إيران والإخوان.. تاريخ من التآمر على قضية فلسطين
من الانتهازية إلى البرجماتية النفعية، وجد تنظيم الإخوان الإرهابي ضالته في النظام الإيراني عبر بوابة التلاعب بالقضية الفلسطينية.
مصالح إخوانية إيرانية تجسدت في زعزعة استقرار دول المنطقة وأمن الخليج، دون أن يكون ضمن أهداف الطرفين؛ مساندة القضية الفلسطينية سوى من بعض الشعارات لكسب المؤيدين، واستغلال القضية لصالح حساباتهما السياسية.
ويقول خبراء ومراقبون إنه على مدى 42 عاما منذ اندلاع ثورة إيران في عام 1979، لم تقدم طهران وتنظيم الإخوان، للقضية الفلسطينية عموما والقدس بشكل خاص، سوى التآمر ودعم الانفصال والانقسام بين الشعب الفلسطيني.
ونجح التآمر الإخواني الإيراني في تشتيت الفلسطينيين عبر دعم حركتي حماس والجهاد ضد منظمة التحرير الفلسطينية.
وأضاف الخبراء في أحاديث منفصلة لـ"العين الإخبارية" أن جماعة الإخوان رأت في التقارب العميق مع طهران الملاذ وصمام أمان مهم لها، في خضم العزلة الإقليمية المديدة التي يعيشها التنظيم الإرهابي.
وبدا هذا التقارب واضحا في ظل محاولات تركيا الحثيثة مؤخرا للتقارب مع مصر؛ حيث حاولت إيران في المقابل أن يكون التنظيم أحد أذرعها الإرهابية في المنطقة بهدف تحقيق أهدافها التخريبية.
حسابات سياسية
وبمناسبة الذكرى الـ 73 على نكبة فلسطين، أكدت الدكتورة دلال محمود، الأستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن إيران وتنظيم الإخوان لم يفعلا شيئا للقضية الفلسطينية طيلة السنوات الماضية.
وفي حديثها لـ"العين الإخبارية"، قالت "محمود"، إنه : "على العكس فقد ساهما في زيادة تعقيد القضية، وتآمرا عليها واستغلوها لحساباتهم السياسية وزيادة الفرقة والانقسامات بين أبناء الشعب الفلسطيني".
ونبهت الدكتورة دلال محمود، التي تعمل أيضا مديرا لبرنامج الأمن والدفاع بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية بالقاهرة (خاص)، إلى أن العلاقات بين الإخوان وإيران تقوم على توظيف الإسلام السياسي.
وأردفت: "رغم الاختلاف المذهبي فإن الهدف واحد وهو توظيف الدين من أجل مد النفوذ السياسي، بعد أن اتفق الطرفان ألا يختلفا، ويتأكد هذا من حرية الحركة ووضوح حدود العلاقات للإخوان داخل طهران نفسها ثم التوافق والتوفيق الذي يسعى إليه الطرفان على مدى عقود".
ونوهت إلى أن هذا التوافق يوفر عدم التعارض بين الطرفين في أغلب الأحوال، وربما تبادل بعض الخبرات والخدمات، وهو ما يوظف لصالح مشروع الإخوان التوسعي، ومشروع الهلال الشيعي، عن طريق الوكلاء ودعمهم لبعضهم البعض في مناطق النفوذ المستهدفة والتي تتقاطع عند مصر ومنطقة الخليج.
وزادت: "هؤلاء الوكلاء ورعاتهم يؤثرون سلبا على استقرار المناطق المستهدفة وأمنها"
منفعة متبادلة
بدوره، قال السفير محمد العرابي وزير الخارجية المصري الأسبق في حديث خاص لـ"العين الإخبارية": إن هناك منفعة متبادلة بين الطرفين الإيراني والإخواني، رغم الاختلاف الإيديولوجي.
ونبه العرابي إلى أن العلاقة بين الطرفين تحكمها الانتهازية والمصلحة، وتحقيق هدف مشترك هو التواجد في المنطقة وبسط النفوذ وزعزعة أمن واستقرار المنطقة والخليج.
ورأى أن الإخوان بانتهازيتهم المعروفة، يدعمون ويساندون أينظام سياسي قد يتحول لنظام سياسي إسلامي كما جرى في طهران، وأن تجربة الأخيرة بداية لفلسفة تسود في المنطقة؛ لأن هذا الأمر يدعم فكرتهم ويخدم عليها.
وقال إن طهران رأت في عام 2011، أن رياح التغيير بدأت في المنطقة، فسعت إلى أن تكون القوة المهيمنة عليها وكان بدايتها من مصر عبر نظام إخواني سهل القيادة.
الانتهازية والبرجماتية
وكان الدكتور أحمد قنديل، خبير الشؤون الدولية والآسيوية في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أكد في تصريحات سابقة لـ"العين الإخبارية" أن هناك تشابها فكريا بين الجماعة ونظام الحكم بطهران يقوم على توظيف واستغلال الدين في العمل السياسي، فضلا عن استغلال الأيديولوجية الدينية لتجنيد مؤيدين جدد.
ولفت إلى أن هذا التحالف ومعه تركيا يسهم على زعزعة الاستقرار في المنطقة العربية، معتبرا أن "الاصطفاف الإيراني مع الإخوان يعبر عن مصالح مشتركة بينهما تقوم على الانتهازية والبرجماتية والنفعية".
وتحدث تقرير سابق أصدرته مؤسسة "ماعت" الحقوقية، عن العلاقات الوثيقة بين الإخوان وطهران، والدور الذى لعبته الجماعة الإرهابية كوكيل لنظام إيران في المنطقة.
وعقد تنظيم الإخوان الكثير من الاجتماعات السرية بين قيادات الإخوان في الخارج، وبين قيادات إيرانية، وذلك في إطار ما وصفه التقرير الحقوقي بـ"التخطيط لتدمير المنطقة لصالح إيران".
وقال التقرير إن العلاقة بين التنظيم الإرهابي وطهران ليست تحالفا سياسيا فقط، بل أعمق من ذلك، حيث يعتبر التنظيم ذراع من أذرع إيران في المنطقة، في مقابل تقديم الأخيرة الدعم الكامل له، وتوفير كافة الملاذات لهم من أجل مصالحها الخاصة في المنطقة.
تاريخ العلاقات بين الطرفين
وترصد "العين الإخبارية" تاريخ العلاقات بين البلدين، والتي بدأت منذ وصول نظام ولاية الفقيه إلى حكم إيران أعقاب ثورة العام 1979، وامتدت على مدار 40 عاما بين لقاءات واجتماعات مشتركة بين قادة التنظيم ومسئولين إيرانيين.
وركزت تلك اللقاءات على التنسيق والتشاور في ملفات وقضايا إقليمية، بل وصل إلى حد محاولة تشكيل "حرس ثوري" في مصر عقب وصول الإخوان للسلطة في عام 2012، على غرار مليشيا الحرس الثوري في إيران.
ولعل أول اللقاءات، ما كشفه المسؤول عن العلاقات الدولية في التنظيم الدولي للإخوان يوسف ندا في تصريحات صحفية سابقة له، بالتطرق إلى زيارة وفد من التنظيم لطهران؛ من أجل تهنئة الخميني بنجاح الثورة الإيرانية عام 1979.
كما يعترف ندا، بأنه زار الخميني في مقر إقامته في نوفشاتيل بفرنسا، قبل عودته لبلاده بعد الثورة الإيرانية.
وبعد هذا التاريخ، تعددت اللقاءات بين الإيرانيين وقيادات جماعة الإخوان تحت مسميات متعددة، كان أبرزها مسمى "التقريب بين المذاهب"، وعقدت اجتماعات ومؤتمرات تحت هذا المسمى في طهران، ومدن أوروبية منها لندن وإسطنبول.
كما كشف موقع "The Intercept" الأمريكي في نوفمبر/تشرين الثاني 2019 عن وثائق سرية مسربة للاستخبارات الإيرانية تضمنت معلومات عن استضافة تركيا لاجتماع بين الحرس الثوري الإيراني وجماعة الإخوان عام 2014 للعمل ضد السعودية.
واعترف إبراهيم منير، القائم بأعمال مرشد الإخوان، والمقيم في لندن، باللقاء السري لوفد الحرس الثوري الإيراني، مؤكدا أن ما جاء فى الوثائق المسربة عن لقاء جمع قيادات من جماعة الإخوان ومسؤولين إيرانيين، أمر صحيح وحدث بالفعل عام 2014.
وقال مراقبون في تعليقهم على اللقاء، إن الاجتماع بين الحرس الثوري الإيراني والإخوان بتركيا 2014، جاء تأكيدا على خصوصية اللحظة في ظل صدمة الإخوان للخسارة في مصر وتونس وليبيا، مؤكدين أن طهران وجدت هذا الوقت فرصة للتوغل بمنطقة الخليج وتطويق السعودية لكونها عاملا رئيسيا لفشلها.
وليس ببعيد عن هذا الأمر، ما ذكرته النيابة العامة المصرية في وقت لاحق وتحديدا في أبريل/نيسان 2019 ، بأن الرئيس الراحل محمد مرسى كان عميلا للحرس الثوري الإيراني، وفقا لما ذكرته حينها وسائل إعلام محلية مصرية.
وقالت النيابة المصرية، خلال مرافعتها أمام محكمة جنايات القاهرة في أبريل/ نيسان 2019 خلال إعادة محاكمة مرسى و23 من قيادات وعناصر الإخوان، فى قضية التخابر مع حماس، إن تقريرا أمنيا رصد تواصل عناصر من جماعة الإخوان مع الحرس الثوري الايراني، وحزب الله، وحركة حماس.
وأضافت أن محيي حامد، وأحمد عبد العاطي، ورفاعة الطهطاوي وأسعد الشيخة وآخرين كانوا يعملون في مكتب الرئيس المعزول وقاموا بتسريب العديد من المعلومات التى تضر مصالح البلاد والأمن القومي المصري لمنظمات أجنبية، ومنها الحرس الثوري الإيراني وبعلم الرئيس المعزول محمد مرسي.
وتابعت أن تلك التقارير التي كان ينقلها أعوان مرسي، للحرس الثوري وحركة حماس، وحزب الله، وتسببت بالتأثير بالسلب في العلاقات مع بعض الدول، مشيرة إلى أن الإخوان كانوا ينفذون مخططا يستهدف إسقاط الدول العربية وتقسيمها في إطار ما يسمي بالشرق الأوسط الجديد.
وفي هذا الصدد، قال مصدر أمني في تقرير نشره موقع قناة العربية، إن عناصر من الحرس الثوري الإيراني زارت مصر خلال فترة حكم الرئيس المعزول محمد مرسي، لتدريب عناصر من الإخوان على إنشاء ميليشيات مسلحة تابعة للجماعة على غرار الحرس الثوري.
التقرير تحدث عن أن الرئيس المعزول طلب من الحكومة دخول 200 ألف سائح إيراني إلى مصر لتنشيط السياحة، ورفضت الأجهزة الأمنية المصرية ذلك.
وفي تاريخ العلاقات بين إيران والإخوان، عقد الطرفين في يوليو/تموز 2017، أبرز اجتماع رفيع المستوى بين الطرفين، حين التقى آية الله محسن أراكي مستشار المرشد الأعلى علي خامنئي، إبراهيم منير على هامش اجتماع لمنتدى الوحدة الإسلامية.
واستهدفت اللقاءات التنسيق والتشاور حول ملفات المنطقة، وتقديم دعم إخواني لإيران في العراق وسوريا واليمن، مقابل دعم إيراني للجماعة في هجومها على النظام المصري.
كما برز أيضا عمق العلاقات بين الجانبين، حين لوحت إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، في 2019 بأنها ستعمل على تصنيف الإخوان تنظيماً إرهابياً أجنبياً.
وهو التلويح الذي قوبل بإنتقاد إيراني حاد حينها، حيث قال وزير الخارجية محمد جواد ظريف، إن: "الولايات المتحدة ليست في وضع يؤهلها بأن تبدأ في تصنيف الآخرين كمنظمات إرهابية"، مضيفا في تصريحات صحفية: "نحن نرفض أي محاولة أمريكية فيما يتعلق بهذا الأمر".
aXA6IDUyLjE0LjExMC4xNzEg جزيرة ام اند امز