هناك الكثير من السبل للتصدي للردع الإيراني منها النظر في إمكانية العودة لمقترح تشكيل قوة ردع عسكرية مشتركة
خطوة مهمة واستثنائية تلك التي اتخذتها المملكة العربية السعودية بالدعوة إلى عقد قمتين طارئتين خليجية وعربية نهاية مايو الجاري، ليتفق عقدهما مع موعد الانعقاد الدوري لقمة منظمة التعاون الإسلامي في مكة المكرمة.
هناك الكثير من السبل للتصدي للردع الإيراني منها النظر في إمكانية العودة لمقترح تشكيل قوة ردع عسكرية مشتركة، وإعادة الاعتبار لمفهوم الأمن القومي العربي ككل لا يتجزأ بما يعنيه من أن أي تهديد لدولة عربية يعد تهديدا لكل الدول العربية مجتمعة وما يفرضه ذلك من التزامات على كل دولة
عقد القمتين الخليجية والعربية في وقت واحد لأول مرة في تاريخ انعقادهما يحمل رسالة واضحة، فحواها أن المشروع الإيراني التوسعي أصبح خطرا يهدد المنطقة برمتها، العالم العربي بأكمله، وفي القلب منه الخليج العربي، وأن هذا الخطر لن يقف عند حدود دولة واحدة، أو منطقة جغرافية واحدة، بل أصبح خطرا مشتركا يهدد الجميع، خليجيا وعربيا، ناهيك عن دوليا، وهذا موضع لحديث آخر، والسكوت على هذا الخطر خطأ سيكتوي بناره الجميع حتى من لم يصبه الدور حاليا أو يعتقد واهما أنه محصن ضد هذا الخطر.
فعربيا، لا يخفى على أحد ما لإيران من دور كبير ومدمر في المآسي التي تواجه العالم العربي في العراق وسوريا واليمن ولبنان وفلسطين، وما زالت تسعى جاهدة إلى "لبننة سوريا" على غرار ما فعلت في لبنان من خلال حزب الله، وما زالت تستخدم المليشيات الشيعية في العراق للسيطرة عليه والتحكم في مستقبله، ولولا جهود التحالف العربي في اليمن الذي خاض "حرب ضرورة" لكان هذا البلد العربي يحكم من طهران حاليا.
أما خليجيا، فالتهديد أكبر والخطر أعمق بحكم علاقة الجوار الجغرافي المباشر لإيران مع دول الخليج العربية والتدخل الفج لطهران في شؤونها الداخلية واحتلال جزء من أراضيها وتهديد مصالحها الاقتصادية والنفطية واستهداف تحالفاتها السياسية، وهنا تقع دول الخليج العربية في قلب المشروع التوسعي الإيراني وهدفا صريحا له، ولعل هذا ما أوضحته أحداث الأسبوع الماضي الذي شهد هجوما على سفن تجارية قرب المياه الإقليمية لدولة الإمارات العربية المتحدة، وما قامت به مليشيا الحوثي المدعومة من إيران من الهجوم على محطتي ضخ نفط بالمملكة العربية السعودية، وإزاء هذه المخاطر كان لا بد من رسالة واضحة وتحرك حاسم.
هنا جاءت الخطوة الحكيمة من قبل العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، بالدعوة لعقد القمتين، لكن في النهاية تبقى أهمية هذه الخطوة واستثنائيتها مرتبطة بما يجب أن تسفر عنه القمتان من قرارات حازمة ورادعة وغير مسبوقة تتصدى بشكل واقعي وعملي للتهديدات الإيرانية المتزايدة لأمن الخليج العربي والمنطقة العربية برمتها وليس دول خليجية أو عربية بعينها، فالشجب لم يعد كافيا والإدانة لم تعد تجدي، وفي المقابل لا أحد يريد الحرب ولا أحد يسعى إليها سوى طهران ونظامها، فدول الخليج ومعها بقية الدول العربية لا تريد حربا مع إيران لأنها سئمت من الحروب، وتدرك جيدا مخاطرها وتداعياتها، وجل ما تريده هو أن تغير طهران من سلوكها وأن تتوقف عن التدخل في شؤونها وتهديد استقرارها وأمنها.
لذلك لا بد أن تخرج القمتان برسالة واضحة للمجتمع الدولي فحواها أننا كعرب وخليجيين متحدون في مواجهة الخطر الإيراني، وهذه نقطة محورية، فالمحزن هنا أن هناك دولا في منطقتنا لا ترى في إيران خطرا أو تهديداً يستوجب مواجهته، ولا ترى في سلوكها ما يستوجب العمل على تقويمه، بل إن هناك من يرى فيها حليفا ويتعامل معها على هذا الأساس، وبالتالي فإنه لا مجال لمواجهة هذا الخطر دون إجماع خليجي وعربي على خطورة المشروع الإيراني وعلى سبل التصدي له.
هناك الكثير من السبل للتصدي وللردع الإيراني منها النظر في إمكانية العودة لمقترح تشكيل قوة ردع عسكرية مشتركة، وإعادة الاعتبار لمفهوم الأمن القومي العربي ككل لا يتجزأ بما يعنيه من أن أي تهديد لدولة عربية يعد تهديدا لكل الدول العربية مجتمعة، وما يفرضه ذلك من التزامات على كل دولة، ناهيك عن الإجراءات الاقتصادية الكثيرة التي يمكن أن تتخذها الدول العربية والخليجية تجاه إيران بهدف تقويم سلوك نظامها سواء في مجال المصارف أو في قطاع النفط كالضغط على شركات التأمين الدولية لعدم التعامل مع أسطول ناقلات النفط الإيرانية، وغيرها من أوراق الضغط الاقتصادية الكثيرة التي تمتلكها الدول العربية ولم تلجأ إليها بعد.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة