التضخم يعود.. قلق بين المستثمرين والبنوك المركزية من سيناريو «الركود الحاد»

قفزت معدلات التضخم في الدول المتقدمة إلى ذروتها في عام 2022، قبل أن تتراجع منذ ذلك الحين بثبات حتى الربع الثالث من 2024، لكن يبدو أن هذا الاتجاه التنازلي بدأ في الانعكاس.
ووفقا لتقرير نشرته مجلة الإيكونوميست، فإنه بين سبتمبر/أيلول وديسمبر/كانون الأول، ارتفع التضخم في الدول المتقدمة من 2.1% إلى 2.5%. وفي بريطانيا، بلغ معدل التضخم في يناير/كانون الثاني 3% مرتفعًا من أدنى مستوى له مؤخرًا عند 1.7% وفي بولندا، ارتفع التضخم من 4.7% في ديسمبر/ كانون الأول إلى 5.3% في يناير/كانون الثاني.
وفي ألمانيا، انخفض التضخم بشكل طفيف إلى 2.3%، لكنه ظل أعلى من 1.6% التي سُجلت الصيف الماضي. وفي الولايات المتحدة، ارتفع التضخم إلى 3% على أساس سنوي، مرتفعا من أدنى مستوى له عند 2.4%.
وأثار هذا الاتجاه مخاوف بشأن ما إذا كانت البنوك المركزية قد خفضت أسعار الفائدة في وقت مبكر جدًا، خاصة أن النمو الاقتصادي لم يتباطأ بشكل كبير.
ويخشى بعض الاقتصاديين أن يكون صانعو السياسات يكررون أخطاء السبعينيات، عندما تم تقليل التضخم بشكل أولي لكنه لم يُقضَ عليه تمامًا.
وفي الولايات المتحدة، انخفض التضخم من 12% في عام 1974 إلى 5% في عام 1976، لكنه قفز مرة أخرى إلى 15% بحلول عام 1980. وأدت هذه الاستجابة غير الحاسمة إلى استمرار الضغوط التضخمية، وفي النهاية، لم يتم السيطرة على التضخم إلا من خلال ركود حاد في أوائل الثمانينيات.
هل يشعر المستثمرون بالقلق؟
ولا يزال المستثمرون غير متأكدين من المسار المستقبلي للتضخم. وتشير توقعات السوق إلى أن الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي سيواصل تبني سياسة نقدية أكثر تساهلًا، وكما هو معتاد، تميل البنوك المركزية الأخرى إلى اتباع قيادته.
وفي الأسابيع الأخيرة، انخفضت عوائد السندات الحكومية، مما قد يشير إلى تراجع المخاوف بشأن التضخم. ومع ذلك، يُظهر نموذج من فرع كليفلاند للاحتياطي الفيدرالي أن توقعات السوق للتضخم خلال العام المقبل ارتفعت من 2.2% في سبتمبر/أيلول إلى 2.7% اليوم.
ويعكس الجدل حول مسار التضخم خلافات فكرية أعمق ويرى بعض الخبراء أن الارتفاع الأخير مجرد وهم إحصائي، إذ يتم تعديل البيانات وفقًا للعوامل الموسمية مثل ارتفاع الأسعار بعد العطلات في يناير/كانون الثاني.
ويعتقد محللو بنك "مورغان ستانلي" أن حرائق الغابات الأخيرة في كاليفورنيا قد دفعت أسعار السلع في الولايات المتحدة مؤقتًا إلى الارتفاع.
وفي يناير/كانون الثاني، ارتفعت أسعار المواد الغذائية في عدة دول، مثل بلجيكا والنرويج، ربما بسبب المخاوف من حرب تجارية. وعادة ما تتجاهل البنوك المركزية هذه التقلبات قصيرة الأجل عند وضع سياساتها النقدية.
علامات على استمرار التضخم
ولكن حتى بعد التعديلات الموسمية، لا يزال التضخم السنوي في ارتفاع. وعلاوة على ذلك، لا تزال أسواق العمل في العالم المتقدم تعاني من شح العمالة. ومع تنافس الشركات على العمال، ترتفع الأجور بأكثر من 4% سنويًا في أكبر الاقتصادات.
ولكن نظرًا لضعف نمو الإنتاجية، لا تستطيع الشركات تعويض تكاليف الأجور المرتفعة إلا من خلال زيادة الأسعار على المستهلكين.
ويظهر هذا التأثير بوضوح في قطاع الخدمات حيث ارتفع معدل التضخم في القطاع إلى 4% سنويًا في أكبر الاقتصادات، أي ضعف المعدل المسجل قبل الجائحة.
ومن بين 18 دولة متقدمة أبلغت عن بيانات تضخم الخدمات لشهر يناير/كانون الثاني، شهد 14 منها ارتفاعًا. ففي البرتغال، ارتفع المعدل بنسبة نقطة مئوية كاملة، بينما قفز في إستونيا بمقدار 3.7 نقطة.
وبينما تمتلك البنوك المركزية الأدوات اللازمة للسيطرة على التضخم، قد يكون السياسيون هم من يزيدون الأمور سوءًا.
خطط ترامب
وفي الولايات المتحدة، يخطط دونالد ترامب لترحيل ملايين العمال غير الموثقين ورفع الحواجز الجمركية، مما قد يؤدي إلى ارتفاع الأجور وأسعار الواردات، وبالتالي تعزيز التضخم.
وفي دول أخرى، تتبنى الحكومات سياسات اقتصادية قد تؤدي إلى زيادة الضغوط التضخمية، حيث إن حوالي 40% من حكومات الدول المتقدمة تقدم حوافز مالية هذا العام، من خلال تخفيضات ضريبية أو زيادة الإنفاق العام.
وهناك إشارات مقلقة أخرى. فقد تضاعف الاهتمام بموضوع التضخم على محركات البحث مثل "غوغل" مقارنة بمستويات ما قبل 2021، مما يعكس قلق المستهلكين.
وفي ديسمبر/كانون الأول، كان معدل التضخم الرسمي في الاتحاد الأوروبي أقل من 3%، لكن المواطنين توقعوا ارتفاع الأسعار بنسبة 10% خلال العام المقبل، وهو أعلى بكثير من توقعاتهم خلال العقد الماضي.
ويوجد نفس الفجوة بين الواقع والتوقعات في الولايات المتحدة وكندا، حيث يتوقع الكنديون تضخمًا بنسبة 3% على الرغم من بقاء المعدل الفعلي عند 2% منذ أغسطس/آب.
وقبل بضعة أشهر فقط، كانت البنوك المركزية تحتفل بنجاحها في خفض التضخم بسرعة. لكن يبدو أن التضخم أكثر عنادًا مما كان متوقعًا.
aXA6IDMuMTI5LjI0OS42MSA= جزيرة ام اند امز