النظام الاستبدادي الحاكم في إيران الذي يتراجع إذا واجه موقفا صلبا،
تخلَّى نظام الولي الفقيه عن 37% من حصته في بحر قزوين في إطار مساومة مع روسيا، في أجواء صحفية صامتة داخل إيران، مُنعت وسائل إعلام المحلية من تناولها بأوامر من المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني.
وكانت حصة إيران من بحر قزوين قبل انهيار الاتحاد السوفيتي 50%، تعادل حصة الروس وتتقاسم كل المواهب الطبيعية بصورة متساوية معها.
ولكن بعد خروج روسيا من تحت عباءة الاتحاد السوفيتي، احتفظ النظام الروسي الجديد بحصة كاملة من بحر قزوين ودفع إيران لتتقاسم الباقي مع كازاخستان وتركمانستان وأذربيجان؛ ما أدى إلى حصول خلافات كبيرة بين هذه المجموعة من البلدان المطلة على البحر، ثم تراجعت إيران عن مطالبها السابقة تحت ضغوط العقود الثنائية والثلاثية التي أُبرمت بين روسيا وأذربيجان وكازاخستان من جانب، والخلافات الحادة بينها وتركمانستان من جانب آخر.
هذه المفارقة الإيرانية التي تؤلّب الرأي العام ضد العرب من جانب، وتتخاذل أمام تقطيع أراضيها وتقليص مساحتها على يد روسيا من جانب آخر، تكشف عن عداوة متجذرة في جسد الولي الفقيه ضد العرب والمسلمين.
ووفقا لمعايير التحصيصة الجديدة لمساحة بحر قزوين على أساس طول الساحل وتضاريسه لكل بلد من البلدان المطلة عليه، تتراجع حصة إيران الجديدة من مساحة بحر قزوين إلى 13% –مصادر أخرى تتحدث عن 11%- بعد أن كانت 50% قبل انهيار الاتحاد السوفيتي السابق.
وهناك كانت محاولات عديدة من المسؤولين الإيرانيين لرفض الحصة الجديدة منذ عام 1991 والمطالبة بـالـ20% من مساحة البحر في إطار تنازلات وتوافقات جديدة، لكن بمرور الوقت ومواجهة إرادة صلبة من باقي الدول، تراجعت إيران عما طرحته والتزمت الصمت إعلاميا حول ما يحدث إزاء مساحتها في بحر قزوين.
وطبقا للوثائق في الخارجية الإيرانية، فإن طهران والاتحاد السوفيتي السابق وقعا على اتفاقيتين في عامي 1921 و1940 لتعيين الحدود البحرية بينهما في بحر قزوين، ما يشير إلى إشراف متساوٍ لكل طرف على البحر ووضع شروط الملاحة بين الجانبين.
ولكن خلافا لهاتين المعاهدتين، فرضت روسيا على إيران تقسيم بحر قزوين من جديد بعد عام 1991، وقدمت نسبا جديدة، تكون نسبة إيران الأقل فيها من جميع الدول المطلة على البحر.
وبحر قزوين يعد أضخم بحيرة مغلقة على وجه الأرض، وتبلغ مساحته 371 ألف كيلومتر مربع، ويحتوي على ذخائر ثمينة من النفط والغاز، وتشير التقديرات، حسب دراسة نشرتها منظمة معلومات الطاقة الأمريكية، إلى امتلاكه من الاحتياطي المؤكد من النفط ما يصل إلى 50 مليار برميل، واحتياطي محتمل يبلغ نحو 270 مليار برميل، أما الاحتياطي المحتمل من الغاز فيقترب من 8600 ترليون قدم مكعب.
وبينما تتصدر كازاخستان إنتاج النفط في هذه المجموعة وتليها أذربيجان وتركمانستان، وتتصدر هذه الأخيرة إنتاج الغاز من بين الدول المشرفة على بحر قزوين، يصل إنتاجها إلى نحو تريليوني قدم مكعب سنويا، تبقى إيران الدولة الوحيدة التي ليس لها إنتاج يذكر في المجالين النفط والغاز في هذه المنطقة.
وعلى عكس التزام إيران بالصمت، صرّح وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، علنا يوم الأربعاء الماضي، بأن الدول المطلة على بحر قزوين، وصلت إلى المرحلة النهائية من إبرام اتفاقية تحصيص مساحة البحر، ورؤساء تلك الدول سيوقعون على الاتفاقية في اجتماعهم القادم في كازاخستان للعام المقبل.
وبتوقيع هذه الاتفاقية، ستتخلى إيران فعليا عن 37% من حصتها في بحر قزوين وستمرّ مرور الكرام عليها، بلا ضجة ولا هوسة وطنية عادة ما كانت تطلقهما حول تسمية الخليج مع جيرانها العرب والمسلمين!
وبالمقارنة بين بحر قزوين والخليج العربي، لا توجد هناك نوايا عربية وإسلامية لممارسة ضغوط لتراجع حدود إيران الجغرافية إلى ما وراء الخطوط المعروفة في الثغور بين الدول، كما فعلت روسيا وقلصت من مساحة إيران في بحر قزوين.
ولكن النظام الإيراني يشن حملة واسعة النطاق على شعوب مسالمة في المنطقة من أجل انتزاع تسمية الخليج بالفارسي، ويتصارع مع العرب في جوجل وخطوط الطيران والأندية الرياضية والمدارس والجامعات وأسماء الشوارع والمساجد ودور العبادة وفي كل مكان وعلى مدار الساعة لاسم الخليج!
هذه المفارقة الإيرانية التي تؤلّب الرأي العام ضد العرب من جانب، وتتخاذل أمام تقطيع أراضيها وتقليص مساحتها على يد روسيا من جانب آخر، تكشف عن عداوة متجذرة في جسد الولي الفقيه ضد العرب والمسلمين، يليها مخطط توسعي للهيمنة على المنطقة، وفي الوقت نفسه، يكشف عن طبيعة النظام الاستبدادي الحاكم في إيران الذي يتراجع إذا واجه موقفا صلبا، ويتطاول إذا شعر بالليونة من جانب الطرف الآخر.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة