مثل الأمونيا، تُشكّل جميعها عناصر أساسية هامة في التحول للوقود النظيف؛ حيث أعلنت أدنوك في مايو/أيار 2021 عن منشأة لإنتاج الأمونيا الزرقاء على نطاق عالمي بمعدل مليون طن سنوياً المتوقع استكماله في عام 2025، وفي أغسطس/آب 2021، تم بيع أول شحنة تجريبيّة من الأمونيا الزرقاء.
3- التقاط الكربون واستخدامه وتخزينه: ويُمثّل مشروع "الريادة" أول مشروع لالتقاط الكربون واستخدامه وتخزينه الذي أُنشئ في عام 2016 خطوة مهمة لخفض الانبعاثات ودعم جهود دولة الإمارات لتحقيق أهداف الاقتصاد الخالي من الكربون، والتي تستهدف التقاط 800,000 طن سنويًّا. وتعمل المنشاة على التقاط الكربون ومن ثم تخزينه وإعادة حقنه لتحسين عملية استخلاص النفط من حقول النفط البريّة، وتخزين ثاني أكسيد الكربون بأمان؛ إذ تخطط أدنوك لمضاعفة قدرتها على التقاط الكربون بمعدل 500% بحلول عام 2030 أي ما يصل إلى 5 ملايين طن سنويًا.
ما تم سرده ماهو إلا غيض من فيض مما قامت به دولة الإمارات وقيادتها الرشيدة في سبيل تنفيذ التزاماتها تجاه الحياد المناخي بحلول عام 2050.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة