يمكن تلمس بروز مشاعر بين أوساط الشيعة العراقيين بشكل خاص تسير باتجاه رفض الوصاية الإيرانية عليها وعدم قبول التدخل في شؤونها
لم تدع إيران تمر فترة طويلة على زيارة السيد مقتدى الصدر للمملكة العربية السعودية والإمارات، والتي كانت زيارة غير عادية، ولفتت أنظار الأوساط السياسية في المنطقة والعالم، خصوصاً أنها كانت تسير بسياق العمل على إعادة الدماء لعلاقة العراق بوسطه العربي الذي كان حاضنه الأساسي طوال العصور الماضية، بعد أن شهدت هذه العلاقة فتوراً وإرباكاً على خلفية الدور والنفوذ الإيراني المتعاظم في هذا البلد، وسرعان ما قامت إيران بإرسال خليفة السيد الخامنئي السيد محمود هاشمي الشهرودي، رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام، والذي يعتبر الشخصية الثانية من حيث الأهمية في نظام ولاية الفقيه بعد الخامنئي، من أجل تدارك الأمور في العراق والعمل على إبقاء زمام المبادرة في أيديهم.
إيران تأخذ زيارة السيد الصدر للسعودية والإمارات كتهديد جدي داخل البيت الشيعي، خصوصا وأن التوجه السعودي الجديد يسير في اتجاه إحياء علاقة العراق بوسطه العربي
أهمية العراق بالنسبة لنظام ومشروع ولاية الفقيه، وخصوصاً بعد الأحداث والتطورات الأخيرة التي أعقبت مجيء الإدارة الأمريكية الجديدة، قد ازدادت أضعافاً مضاعفة خصوصاً بعد أن بدأ دور حزب الله ومكانته يتراجع فيها خصوصاً بعد أن صار الحزب تحت المراقبة الدولية وصدرت العقوبات المتتالية بحق قادته، فيما بات مصير النظام السوري مرتبطاً بمائدة القرار الدولي، ولذلك فإن إيران تأخذ زيارة السيد الصدر للسعودية والإمارات، كتهديد جدي داخل البيت الشيعي، خصوصاً أن التوجه السعودي الجديد يسير في اتجاه إحياء علاقة العراق بوسطه العربي.
الأوضاع في العراق لم تعد تسير بالاتجاه المحدد والمأمول لها كما كانت تتمنى إيران، خصوصاً فيما يتعلق ويرتبط بالمحاور التالية:
* علاقة العراق مع الوسط العربي.
* الانتخابات القادمة.
* الأوضاع ما بعد داعش بعد أن تم حسم أمرهم في الموصل وتلعفر ودور الحشد الشعبي.
* ملف البيت الشيعي الشيعي.
من الواضح أن المحاور أعلاه، وما قد طرأ ويطرأ عليها من تغيير، صارت سبباً للقلق في إيران، إذ إن المحصلة النهائية لجمعها وإضافتها إلى بعضها، قد تشكل اتجاهاً لا يصب في مصلحة المشروع الفارسي في العراق خصوصاً والمنطقة عموماً.
المكاسب والامتيازات الكبيرة التي حصدتها إيران من ولايتين متتاليتين للرئيس الأمريكي السابق أوباما، حيث أطلق العنان لها للتحرك في العراق والمنطقة، وحققت ما كانت تحلم به سابقاً، ولكن إدارة الرئيس ترامب على ما يبدو تريد أن تقوم بتقليص وتحديد الدور الإيراني وسلبه الكثير من المكاسب والامتيازات غير المشروعة التي حصل عليها إبان عهد أوباما، وطبقاً للعديد من المؤشرات فإن هناك اتجاهاً أمريكياً - سعودياً للتحرك على ملف الأوضاع في العراق وإعادة النظر في الدور الإيراني هناك، ولا شك أن طهران قد فهمت فحوى الرسالة جيداً فبادرت لإرسال الهاشمي الشهرودي كأهم وأفضل شخصية تؤثر في العراق كي يبادر إلى بذل ما يمكن بذله من أجل الوقوف في وجه هذا التوجه الأمريكي - السعودي الذي يلاقي ترحيباً عراقياً لا يمكن التغافل عنه.
المسألة المهمة والحيوية الأخرى، تتعلق بملف الشيعة العرب، الذين يشكلون أساس وقود المشروع الإيراني في المنطقة، إذ يمكن تلمس بروز مشاعر بين أوساط الشيعة العراقيين بشكل خاص تسير باتجاه رفض الوصاية الإيرانية عليها وعدم قبول التدخل في شؤونها، خصوصاً بعد أن توضحت الصورة لديهم من أن هدف نظام ولاية الفقيه، هو فك ارتباطهم وعلاقتهم ليس فقط بوسطهم العربي وإنما الوطني أيضاً، وجعلهم مجرد بيادق وقطع شطرنج يتم تحريكها وفق ما تمليه المصالح الإيرانية.
ولا ريب من أن إيران تتخوف كثيراً من هذا الاتجاه خصوصاً أن المرشد الأعلى الذي صار يواجه أوضاعاً صعبة في داخل إيران وصار يميل للاعتماد على الشيعة العرب أو حتى الذين من أصول عربية، إذ إن اختيار السيد محمود هاشمي شهرودي نفسه كخليفة لرفسنجاني وإرساله لهكذا مهمة، يمكن أن يوضح هذا الأمر، لكن وفي كل الأحوال فإننا نجد من المهم جداً دعم هذا الاتجاه الاستقلالي لدى الشيعة العرب في العراق ولبنان بوجه خاص وفي باقي الدول العربية التي يتواجد فيها الشيعة بشكل عام، فهو بمثابة كعب أخيل للنظام في إيران، وإننا في المجلس الإسلامي العربي قد سلطنا الأضواء دائماً على هذه النقطة واعتبرناها الأهم والأكثر قوة وفاعلية في التأثير على تقليص وإضعاف الدور الإيراني في المنطقة، إذ إن إعادة الشيعة العرب إلى أحضان أوطانهم وشعوبهم وتقوية أواصر علاقتهم بوسطهم العربي، هي من أساسيات إنجاح هذا الاتجاه وجعله أمراً واقعاً وفيه حفظ وقوة للأمن القومي العربي، وقد أعلنا دائماً من أننا مستعدون في المجلس للقيام بدورنا بهذا الخصوص ولا سيما فيما لو كان هناك توجه عربي - دولي لذلك، بحيث نستطيع تفعيل هذا التوجه وترسيخه خصوصاً أننا قد أكدنا أهمية هذا الموضوع مراراً وتكراراً. اللهم قد بلغت اللهم فاشهد.
نقلا عن "الرياض"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة