قصة صعود أول سعودي لـ"ناسا".. يرويها صاحبها لـ"العين"
لم يدرس الهندسة في البداية ولغته الأجنبية كانت ضعيفة
بوابة "العين" الإخبارية حاورت أول مهندس سعودي ينضم لـ"ناسا" للحديث عن رحلته قبل الانضمام للوكالة الدولية
بنظارة طبية، ووجه يملؤه ابتسامة، متطلعاً إلى مستقبله الذي سعى كثيراً من أجله، استطاع المهندس السعودي مشعل بن سعيد بن زامل الشهراني أن ينضم مؤخراً إلى فريق الباحثين في إحدى مشاريع وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا"، ليكون بذلك أول مهندس سعودي ينضم للوكالة الدولية.
بوابة "العين" الإخبارية، حاورت الشاب الثلاثيني، الذي يعيش حالياً في ولاية كاليفورنيا الأمريكية، حيث سرد كيف سلك طريقاً صعباً، مواجهاً جملة من التحديات، بداية من المحطة الأولى التي شغلها في دراسته، ثم عدم قبوله في مجال الهندسة، مروراً بخيار ترك عمله في أكبر شركات النفط في الشرق الأوسط واتخاذه قرار السفر للخارج، قبل أن يواجه صعوبات من نوع آخر، من حيث الماديات وإتقان اللغة.
بداية صعبة
يقول مشعل الذي يدرس الهندسة الميكانيكية في جامعة سان هوزيه بكاليفورنيا، وتعد إحدى أقوى الجامعات في الهندسة، لبوابة "العين: كانت بداية صعبة لعدم وجود تعليم قوي في القرية التي نشأت فيها (العقيق) ولم أكن محظوظا أني أدرس في مدارس أهلية قوية لتقوية أساساتي التعليمية واللغوية، ولكن الحمد لله الأهل كانوا من أكثر الناس مشجعين لي في توفير مدرسين خصوصيين والحرص على التعليم.
يمضي المهندس السعودي، صاحب النبرة الهادئة التي تشي ببداياته الصعبة: بعد انتهائي من الثانوية كان السؤال الذي يلح علي كيف ستكون بداياتي إلى المستقبل، ولم يكن هناك أي توجيه أو مساعدة من الآخرين في كيفية بناء مستقبلي، وقد يكون هذا الشيء جميلاً بحيث إنه لم يكن فيه أي ضغوطات من الأهل أو الخارج للانخراط في مجال معين.. كان لي الحرية المطلقة للعمل في أي مجال.
مسار ليس إجباري
فكر مشعل في التقديم في المجال العسكري وحظي بالقبول لكنه لم يكن مرتاحاً، شأنه شأن مَن يتلمس الطريق لأول مرة، خاصة بعدما اكتشف أن مجال الإبداع في هذه الوظائف لم يكن مثلما يحلم، وهنا اتخذ قراره بالبحث عن جامعة لاستكمال دراسته وتم قبوله في جامعة الملك سعود بالرياض ولكن في مجال العلوم.
يقول مشعل عن هذا: معدلي في الثانوية كان يأهلني للهندسة لكن الجامعة اكتفت من عدد الطلاب في مجال الهندسة. بعد شهرين من دراستي الجامعية.. تركت الدراسة لأنها ليس بالتخصص الذي لطالما حلمت به، وبعدها التحقت بشركة أرامكو للعمل فيها عام 2006 لمدة 4 سنوات.. كانت فترة جميلة وطموحة لي أن أنضم لشركة قوية مثلها.
خارج السرب
لكن الشاب الطموح وجد نفسه يقارن بينه وبين الطلبة المهندسين العاملين في الشركة، من حيث المنصب والراتب، وفرصة حياتهم التي كانت أفضل منه، فندم على تكملة دراسته الجامعة الدراسية وفي نفس الوقت كان مستاء من مستوى التعليم وهو ما دفعه للدراسة خارج السعودية لكي يحصل على تعليم قوي وفرصة عادلة.
كان قرارًا يشبه التغريد خارج السرب، فمشعل الذي استطاع فيما بعد أن ينضم لوكالة ناسا، قرر ترك أكبر شركة نفطة في منطقة الشرق الأوسط، غير عابئ بالمعارضين لقراره، خاصة أنها فرصة لا تعوض، فكما يقول كان "مصراً في قراره وواثقاً أن مستقبله سيكون أجمل".
القرار الصائب.. قد يأتي متأخراً
وذهب مشعل لولاية ساوث كارولاينا في البداية لأنها ولاية ليست غنية كي يوازن مصاريفه ولا يفقد جميع مدخراته التي جمعها خلال العمل في شركة أرامكو، فيقول: أتذكر بداية حياتي الأولى في أمريكا.. كانت مره صعبة ولغتي كانت ضعيفة إن لم تكون معدومة.. لم يكن لي صديق ولا قريب في أمريكا.
يصمت شاردًا ثم يتابع، سكنت في (موتيل) لمدة أسبوعين من غير جوال أو أي نوع من المواصلات.. كانت فترة صعبة على لدرجة إني بدأت أفقد أعصابي وتوازني النفسي.. وطبعاً لعدم وجود مطبخ في الموتيل الذي كنت أعيش فيه وضعف لغتي الإنجليزية.. كنت أطلب بيتزا لمدة أسبوعين متكاملين عن طريق الإنترنت الموجود في الموتيل لكي أعيش وأقلل من مصاريفي.
ويصف مشعل الأيام بـأنها "كانت صعبة"، مفسراً الأمر، ثقافة المجتمع الأمريكي كانت صادمة لي، وأذكر الموظف الذي يوصل البيتزا كان مشمئزاً مني لأني لم أكن أعلم أنه يجب علي أنا أعطيه (بخشيش) أو (تيبس).. فكنت أشعر أن الشعب الأمريكي غير مرحب بالعرق الآخر.. لكن بعد شهور تمكنت من بناء علاقات من أخوة عرب ومسلمين، ولله الحمد استطعت الحصول على سكن والاستقرار.
وتتوالى الإضاءات
يبتسم مشعل وهو يتذكر هذه الأيام: بعد 5 أشهر من دراستي للغة الإنجليزية وبعد قبولي في بعثة خادم الحرمين الشريفين على عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز رحمة الله، عزمت على النقل إلى ولاية كاليفورنيا وبالتحديد في (وادي السليكون) لدراسة الهندسة في أفضل الجامعات الموجودة في أمريكا.. وتم قبولي في جامعة سان هوزيه الأمريكية في مجال الهندسة الميكانيكية.
الصعوبات مستمرة
يوضح مشعل كيف كانت الصعبات سمة رئيسية في كل خطوة نحو النجاح، فيقول: بداياتي في الجامعة كانت صعبة كما هي في اللغة والعيش في أمريكا.. أساساتي في الفيزياء والرياضيات والكيمياء كانت قوية باللغة العربية ولكن في اللغة الإنجليزية كانت ضعيفة، وكان على تعلمها من جديد باللغة الإنجليزية.. لكن بفضل الله تجاوزت هذه المراحل وتعلمت الكثير من خلال تواجدي هنا في الجامعة وأمريكا.
مشعل، الذي يدرس في عامه الأخير، استطاع أن يعمل في مشروع مع وكالة ناسا للفضاء، وهي الفرصة التي يسميها بالصعبة: كانت منافسة قوية وصعبة للفوز بهذه الفرصة، ولكن الملف الذي أرفقته أنا وفريق العمل معي كان قوي وفعال ويحل مشكلة ناسا التي كلفتهم ملايين الدولارات.
وبحسب مشعل، تقوم فكرة المشروع على فصل الجاذبية لفترة تفوق 21 يوم لكي يتمكن علماء ناسا والمهندسين من عمل دراسة علمية على كائنات وخلايا حية تحت تأثير انعدام الجاذبية.
وتبلغ مدة المشروع سنة واحدة، فيما تبقى من المشروع 6 أشهر، وهو ما يصفه مشعل "بالإنجاز"، متابعاً: حققنا نتائج أجمل بشكل كبير والحمد لله.
طموح لا ينتهي
طموح مشعل لا يقف عند هذا الحد، لكنه استطاع من خلال تواجده في الولايات المتحدة، أن يلاحظ أن تجهيز القهوة الأمريكية تستغرق الوقت الكثر لإنشائها وتستهلك مواد كثيرة تضر البيئة، ففكر في العمل على مشروع خاص يتضمن إنشاء جهاز قهوة ذكية تحافظ على تقليل وقت ومال المستهلك.
مشعل الذي أنشا مع اثنين من أصدقائه شركة للاستشارات الهندسية لاستثمار أحدث التكنولوجيا لحل مشكلات في الشرق الأوسط، قائلًا: رغم أن تركيزي الأهم هو إتقان وإنهاء مشروع ناسا أولاً قبل البدء في مشاريعي الخاصة، لكن هذا لم يمنعنا من الحصول على فرصة شراكة مع شركتين من أقوى الشركات في وادي السيليكون (المنطقة الجنوبية من سان فرانسيسكو بكاليفورنيا).
ومضات للنجاح
يوجه مشعل نصيحته للشباب: نصيحتي لجميع الشباب العرب المسلمين ألا ييأسوا من أحلامهم وطموحاتهم.. الطريق إلى النجاح سيكون صعباً وطويلاً ولكن ليس مستحيلاً.. وأنصح الشباب العربي أن يعملوا ويدرسوا الشيء الوحيد الذي يعجبهم فقط وليس العمل ودراسة ما يرغبه الأهل أو سوق العمل.
يتابع مشعل الذي يرى أن هذه النصائح هي التي دفعت به إلى أن يكون أول مهندس سعودي ينضم لوكالة ناسا: نصيحتي لكل شخص ادرس قرارتك من جميع النواحي، ولا تغفل أبعاد هذا القرار، ولا تهمل استشارة المختصين في مجالك كي تحصل على نصائح تفييدك بالتوازي مع عدم السماح للمشككين بأن يحبطوا من عزيمتك التي تبدأ من خطوة في طريق الألف ميل.