التجارة البينية الخليجية تسجل ذروة تاريخية.. نمو قياسي يعزز التكامل الاقتصادي
سجلت التجارة البينية بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية طفرة غير مسبوقة، مسجلة أعلى مستوياتها التاريخية منذ بدء رصد البيانات في 2017.
ويأتي هذا الإنجاز كنتيجة مباشرة للسياسات التكاملية التي تبنتها الدول الأعضاء منذ تأسيس المجلس، والتي هدفت إلى تعزيز التبادل التجاري، وتسهيل حركة السلع والخدمات، وتعظيم الاستفادة من الموارد والإمكانات الاقتصادية المتاحة داخل المنطقة، بما يسهم في تحقيق نمو مستدام ومتوازن بين الدول الأعضاء.
وقد برزت هذه القفزة في التجارة البينية مع تنويع الصادرات وزيادة حجم السلع المعاد تصديرها، ما يعكس فاعلية المشاريع المشتركة والتكامل الاقتصادي الإقليمي على أرض الواقع.
وفي إطار تعزيز هذا التوجه الاقتصادي المتقدم، تستضيف مملكة البحرين في الثالث من ديسمبر/كانون الأول القمة الخليجية السادسة والأربعين لقادة دول المجلس، لتكون منصة للتشاور وتبادل الخبرات ووضع سياسات مشتركة تعزز التكامل الإقليمي.

وتعكس القمة عمق العلاقات الأخوية بين الدول الأعضاء، كما توفر فرصة لمراجعة الإنجازات الاقتصادية ومتابعة مشاريع التنمية المشتركة، بما يدعم مسيرة التكامل ويعزز استقرار الأسواق ورفاهية المواطنين، ويؤكد التزام قادة المجلس برؤية مشتركة نحو بناء مستقبل اقتصادي متين ومستدام.
ووفقا لأحدث إحصاءات المركز الإحصائي لدول مجلس التعاون والتي نقلتها وكالة الأنباء السعودية "واس"، بلغ حجم التجارة السلعية البينية نحو 146 مليار دولار في 2024، مسجلا نموا بنسبة 9.8% مقارنة بـ133 مليار دولار في 2023.
وقد أسهم هذا النمو في تعزيز قدرة الدول الأعضاء على استيعاب احتياجات اقتصاداتها المختلفة، وزيادة حجم الإنتاج الوطني، مع تنويع السلع والبضائع المتبادلة بين الدول.
وعكست هذه الأرقام تطورا ملموسا في الصادرات غير النفطية البينية، التي ارتفعت بنسبة 3.7% لتصل إلى نحو 45 مليار دولار مقابل 43 مليار دولار في 2023، إضافة إلى زيادة صادرات النفط والغاز بنسبة 1.5% لتبلغ 33 مليار دولار مقارنة بـ32.7 مليار دولار في العام السابق.
وشهدت التجارة البينية في قطاع إعادة التصدير نموا لافتا بنسبة 19.1%، لترتفع من 57 مليار دولار في 2023 إلى نحو 68 مليار دولار في 2024، وهو ما أسهم بشكل رئيسي في دفع حجم التجارة البينية إلى مستوى قياسي.
وتشير البيانات إلى أن التجارة البينية شهدت منذ 2017 نموا مستمرا، حيث تراوح حجمها بين 78 مليار دولار في 2017، قبل أن تتراجع مؤقتا بنسبة 12.7% في 2020 نتيجة تأثيرات جائحة كوفيد-19، لتعاود بعدها الارتفاع وصولا إلى الرقم القياسي في 2024.
وعلى مستوى مساهمة الدول الأعضاء في التجارة البينية، جاءت الإمارات العربية المتحدة في المرتبة الأولى بمساهمة بلغت نحو 69.9 مليار دولار، ما يعادل 47.9% من إجمالي التجارة البينية لدول المجلس، مقارنة بـ66.5 مليار دولار في 2023، مسجلة نموا بنسبة 5.1%.
أما المملكة العربية السعودية فحلت في المرتبة الثانية بقيمة 40.7 مليار دولار، أي 27.9% من الإجمالي، مقارنة بـ34.7 مليار دولار في 2023، محققة نموا نسبته 17.2%.
ويعكس هذا التفاوت في النمو التوسع الكبير في النشاط الصناعي والخدمي بين الدولتين، ونجاحهما في استقطاب الاستثمارات البينية وتعزيز قدراتهما التصديرية.
وجاءت دولة الكويت ودولة قطر في المرتبة الثالثة والرابعة على التوالي، بمساهمة متساوية بلغت 10.2 مليار دولار لكل منهما، أي 7% من إجمالي التجارة البينية لكل دولة، مقابل 6.2 مليار دولار للكويت و7.4 مليار دولار لقطر في 2023، مسجلتين نموا استثنائيا نسبته 64.5% للكويت و37.8% لقطر، ما يعكس تحسنا كبيرا في المشاريع المشتركة بين هذه الدول واستغلالها للفرص الاقتصادية البينية، بما في ذلك تطوير البنية التحتية للطرق والموانئ والمطارات، وتيسير حركة البضائع.
وحلت سلطنة عمان في المرتبة الخامسة بقيمة 7.9 مليار دولار، أي 5.4% من إجمالي التجارة البينية، مقارنة بـ8.3 مليار دولار في 2023، بينما جاءت مملكة البحرين في المرتبة السادسة بقيمة 7.1 مليار دولار، أي 4.9% من الإجمالي، مقارنة بـ9.9 مليار دولار في العام السابق.
ويظهر من هذه الأرقام أن الإمارات والسعودية تشكلان معا نحو 75.8% من إجمالي التجارة البينية لدول المجلس، وهو مؤشر واضح على تركيز النشاط التجاري بين الدولتين باعتبارهما المحركين الرئيسيين للتجارة البينية، فيما تسعى باقي الدول إلى تعزيز مساهمتها تدريجيا عبر مشاريع مشتركة في الطاقة واللوجستيات والصناعة، بما يسهم في تنويع الاقتصاد الخليجي وزيادة القدرة التنافسية لدول المجلس على الصعيد الإقليمي.
وعلى مستوى القطاعات، ساهمت المشاريع الصناعية والخدمية في زيادة التجارة البينية، خاصة في مجالات الطاقة، البتروكيماويات، النقل والخدمات اللوجستية، والمنتجات الاستهلاكية، مع استحداث مشاريع جديدة تعزز إعادة التصدير وتسريع حركة البضائع بين دول المجلس.
وتمثل شبكة الصرف الآلي الخليجية (GCCNET) أحد الإنجازات المهمة في تسهيل حركة رؤوس الأموال والتبادل التجاري بين الدول، إلى جانب تعزيز الربط الكهربائي والمائي لدعم الإنتاج الصناعي والتصنيع المحلي.
كما ساهمت الاتفاقيات الموحدة في القطاع الجمركي والأسواق المالية في تعزيز التجارة البينية، حيث أتاح الاتحاد الجمركي لدول المجلس بدءا من يناير/كانون الثاني 2003 تنفيذ نظام جمركي موحد، وتسهيل حركة السلع والبضائع، ودعم التجارة بين الدول الأعضاء، مع وجود تعرفة موحدة تجاه التجارة البينية، مما جعل الأسواق الخليجية أكثر تكاملا واستقرارا.
وتؤكد البيانات التاريخية أن حجم التجارة البينية بين الدول الأعضاء شهد نموا مستمرا منذ تأسيس المجلس، مع بعض التراجع المؤقت في عام 2020، قبل أن يعود للارتفاع السريع نتيجة التركيز على المشاريع المشتركة والقطاعات غير النفطية، والاستثمار في البنية التحتية الذكية، بما في ذلك الربط الرقمي للحكومات والهوية الموحدة، ودمج التكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعي لتعزيز العمليات التجارية بين الدول الأعضاء.
وتبرز الأرقام أهمية التعاون الخليجي في تحسين كفاءة العمليات اللوجستية والبنية التحتية للنقل والموانئ والمطارات، مع التركيز على النقل البري والبحري والجوي، ما أسهم في رفع جاهزية الأسواق الخليجية واستدامة حركة السلع، وتقليل أوقات التوصيل والتكاليف التشغيلية، وهو ما انعكس مباشرة على نمو التجارة البينية بين الدول.
وتأتي هذه الإنجازات في إطار رؤية مشتركة لدول المجلس لتعزيز التكامل الاقتصادي، حيث يعمل القادة على استكشاف فرص جديدة للتعاون بين الدول الأعضاء في قطاعات متعددة، بما يشمل الصناعة، الخدمات اللوجستية، الطاقة المتجددة، التقنية الرقمية، والتجارة البينية، لتصبح هذه التجارة حجر الزاوية في تعزيز الاقتصاد الخليجي الموحد، وتحقيق الاستفادة القصوى من الموارد والإمكانات المتاحة بين الدول الأعضاء.
كما تسعى دول المجلس إلى تعزيز مساهمة المشاريع الصغيرة والمتوسطة في التجارة البينية، من خلال تسهيل الوصول إلى الأسواق الإقليمية، وتقديم حوافز للاستثمار البيني، وتطوير برامج دعم تمويلية وتشريعات موحدة تشجع رواد الأعمال والمستثمرين على استثمار الفرص التجارية بين الدول، بما يسهم في رفع مستوى النمو الاقتصادي وتحقيق التوازن بين الدول الأعضاء.
وتشير التقديرات المستقبلية إلى استمرار نمو التجارة البينية خلال الأعوام المقبلة، مع توقعات بأن تسهم الاستثمارات المشتركة في تعزيز القدرة الإنتاجية للصناعات المختلفة، وتوسيع نطاق إعادة التصدير، ورفع قيمة الصادرات الوطنية غير النفطية، ما سيعزز مكانة مجلس التعاون ككتلة اقتصادية متماسكة وقادرة على المنافسة، ويؤكد أن التجارة البينية أصبحت ركيزة استراتيجية لتحقيق التنمية المستدامة والازدهار الاقتصادي المشترك بين الدول الأعضاء.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTE5IA== جزيرة ام اند امز