تحقيقات واتهامات بالإرهاب.. الإخوان في مرمى العاصفة بتركيا
بعد أيام من اجتماع أمني بين القاهرة وأنقرة شنّت المخابرات التركية حملة تحقيقات موسعة مع عناصر من تنظيم الإخوان على أراضيها، ما يعكس أن تصريح نائب وزير الثقافة سردار جام ضد الجماعة الإرهابية وعلاقاتها بالتنظيمات المتطرفة لم يكن من فراغ.
ووفق مصادر لـ"العين الإخبارية" فإن تحقيقات مكثفة تجري مع عدد من عناصر الإخوان الإرهابية في تركيا تدور حول مدى تورطهم في عمليات إرهابية في مصر وكيفية التخطيط لها من خارج البلاد، وكذلك تورطهم في نقل مقاتلين لسوريا وليبيا.
وأوضحت المصادر أن التحقيقات جاءت "بعد وصول معلومات عن قيام بعض عناصر الإخوان بتنفيذ عمليات إرهابية بالتعاون مع تنظيم داعش الإرهابي في سوريا، وتورط قيادات إخوانية في عمليات غسل أموال، مستغلين جمعيات إخوانية ذات واجهة اجتماعية وإغاثية في تلك العمليات المشبوهة، إضافة لتجسسهم على الجاليات العربية المقيمة بتركيا بغرض تجنيد أفرادها لصالح التنظيم".
كما شملت تحقيقات الاستخبارات التركية "مصادر الدعم المالي الذي قدمه الإخوان لأسر داعشية وطبيعة التواصل، ومبررات هذه العلاقة التنظيمية".
الحملة التركية ضد الإخوان فسرها خبراء بتحول كبير يشي بانتهاء دعم أنقرة للجماعة الإرهابية، وأن ثمة خطوطا حمراء على قيادات التنظيم عدم تخطيها إذا أرادوا البقاء في تركيا.
تصحيح المسار
وحول الخطوات التركية، قال الكاتب والباحث في الجماعات الإسلامية أحمد سلطان إن الانقلاب الأمني للسلطات التركية على الإخوان هو الخطوة الأولى الصحيحة لتعديل مسار علاقة الدولة التركية بالجماعة الإرهابية.
وأضاف سلطان، في تصريح لـ"العين الإخبارية"، أن الجانب التركي حريص على إعادة العلاقات مع مصر وتسوية كل الملفات العالقة بينهما، ومنها ملف العلاقات التركية الإخوانية، لافتا إلى أن التحقيقات مع العناصر الإخوانية جاءت عقب اللقاءات مع مصر التي شملت قيادات أمنية من الجانبين.
وأشار إلى أنه من المرجح أن الجانب المصري قدم خلال اللقاءات معلومات عن تحركات الإخوان في تركيا يجهلها الأتراك أنفسهم"، ومنها التورط في عمليات إرهابية مع داعش، وتسهيل انضمام أعضائها بالتنظيمات الإرهابية بسوريا، إضافة لقيام بعض قادة الإخوان بعمليات غسل أموال تمت من خلال مؤسسات وجمعيات تتبعهم في تركيا.
وأوضح أنه أمام الجانب التركي العديد من الإجراءات لقطع العلاقة مع الجماعة، ورفع غطاء الحماية الذي توفره الدولة التركية وحزب العدالة والتنمية للإخوان.
ورجح سلطان أن "ملف علاقة الإخوان بتركيا سيشهد تغيرات شديدة عقب تلك التحقيقات التي قد تضع بعض السياسيين الأتراك المؤيدين للإخوان في حرج شديد، نظرًا للتسهيلات التي قدمت للجماعة من قبلهم، أكثرها أهمية ملف المطلوبين، ثم ملف التمويل وأخيرا الملف الإعلامي ومنع المنصات الدعاية ضد مصر من أراضيها".
إثبات حسن النوايا مع مصر
من جانبه، اعتبر الباحث في السياسة الدولية مصطفى صلاح أن تركيا تحاول تعديل وجهة النظر المصرية الخاصة بعلاقتها مع جماعة الإخوان الإرهابية، وهذا التغير في التعامل يتسق مع تلك السياسة التركية الجديدة.
وأضاف صلاح، في تصريح لـ"العين الإخبارية"، أن ملف الإخوان المقيمين بتركيا أحد الموضوعات المطروحة والتي كانت محل مباحثات بين الجانبين، وأن اللقاء الذي تم بين الرئيس المصري ونظيره التركي في قطر على هامش افتتاح المونديال كان تتويجا لتلك المباحثات، كما ساهم في التسريع بوتيرة الإجراءات الأمنية ضد أنشطة الجماعة في تركيا، التي تحاول أنقرة من خلالها إثبات حسن نواياها بالنسبة لإمكانية التقارب مع مصر.
إلا أن الباحث في العلاقات الدولية شكك في الاعتماد على مثل هذه الخطوات فقط لرفع مستوى التمثيل بين الجانبين، موضحا أن "القاهرة لديها مخاوف بشأن تعامل تركيا مع الملفات ذات الصلة بالمصالح المصرية باعتبار أن أنقرة تتخذ قرارات ونقيضها، وبالتالي تبحث القاهرة عن ضمانات سياسية وأمنية تحول دون رجوع تركيا مجددا إلى سياساتها السابقة".
خطوات تركية مرتقبة
وحول ما إذا كانت تركيا ستغلق ملف الإخوان نهائيا وتقوم بطرد قادة الجماعة من أراضيها، أكد صلاح أن أنقرة لن تقدم على تلك الخطوة الحادة في الوقت الحالي، بل ستكتفي بطرد المتهمين بالتعاون مع داعش وستسلم بعض المدانين نهائيًا في قضايا إرهابية وقعت في مصر، وستغلق المؤسسات والجمعيات التي استغلها الإخوان في غسل الأموال إذا ثبت أن تلك الجريمة وقعت أثناء إقامتهم على الأراضي التركية.
خائنون لكل الأوطان
بدوره، لم يستغرب القيادي السابق في جماعة الإخوان إبراهيم ربيع رد فعل السلطات الأمنية تجاه عناصر الإخوان، فهم "جماعة من الخائنين لوطنهم الأصلي فلا تتوقع أن ينتموا لوطنهم البديل".
وأضاف ربيع، في تصريح لـ"العين الإخبارية"، أن طبيعة التكوين النفسي والفكري لعناصر الجماعة لا تجعلهم يحترمون قوانين ولوائح أي بلد يقيمون فيه، مؤكدا أنه لا شك لديه بأن الجماعة خانت وعودها للقيادة التركية بعدم التعاون مع داعش، وعدم إدارة عمليات إرهابية انطلاقا من تركيا، أو عدم توريط المؤسسات التركية في أي عمليات غسل أموال.
وأوضح أن "ما نقل عن قيام الجماعة بجمع تبرعات وإنشاء صناديق وجمعيات تابعة لها مهمتها تقديم المساعدة لأسر تابعة لتنظيم داعش أمر متوقع، فعقيدة العنصر الإخواني تميل دائما للانتماء لمن هم معه فكريًا وداعش هي التطبيق العملي لأفكار حسن البنا".
وأشار إلى أن الإخوان تميل دائما إلى خرق أي اتفاق والتعاون مع الجميع وخيانة الجميع، وأن ما يشاع حول قيام التنظيم الإرهابي بإخراج كميات كبيرة من الأموال إلى بنوك في لندن وأمريكا خلال الشهور الماضية، به قدر من المصداقية على وجه الخصوص أن هذه الأموال غير معلومة المصدر، وأنها تأتي بعد عمليات تصفية لعدد من مشاريعه وأعمال بعض رجال الأعمال المحسوبين على الجماعة.
وحول قيام الإخوان بالتجسس على آخرين مقيمين بتركيا، أكد ربيع أنه لا عجب من ذلك، فالإخوان تستخدم التجسس وسيلة لجمع المعلومات حول ما يمكن أن يفيد التنظيم هناك، سواء باستغلال كنقاط ضعف أو عبر تجنيد أعضاء جدد بالتنظيم، لافتا إلى أن التحقيقات التي تقوم بها المخابرات التركية ستكشف لأنقرة فداحة الرهان على الإخوان وخسارة دول عربية مقابل جماعة إرهابية لا لواء لها ولا انتماء.
فيما اعتبر الباحث في الحركات الإسلامية والقيادي السابق في الجماعة طارق البشبيشي أن تسارع الأخبار عن تحول العلاقة بين تركيا والإخوان يؤكد أننا أمام منعطف جديد يشهد أفول نجم الإخوان.
وأضاف البشبيشي، في تصريح لـ"العين الإخبارية"، أن التصريحات السابقة لنائب وزير الثقافة لو أضفناها إلى تصريحات أردوغان حول رغبته في استكمال تطبيع العلاقات مع مصر مع أخبار تحقيقات شملت عناصر قد تكون تابعة لجبهة المكتب العام "الكماليون"، كل هذا لا يعني أنه خطاب للخارج العربي يصب نحو استكمال العلاقة مع مصر، قدر ما هو خطاب للداخل التركي يحاول فيه أردوغان التنصل من تهمة التعاون مع التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها الإخوان، وعلى وجه الخصوص أنه مقبل على انتخابات تنافسية شديدة تدل بعض التقديرات على تدني شعبيته، فهو يحاول تحسين صورته بالتنصل من الإخوان.
وتساءل البشبيشي حول "إذا كانت الدولة التركية جادة في إعادة التطبيع مع مصر، فلماذا التلكؤ في تسليم كل المطلوبين فورا؟ ولماذا لم يوقف بث القنوات الفضائية التي تهاجم مصر؟".
وخلال الشهور الثلاثة الماضية، أبعدت تركيا عددا من عناصر الإخوان خارج البلاد لعلاقتهم بتنظيمات مسلحة وجمع تبرعات لأسر عناصر شديدة الخطورة قامت بعمليات إرهابية ضد مصر.
وكشفت التحقيقات عن تورط عناصر من الإخوان في تركيا في تسهيل انضمام شباب تابعين للإخوان وأسرهم إلى تنظيمات إرهابية، وقامت أجهزة الأمن التركية عقب التحقيقات بإغلاق جمعيات تابعة للإخوان خاصة بأعمال الإغاثة بسوريا واليمن لتورطها في دعم عناصر إرهابية وليست للأعمال الخيرية.