إيران ونظرية المؤامرة.. الطريق السريع لـ"شيطنة" الاحتجاجات
يعد نطاق الاحتجاجات الحالية التي غطت مدن إيران أخطر انتفاضة شعبية تشهدها البلاد منذ 40 عامًا والتي كانت شرارتها منتصف سبتمبر/أيلول الماضي بعد الإعلان عن وفاة الشابة مهسا أميني على يد الشرطة في طهران بعد اعتقالها بسبب الحجاب.
وفي كل احتجاجات يقوم بها الشعب الإيراني، يطرح النظام وكبار المسؤولين فيه نظرية "المؤامرة" بوصف المظاهرات بأنها "أعمال شغب واضطرابات" تحركها أيادٍ خارجية في مقدمتها الولايات المتحدة والدول الغربية.
وتؤكد المادة 27 من الدستور الإيراني على الحق في التظاهر السلمي، لكن السلطات الحاكمة لا تنفذ هذه المادة ويتطلب التظاهر ترخيصاً من وزارة الداخلية وهو ما ترفضه الأخيرة.
واليوم، أصبح الاحتجاج وعقد التجمعات عملاً عاديًا في جميع البلدان، وبذلك يعارض الناس في معظم الدول أداء الحكومة وخططها في موضوع معين ليعبروا عن رأيهم، فلماذا الحال يختلف في إيران.
أعمال الشغب تتحملها الحكومة
الناشط والسياسي الإيراني جلال جلالي زاده، اعتبر في حديثه لموقع "آفتاب نيوز" الإخباري، أن "ما شهدته البلاد تتحمل مسؤوليته الحكومة الحالية برئاسة إبراهيم رئيسي، كونه لم ينفذ المادة الدستورية التي تسمح بالتظاهر السلمي، وكان يجب عليه أن ينفذ هذه المادة لتفادي أعمال الشغب".
وأضاف جلالي زاده: "وقد وردت في هذه المادة شروط عقد التجمعات السلمية، أي للجماعات التي طلبت التظاهر وشروط التجمع وفق المادة 27 من الدستور والتي تعني تشكيل التجمعات والمسيرات دون حمل السلاح بشرط أن لا يخل بثوابت الإسلام، إذا لم يكن كذلك، فهو حق سلمي، فيجب السماح للشعب بالتعبير عن رأيه والتجمع".
وعن نظرية المؤامرة، استبعد الناشط السياسي وجود مخطط مسبق لهذه الاحتجاجات، لكنه اعترف أنها "شهدت بعض التصرفات العنيفة من قبل المتظاهرين وقوات الأمن".
وكان المرشد علي خامنئي أعلى سلطة حاكمة في إيران، أعلن قبل أسبوعين أن ما تشهده بلاده من احتجاجات مناهضة للنظام "تم التخطيط له مسبقاً من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل والدول الغربية"، داعياً قوات الأمن إلى مواجهة المتظاهرين.
أداة وأد الاحتجاجات
الكاتب والباحث الإيراني محمد قرغوزلو، يوضح الأسباب التي تدفع السلطات لطرح نظرية المؤامرة على أي احتجاجات، قائلا: "حتى يسمح له بمواجهة أي حركة احتجاجية تطالب بالحقوق والحريات الشخصية"، مبيناً أن "هذه النظرية دأب عليها النظام لسنوات طويلة ومنذ بدء انتصار الثورة عام 1979".
ورأى قرغوزلو في مقال له بموقع "أخبار روز" الإيراني المعارض: "هذه التهمة وهي نظرية المؤامرة ليست بالجديدة، خصوصاً إنه عندما تكون الاحتجاجات واسعة وشعبية كما حصل عام 2009 و2017 و2019".
وقال إن ما دفع النظام لطرح نظرية المؤامرة هو التخوف من استمرار الاحتجاجات بسبب المدى الجغرافي لها سواء في المدن الكبرى والمناطق النائية، وكذلك وجود مجموعات مختلفة من الإيرانيين غير مطيعين وغير راضين عن الوضع الحالي، أي تعدد وعالمية الاحتجاجات من الشمال إلى الجنوب.
وعن العامل الثالث بشأن قوة هذه الاحتجاجات وتخوف النظام، أوضح "المشاركة والقيادة المباشرة للمرأة، خاصة الفتيات والمراهقات، ولا ينبغي حصر مثل هذا العنصر المهم للغاية في سياق الدافع وراء وفاة مهسا أميني، فالنساء في إيران تواجه اضطهاداً من السلطات لأكثر من أربعة عقود".
كما اعتبر الباحث الإيراني إن العامل الرابع لقوة هذه الاحتجاجات هو المشاركة الفعالة للطلاب خصوصاً الجامعات، مشيراً إلى أن النظام تخوف من أن يتوجه الشعب إلى العصيان المدني.
وتابع القول: "لأول مرة في حياة الجمهورية الإسلامية، جميع الطبقات الثلاث غير راضية من الوضع الحاكم، وهي الطبقة الفقيرة والوسطى والبرجوازية الصغيرة المتمردة وجزء من البرجوازية غير الراضية عن تقييد الحريات الفردية مرتبطة وتتجمع في هذه الاحتجاجات، يمسكون بأيدي بعضهم البعض".
وختم بالقول إن "ما يحدث الآن يشبه إلى حد ما الثورة المناهضة للملكية في عام 1979".
الكتلة الصامتة
وفي سياق متصل، حذر المفكر والسياسي الإصلاحي البارز عباس عبدي، النظام والحكومة والمسؤولين من المتظاهرين الذين وصفهم بـ"الصامتين".
عبدي قال في حديثه لصحيفة "اعتماد"، في تحليله عن الاحتجاجات إن "من أخطاء الحكومة أنها تعتقد أن المتظاهرين هم نفس العدد الذين كانوا يحتجون في الشارع، وتشير التقديرات إلى أن هؤلاء لا يزيدون عن 40 ألف شخص، هذا خطأ".
وأضاف أن "الرقم غير مهم هنا. عندما تريد الاحتجاج في منطقتك أو جامعتك أو أي بيئة أخرى، فأنت تنظر دائمًا إلى ما يعتقده الآخرون ويتصرفون به،. لذلك في رأيي عدد المتظاهرين غير مهم، ولكن المهم عدد الأشخاص الصامتين".
عبدي تابع قائلا: "أولئك الذين لديهم مطالب، لكنني لا أعتقد أنهم لم يأتوا بسبب خوفهم، ولكنهم يبحثون بهدوء عن فكرة ليخرجوا بها ويدعموها".
aXA6IDE4LjExOC4zNy44NSA= جزيرة ام اند امز