40 عاما من الديكتاتورية.. إيران بين "مخالب" المتشددين
انتخابات صورية تجريها إيران منذ أكثر من 40 عاما لتنصيب رئيس يكفي أن يباركه المرشد، ليقتطع تذكرة حكم شكلي تحت إشرافه.
4 عقود انقضت مذ وقعت إيران تحت براثن المتشددين بفرض ولاية الفقيه، ما يعني أن منصب الرئيس يقع تحت نفوذ المرشد، ويفسر بالتالي النهايات الأليمة والغامضة لبعض من "تمردوا" على الأخير، سواء بالموت أو المنفى.
وغدا الجمعة، تستعد إيران لخوض انتخابات رئاسية يتوقع أن تعيد المتشددين إلى قصر الرئاسة، وسط تكهنات بفوز مرشح التيار والمقرب من المرشد إبراهيم رئيسي.
فيما يلي، تستعرض "العين الإخبارية" مسار الانتخابات الرئاسية في إيران منذ الإطاحة بنظام الشاه محمد رضا بهلوي في عام 1979:
الهروب إلى المنفى
بعد الإطاحة بنظام الشاه بهلوي على يد رجل الدين الإيراني الراحل روح الله الخميني في العام المذكور، شهدت إيران إقامة أول انتخابات رئاسية أواخر يناير/كانون الثاني لعام 1980، وحينها، لم تكن هناك اتجاهات سياسية مختلفة في البلاد، أي لا وجود لتيار يُعرف بـ"الإصلاحيين" أو "المعتدلين"، بل كان المهيمن هو الخط الأصولي المتشدد.
وفي تلك الانتخابات بلغ عدد المرشحين للانتخابات الرئاسية 124 شخصاً، سُمح لـ96 بالمنافسة، وفي نهاية المطاف انسحب البعض وبقي ثمانية مرشحين، ولم يكن في تلك الحقبة قد تم تشكيل مجلس صيانة الدستور الذي يتولى اليوم تزكية المرشحين.
وقال مؤسس النظام حينها إنه "لن يتدخل في هذه الانتخابات"، لكنه في 19 يناير/ كانون الثاني 1980، أي قبل أسبوع على إجراء الانتخابات، تدخل بعض المقربين من الخميني لاستبعاد المرشحين الذين لم يصوتوا لصالح "دستور الجمهورية الإسلامية"، معتبرين أنه لا يمكن لمن لم يصوت أن يصبح رئيساً.
وبعد هذه الرسالة، سحب زعيم منظمة مجاهدي خلق الإيرانية المعارضة اليوم، مسعود رجوي، ترشحه وهو الذي كان من أشد المؤيدين للثورة والذين رفعوا السلاح بوجه نظام الشاه محمد رضا بهلوي.
وفاز في تلك الانتخابات الرئاسية المرشح أبوالحسن بني صدر (قومي) بحصوله على تأييد قرابة 10 ملايين و700 ألف ناخب إيراني، لكن اللافت هو أنه عقب فترة وجيزة، نجا من حادث تصادم بين مروحيتين بالقرب من الحدود الإيرانية العراقية.
ولاحقا، بدأت الخلافات بين رجال الدين المتشددين وأبو الحسن بني صدر، ما دفع الخميني إلى اتهامه بضعف الأداء في قيادة القوات الإيرانية بالحرب مع العراق، وتم عزله في 10 يونيو/ حزيران 1981 من موقع مسؤوليته بسبب معارضته لاستمرار الحرب.
ووجه البرلمان الإيراني اتهامات للرئيس المعزول بني صدر بأنه يتحرك ضد رجال الدين ويستهدف شخصياً رئيس السلطة القضائية محمد بهشتي الذي جرى اغتياله في هجوم بالعاصمة طهران عام 1981.
وبعد اختفائه عن الأنظار، اضطر الرئيس المعزول إلى الخروج من البلاد عبر تركيا ثم التوجه على متن طائرة إلى فرنسا، وهو يعيش الآن في المنفى مع مسعود رجوي زعيم منظمة مجاهدي خلق والذي اختفى عن الأنظار بعد دخول القوات الأمريكية للعراق عام 2003.
وكان أبوالحسن بني صدر يعد من أبرز قادة الجبهة الوطنية في إيران التي كانت تحظى بشعبية واسعة فيما كان منافسه في الانتخابات عضو الحزب الجمهوري الإسلامي المتشدد حسن حبيبي.
اغتيال يفسح الطريق لخامنئي
بعد عزل بني صدر، أجرت إيران انتخابات رئاسية في 24 يوليو/تموز 1981 في ظل الحرب مع العراق، وفاز فيها المرشح المتشدد محمد علي رجائي، وهو من أعضاء حزب "المؤتلفة الإسلامية" أكثر الأحزاب تطرفاً.
ولم يبق الرجل في سدة الحكم حتى تم اغتياله بتفجير وقع في 30 أغسطس/ آب من العام نفسه، جنباً إلى جنب مع رئيس الوزراء محمد جواد باهنر، عندما تم استهداف اجتماع حكومي، واتهمت منظمة مجاهدي خلق المعارضة بالوقوف وراء الهجوم.
بعد اغتيال محمد علي رجائي، شهدت إيران انتخابات رئاسية جرت منتصف أغسطس/ آب لعام 1985، وفاز فيها المرشد الحالي علي خامنئي، بحصوله على 12 مليون صوت، إثر منافسة مع اثنين من المرشحين هما محمد كاشاني (مستقل)، ومرشح حزب "المؤتلفة الإسلامية" حبيب الله عسكر أولادي الذي توفي عام 2013.
وحينها، لم يسمح مجلس صيانة الدستور إلا لـ3 مرشحين من أصل 50 بخوض السباق، وخامنئي ثالث رئيس لإيران بعد أبو الحسن بني صدر ومحمد علي رجائي.
وبانتهاء ولايته، انتخب خامنئي مرة ثانية من 1985 إلى 1989، وقبل انتهاء الفترة الأخيرة انتخب مرشداً للجمهورية إثر وفاة مؤسس النظام روح الله الخميني مطلع يونيو لعام 1989.
وكان خامنئي المرشح الأول المدعوم من النظام في الانتخابات الرئاسية حيث جرى استبعاد 42 مرشحاً من أصل 46، وقد فاز خامنئي بنسبة 95% من الأصوات، وهي أعلى نسبة على الإطلاق في جميع الانتخابات الرئاسية الإيرانية.
وفي الدورة الثانية من ترشحه للانتخابات، خاض خامنئي المنافسة ضد مرشحي حركة الحرية مهدي بازرجان وإبراهيم يزدي وأحمد صدر الحاج سيد جوادي.
وفي عهد خامنئي، شهدت إيران أوضاعاً سياسية خطيرة وتعرضت لهجمات دموية داخلية من قبل الجماعات المعارضة، فضلاً عن سوء الأوضاع الاقتصادية، في فترة وصفت بـ"الحساسة".
"ثعلب" يكسر الحصار
بعد انتهاء حكم خامنئي لمدة ثماني سنوات وحصوله على منصب ولي الفقيه (المرشد الأعلى)، جرت انتخابات في يونيو/ حزيران 1989، فاز فيها السياسي الراحل علي أكبر هاشمي رفسنجاني والذي يوصف بـ"ثعلب السياسة الإيرانية".
وجرت الانتخابات الرئاسية الخامسة لإيران بالتزامن مع الاستفتاء على مراجعة دستور البلاد، وقد سمح مجلس صيانة الدستور للراحل رفسنجاني بخوض الانتخابات الرئاسية مع منافسه عباس شيباني (مستقل)، إثر استبعاد 77 مرشحاً، وأصبح رفسنجاني رابع رئيس لإيران.
كما شغل رفسنجاني منصب أول رئيس للبرلمان الإيراني بعد أحداث 1979، وعقب الحقبة الثانية لرئاسة الجمهورية، بدأت تتضح معالم الأحزاب الإصلاحية أو الأصولية المعتدلة.
وجدير بالذكر أن رفسنجاني الذي توفي في 2017 كان مرشحا للأحزاب الأصولية المتشددة، وقد ساهم شخصياً بتولي خامنئي قيادة إيران بعد وفاة الخميني.
وبانتهاء فترة رفسنجاني، بدأت تتشكل أحزاب إصلاحية، وقد ترشح محمد خاتمي للانتخابات الرئاسية عام 1993، وقبلها كان يشغل منصب وزير الثقافة من عام 1982 حتى 1992.
وأصبح خاتمي الرئيس الخامس للجمهورية الإيرانية، إثر إطاحته بمنافسه رجل الدين المتشدد علي أكبر ناطق نوري الذي غادر فيما بعد المتشددين وأصبح ضمن معسكر الإصلاحيين.
وتعتبر رئاسة خاتمي من أهم الفترات في تاريخ إيران السياسي، وكان شعار التحول إلى الدولة المدنية، وجرت الأنشطة الثقافية والفنية والسياسية في فضاء مفتوح لم تشهده إيران ما بعد 1979.
ويعد خاتمي -بعد وفاة رفسنجاني- زعيم الإصلاحيين في إيران، لكن السلطات منعت ظهوره في وسائل الإعلام المحلية والأجنبية بعد احتجاجات عام 2009 التي قادتها المعارضة الإصلاحية ضد النظام.
نجاد يعيد المتشددين
بعد انتهاء عهد خاتمي، ترشح محمود أحمدي نجاد الذي كان يتولى بلدية العاصمة طهران، إلى الانتخابات الرئاسية عام 2005، أمام المرشح المعتدل رفسنجاني المدعوم من الإصلاحيين، لكن نجاد تمكن من إلحاق الهزيمة بخصمه بعد حصوله على 17 مليون صوت، فيما حصل رفسنجاني على 10 ملايين.
وكان هناك عدد من المرشحين الآخرين منهم رئيس البرلمان الحالي محمد باقر قاليباف وعلي لاريجاني المستبعد من السباق الرئاسي، ومهدي كروبي أحد قادة المعارضة الإصلاحية الذي يقبع تحت الإقامة الجبرية.
وشهدت الولاية الأولى من رئاسة نجاد نفوذ التيار المتشدد وهيمنته على مختلف المؤسسات والدوائر الحكومية وبدأت ظاهرة الرقابة الدينية خصوصاً على الفتيات، كما فرضت خلالها عقوبات أمريكية شديدة على النظام الإيراني بسبب البرنامج النووي.
وفي انتخابات عام 2009، ترشح نجاد ودفع التيار الإصلاحي بعدة مرشحين أبرزهم محمد خاتمي ومير حسين موسوي، لكن خاتمي سحب ترشحه لصالح موسوي.
وفي هذه الانتخابات، بدأت المعارضة للنظام الإيراني بشكل علني، عندما عجت شوارع المدن الإيرانية بالاحتجاجات على خلفية اتهام النظام بتزوير نتائج الانتخابات الرئاسية لصالح الرئيس السابق المتشدد محمود أحمدي نجاد وفوزه بولاية ثانية امتدت من عام 2009 حتى 2013.
روحاني يعيد الإصلاحيين
بعد أن انتهت حقبة المتشددين في عهد نجاد، وصل التيار الإصلاحي الذي دعم الرئيس الحالي المعتدل حسن روحاني إلى السلطة في الانتخابات الرئاسية المقامة منتصف يونيو 2013، ليكون روحاني الرئيس السابع لإيران، وكان منافسه الأقوى محمد باقر قاليباف رئيس البرلمان الحالي.
وجاء انتخاب روحاني بعدما شهدت فترة نجاد أوضاعا اقتصادية صعبة جراء العقوبات الدولية، فيما ارتفع معدل التضخم في مؤشرات قادت إلى بداية تدهور العملة الوطنية وارتفاع معدلات البطالة.
تمكن روحاني الذي تعهد بحل قضية الملف النووي من الوصول إلى اتفاق مع القوى الدولية في ولايته الثانية عام 2015، لكن هذا الاتفاق لم يستمر طويلاً حتى انسحب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب منه في مايو/ أيار 2018 وقام بتشديد العقوبات.
حصل روحاني في الانتخابات الرئاسية التي جرت عام 2013 على 18 مليون ناخب، فيما حصل منافسه محمد باقر قاليباف على 6 ملايين.
وفي الانتخابات الرئاسية المقامة في 2017، تمت إعادة انتخاب روحاني بسبب إبرامه للاتفاق وبداية فترة رفع العقوبات، وقد خاض روحاني المنافسة مع المرشح المتشدد رئيس السلطة القضائية إبراهيم رئيسي.
وبعد عام من الولاية الثانية، شهدت إيران صعوبات اقتصادية وأزمة معيشية جراء عودة العقوبات وتعطل العمل بالاتفاق النووي بسبب انسحاب إدارة ترامب منه، فيما شهدت هذه الفترة تراجع شعبية الإصلاحيين الذين وقفوا مع روحاني في الانتخابات الرئاسية الأولى والثانية.
الرئيس المقبل.. متشدد
ومع قرب انتهاء فترة روحاني، تستعد إيران، الجمعة، لإجراء انتخابات رئاسية يتنافس فيها سبعة مرشحين خمسة منهم من التيار الأصولي المتشدد الذي يتوقع أن يستحوذ على منصب رئاسة الجمهورية.
وترشح تقارير إعلامية فوز المتشدد إبراهيم رئيسي، مرشح خامنئي، في صعود يرى محللون أنه يأتي في ظل أزمات طاحنة تشهدها البلاد على مختلف الأصعدة.
ويتنافس في هذه الانتخابات التي يحق لـ 59 مليون إيراني المشاركة فيها، كل من إبراهيم رئيسي، وسعيد جليلي، ومحسن رضائي، وعلي رضا زاكاني، وأمير حسين قاضي زاده هاشمي، وجميعهن متشددون، فيما يوجد مرشح آخر ينتمي للتيار الإصلاحي وهو محسن مهر علي زاده، وآخر ينتمي للتيار الأصولي المعتدل عبد الناصر همتي.
aXA6IDMuMTQwLjE5Ni41IA== جزيرة ام اند امز