تحقيقات "مرفأ بيروت".. هل كشفت ترهل قضاء لبنان؟
إشكالية كبيرة وترهل في القانون والنظام القضائي اللبناني كشفها مسار قضية انفجار مرفأ بيروت.
إشكالية فضحتها للعيان، طلبات الرد أو التنحي أو ما يسمى بـ"كف اليد" التي تم رفعها في وجه المحقق العدلي في القضية القاضي طارق البيطار.
ورغم أن تلك الإجراءات وطلبات الرد، لم تؤت ثمارها إلى الآن، بإزاحة "البيطار" عن نظر القضية، لكن بإمكانها توقيف التحقيق وعرقلته لمدة طويلة، خاصة أن غالبية المحاكم اللبنانية التى تنظر طلبات رد القاضي لم يحدد لها القانون أي مدة لاتخاذ قرار الرد أو التنحي ما يجعل الأمر برمته يعود لتقدير قضاة تلك المحاكم.
والثلاثاء أبلغ المحقق العدلي طارق البيطار طلبا جديدا بردّه عن التحقيق مقدّماً من المدّعى عليهما النائبين علي حسن خليل وغازي زعيتر، ما يؤدي إلى تعليق التحقيق مؤقتا وتأجيل جلسة التحقيق مع زعيتر و النائب نهاد المشنوق إلى حين صدور قرار محكمة التمييز المدنية برئاسة القاضي ناجي عيد.
وطلب الرد هذا هو الثالث الذي يتقدم به الثنائي من "حركة أمل" بعد أن رفضت محكمة استئناف بيروت (القضاة نسيب إيليا، روزين حجيلي ومريام شمس الدين) ومحكمة التمييز المدنية (القضاة جانيت حنا، نويل كرباج وجوزيف عجاقه) طلبيهما السابقين لعدم الاختصاص كون المحقق العدلي طارق البيطار لا يتبع إدارياً أيّ منهما.
إلّا أنهما أصرّا على التعسّف مجدداً في استخدام حقوق الدفاع في محاولة واضحة لتعليق التحقيق خلال فترة سقوط حصانتهما النيابية.
وفيما اتجهت غرفة التمييز المدنية برئاسة القاضية جانيت حنا إلى ردّ الطلب السابق تلقائياً من دون إبلاغ القاضي البيطار حمايةً منها لحسن سير العدالة، ذهبت الغرفة برئاسة القاضي عيد في اتّجاه معاكس أدّى عملياً إلى تعليق التحقيق.
ذلك المسار القضائي المتعرج للتحقيقات، جاء وسط ضغوط سياسية تمارسها مليشيات حزب الله وحلفيها "حركة أمل" بالدعوة إلى احتجاجات سياسية في الشارع ومحاولة تعطيل مسار الحكومة اللبنانية للضغط على القاضي.
وبموازاة ذلك يسعى النواب المتهمون ومن خلفهم "حزب الله" إلى استنفاد جميع الطرق القانونية وتعطيل التحقيق حتى 19 أكتوبر/تشرين الثاني، وهو موعد الفصل التشريعي لمجلس النواب اللبناني، ما يعيد حصانتهم البرلمانية ويصبح من المستحيل التحقيق معهم أو توقيفهم.
وفي هذا الإطار قال رئيس مؤسسة "جوستيسيا الحقوقية" الخبير القانوني بول مرقص، إن "النظام القانوني في لبنان وتحديدا نصوص قوانين أصول المحاكمات المدنية والجزائية والتي تعني بأعمال التحقيق أثبتت أنها لا تتماشى حجم وهول جريمة بمستوى جريمة مرفأ بيروت كي تعامل كما تعامل به الجرائم الفردية العادية، وتنطبق عليها من أحكام تعني هذه الجرائم".
وأضاف في حديث لـ"العين الإخبارية" أنه "كان يجدر بالمشرع اللبناني طوال العقود الماضية أن ينكب على محاولة ملاءمة هذه التشريعات مع جرائم ذات طابع سياسي أو جرائم كبرى كالتي تناولت مدينة بيروت عبر تفجير المرفأ".
وتابع: "لذلك فإن وكلاء الدفاع باستعمالهم حقوق الدفاع المقدسة والمشروعة إنما يتوخون نصوصاً أضحت تستعمل كأداة لعرقلة سير العدالة في ملفات كبرى بهذا الحجم، رغم أنها تتناسب مع الدعاوى الفردية والأساسية".
وأردف، أن "الأمر يقتضي تعديل النظام القانوني والقضائي بعد هذه التجربة المريرة"، متسائلا كيف تستخدم هذه النصوص لتأخير أو عرقلة أعمال التحقيق؟.
ورأى مرقص أن "التعديلات المرجوة يجب أن تصب على جعل الأسباب التي تؤول لرد القاضي أو نقل الدعوى من يده لدعوى الارتياب المشروع مؤتلفة مع طبيعة الجريمة عندما تكون جريمة كبرى تهز المجتمع بأن لا تتوقف عند اعتبارات ضيقة كالمودة والعداوة والمخاصمة والمداينة وغيرها من الاعتبارات الصغرى".
وأضاف:"أكثر تحديداً لو افترضنا أن القاضي المعني قاطن في بيروت ومقترن بأواصر تشده إلى المدينة ووقع انفجار كالذي حدث في المرفأ وضرب المدينة بأسرها بشراً وعمراناً فهل يمكن الحديث عن أصوله وروابطه بالمدينة كي تكف يده؟. فأي قاض ليس معنياً لما حصل بالمرفأ على سبيل المثال؟.
وسبق ذلك أن أصدر البيطار مذكرة توقيف بحق النائب علي حسن خليل، بعد عدم مثول الأخير أمامه، في إطار التحقيق في تفجير المرفأ.
وطلب البيطار سابقا استجواب النائب خليل، وهو عضو كتلة حركة "أمل" التي يتزعمها رئيس البرلمان نبيه بري، والمساعد السياسي للأخير، وأبرز حلفاء "حزب الله".
وإضافة إلى خليل طلب المحقق العدلي استجواب النائبين غازي زعيتر ونهاد المشنوق، غدا الأربعاء، إلا أن النواب ألمحوا إلى عدم الحضور والتمرد على قرار القاضي.
ومنذ الأسبوع الماضي يجهد النواب الثلاثة بالتنقل من محكمة إلى أخرى لتقديم دعاوى بكف يد البيطار عن القضية.
ويسعى النواب الثلاثة إلى توقيف التحقيق حتى تاريخ 19 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، وهو موعد بدء الدورة التشريعية للبرلمان، وهو ما سيعيد لهم حصاناتهم النيابية.
وحين انطلاق الدورة الجديدة، يصبح متعذراً على القاضي استجواب أعضاء البرلمان، من دون رفع الحصانات.
وهذه هي المرة الثانية التي يتعرض فيها القاضي البيطار لدعوى كف يد، حيث رفضت محكمة الاستئناف في بيروت برئاسة القاضي نسيب إيليا طلبا مماثلا بداية الشهر الماضي.
وبعد أكثر من عام على التفجير الذي دمّر العاصمة بيروت وأدى إلى سقوط آلاف الجرحى وأكثر من 200 قتيل، لم تصل التحقيقات إلى نتيجة حاسمة، فيما يرفض معظم المسؤولين رفع الحصانات عن النواب والوزراء للمثول أمام القضاء.