تكتيكات التسلل.. خارطة إيران لوكلائها في قلب أوروبا
«اغتيالات واختطاف وترهيب» ملامح هجمات إيرانية تصاعدت وتيرتها في الآونة الأخيرة، وضعت القارة العجوز هدفا لها، ومن «الشبكات الإجرامية» ساعدا لتنفيذها.
هذا ما أكده تقرير لمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، أشار فيه إلى أن هناك «زيادة ملحوظة للعمليات الخارجية الإيرانية في جميع أنحاء العالم خاصة في أوروبا، جاءت بتكليفات من الحرس الثوري ووزارة الاستخبارات والأمن الداخلي الإيرانية.
أين تمركزت العمليات الإيرانية؟
وتعكس الأرقام التي تتحدث عن النهج الإيراني «سلوكا متناميا في التهديدات الأمنية التي تمثلها إيران للدول الأوروبية»، بحسب المعهد الذي نقل في تقريره الأخير عن المدير العام لجهاز المخابرات البريطاني كين مكالوم، قوله إنه منذ يناير/كانون الثاني 2022 تعاملت السلطات البريطانية مع 20 مؤامرة مدعومة من إيران استهدفت مواطنين ومقيمين في المملكة المتحدة.
وأضاف أن "الجهات الفاعلة الإيرانية تستخدم المجرمين بشكل واسع النطاق كوكلاء، بدءاً من تجار المخدرات الدوليين إلى المحتالين من المستوى المنخفض"، حسب تقرير المعهد.
- خليفة نصر الله.. كيف قُتل هاشم صفي الدين؟
- 3 عسكريين جدد.. ضربات إسرائيل ترفع حصيلة قتلى جيش لبنان وأمريكا تحذر
استهداف مسؤولين أمريكيين
وتُعد العمليات الخارجية الإيرانية «تكتيكاً تستخدمه طهران للتعامل مع عدة تهديدات مختلفة تراها موجهة ضد نظامها»، يقول المعهد، مشيرًا إلى أن إيران «تستهدف مسؤولين أمريكيين حاليين وسابقين للانتقام من مقتل قائد قوة القدس قاسم سليماني في يناير/كانون الثاني 2020».
كما تستهدف مسؤولين ورجال أعمال إسرائيليين، وكذلك الأمر بالنسبة لرجال الأعمال اليهود البارزين في أوروبا والولايات المتحدة، بالإضافة إلى المعارضين والصحفيين الإيرانيين في الخارج الذين «يمكّنون الإيرانيين من تحدي النظام الثوري»، حسب تقرير المعهد.
وأشار إلى أن المعطيات المتوافرة تشير إلى أن «هناك إصرارا إيرانيا على استهداف اليهود والإسرائيليين وغيرهم في جميع أنحاء أوروبا، عبر استخدام كيانات الجريمة المنظمة منها فوكس تروت ورومبا غطاءً».
استخدام دوائر إجرامية
وإلى ألمانيا، التي ضربتها المخططات الإيرانية، ذكر تقرير المعهد أنه في سبتمبر/أيلول الماضي، كشفت ألمانيا وفرنسا عن «عملاء إيرانيين -كانوا يتعاملون عبر تجار مخدرات أوروبيين يعيشون في إيران- وظفوا مجرمين أوروبيين لتنفيذ عمليات مراقبة لليهود وللشركات اليهودية في باريس وميونخ وبرلين خلال الأشهر القليلة الماضية».
وبعد اعتقاله، اعترف مجرم فرنسي بأنه «تقاضى ألف يورو لالتقاط صور لمنزل أحد الأهداف في ميونخ في أبريل/نيسان»، الأمر الذي وصفته فرنسا بأن «إيران تفضل الآن بشكل أكثر منهجية استخدام أشخاص من الدوائر الإجرامية، لتنفيذ هجماتها في الخارج».
وخلص تقرير المعهد وفق تحليل بيانات قام بها، إلى أنه في أعقاب مؤامرة تفجير إيرانية فاشلة خارج باريس في 2018، استغل«الحرس الثوري، ووكالة الاستخبارات الإيرانية، بشكل متزايد الشبكات الإجرامية كوكلاء لتنفيذ هجمات في الخارج، بهدف إبعاد طهران عن تلك العمليات».
إرهاب معارضي النظام
«النشاط الإجرامي» الإيراني -وفق تقرير المعهد-، «تنامى بصورة كبيرة على مدار السنوات الخمس والأربعين التي أعقبت الثورة الإيرانية، بهدف إرهاب معارضي النظام في جميع أنحاء العالم».
ومن خلال تحليل البيانات الخاصة بالعمليات الإيرانية «الإجرامية»، فمن بين 218 «مؤامرة في مجموعة البيانات الإجمالية التي تغطي الفترة من 1979 حتى اليوم، وقعت 102 منها في أوروبا».
وارتفعت وتيرة النشاط العملياتي الإيراني في أوروبا، حيث وقع أكثر من نصف هذه المؤامرات (54 حالة) بين عامي 2021 و 2024.
وركزت هذه العمليات على استهداف معارضي النظام الإيراني (34 حالة)، كما استهدفت المواطنين والدبلوماسيين الإسرائيليين (10 حالات) واليهود (7 حالات). علاوة على ذلك، من بين هذه المؤامرات الـ54، تضمنت 16 حالة استخدام مجرمين لتنفيذ الهجمات. واستهدفت 6 من هذه الحالات معارضين أو صحفيين إيرانيين، واستهدفت سبع حالات دبلوماسيين إسرائيليين أو سفارات، بينما استهدفت 4 حالات يهود أو مؤسسات يهودية، حسب تقرير المعهد.
كيف يتم استخدام «المجرمين»؟
تقرير المعهد تطرق إلى استراتيجية طهران في «تجنيد المجرمين»، مؤكدا أن الحكومة الإيرانية تستخدم بشكل متزايد «تجار المخدرات وغيرهم من المجرمين في إيران، كوسطاء لتجنيد مجرمين لتنفيذ هجمات في الخارج».
ودلل التقرير على ذلك، بقضية «أوميت ب»، وهو تاجر مخدرات من منطقة ليون في فرنسا ذي أصول تركية، وتُفيد بعض التقارير بأنه يعمل الآن من إيران.
وذكرت دير شبيغل الألمانية أنه وفقاً للاستخبارات الغربية فإنه يُسمح له بالاختباء في البلاد بعيداً عن متناول المحققين الأوروبيين، وفي المقابل يساعد النظام في التخطيط لهجمات ضد اليهود والإسرائيليين".
ويتشابه ذلك وفق تقرير المعهد مع حالة ناجي إبراهيم زندشتي، الذي وصفته وزارة الخزانة الأمريكية بأنه «تاجر مخدرات مقيم في إيران، يدير شبكته الإجرامية العديدة من عمليات القمع العابرة للحدود، بما في ذلك الاغتيالات والاختطافات عبر ولايات قضائية متعددة في محاولة لإسكات منتقدي النظام الإيراني».
وتُظهر البيانات أن «إيران تستفيد بشكل متزايد من هذه الشبكات الإجرامية في عملياتها الدولية. ولا تستخدم الأفراد الذين لديهم ماض إجرامي فحسب، بل جماعات الجريمة المنظمة أيضاً»، حسب تقرير المعهد.
«عصابات منظمة»
و«تستغل إيران بشكل متكرر بعض العصابات الإجرامية المنظمة البارزة»، مثل: "فوكستروت" و"هيلز أنجلز" و"رومبا"، لتنفيذ هجمات ضد أهداف إسرائيلية ويهودية في جميع أنحاء أوروبا، حسب تقرير المعهد.
ففي السويد، عُثر على قنبلة يدوية غير منفجرة داخل مبنى السفارة الإسرائيلية في ستوكهولم في يناير/كانون الثاني 2024. وبعد بضعة أشهر، كشفت أجهزة الاستخبارات السويدية والإسرائيلية أن الهجوم كان بتخطيط جماعة "فوكستروت" للجريمة المنظمة بتوجيه من إيران، وفق المعهد.
وفي مايو/أيار الماضي ، ألقى أحد عملاء "فوكستروت"، بناءً على تعليمات إيرانية، قنبلتين يدويتين على السفارة الإسرائيلية في بروكسل. وفي ألمانيا، «جند الحرس الثوري الإيراني زعيم عصابة هيلز أنجلز الفار رامين يكتابرست، الذي يحمل الجنسيتين الألمانية والإيرانية، لتنظيم هجمات إرهابية تستهدف معابد يهودية في ألمانيا، واحدة في بوكوم والأخرى في إيسن في عام 2021».
وبالإضافة إلى تنفيذ الهجمات، حذرت حكومات أجنبية مواطنيها من أنشطة مراقبة تقوم بها عصابات «إجرامية نيابة عن الحكومة الإيرانية».
خريطة إجرام الوكلاء
ومع وقوع 54% من العمليات الخارجية الإيرانية بين عامي 2019 و2024، تزايد اهتمام المسؤولين والحكومات الأجنبية بـ«المؤامرات الإيرانية»، حسب تقرير المعهد.
ورداً على العمليات الإيرانية العالمية، حذرت ما لا يقل عن 12 دولة عبر 5 قارات مواطنيها من التهديدات الإيرانية.
كما حذرت عدد من الدول مواطنيها من العمليات الإيرانية المستمرة على أراضيها وطردت دبلوماسيين إيرانيين نتيجة لذلك.
ففي عام 2013، وفقاً لصحيفة «ديلي نيشن» الكينية، أبلغت السفارة الإسرائيلية في نيروبي وزارة الخارجية الكينية أن إيران وحزب الله «تجمعان معلومات استخباراتية عملياتية وتظهران اهتماماً مفتوحاً بالأهداف الإسرائيلية واليهودية في جميع أنحاء العالم بما في ذلك كينيا».
وفي عام 2020، طردت ألبانيا، الدبلوماسيين الإيرانيين في بلادها؛ بينهم السفير الإيراني بتهمة «الإضرار بالأمن القومي وانتهاك المركز الدبلوماسي».
وفي عام 2022، أصدرت الشرطة الملكية التايلاندية، أمراً بالبقاء في حالة تأهب بسبب وجود جواسيس إيرانيين اعتُقد أنهم متواجدون في المنطقة لجمع معلومات استخباراتية عن تحركات المعارضين الإيرانيين.
وفي العام نفسه، أعلن كين مكالوم، مدير جهاز المخابرات البريطاني MI5، أنه بين 1 يناير/كانون الثاني و16نوفمبر/تشرين الثاني 2022، خططت أجهزة الاستخبارات الإيرانية ما لا يقل عن عشر مرات لاختطاف أشخاص في المملكة المتحدة واغتيالهم، بمن فيهم مواطنون بريطانيون تعتبرهم طهران "أعداء للنظام".
كما أشار جهاز الاستخبارات الكندي في تقريره السنوي لعام 2023 إلى أن "إيران ستواصل استهداف أعدائها المفترضين حتى وإن كانوا يعيشون في دول أجنبية" وأن "الأنشطة المرتبطة بالتهديد الإيراني الموجهة ضد كندا وحلفائها ستستمر على الأرجح في عام 2024". وفي الآونة الأخيرة، ألقت السلطات الأمريكية القبض على مواطن باكستاني بتهمة التخطيط لتجنيد مجرمين لاغتيال مسؤولين أمريكيين بارزين داخل الولايات المتحدة.
موقف غربي
ورجح تقرير المعهد استمرار كل هذه العوامل الدافعة للعمليات الخارجية الإيرانية، في الوقت الذي تستمر دوافع إضافية في الظهور، وعلى نحو متزايد، تسعى طهران إلى إيجاد سبل لتنفيذ عمليات بطريقة تتيح لها إنكار مسؤوليتها لتقليل احتمالية الرد المباشر عليها.
ونتيجة لذلك، يظهر أن «إيران تفضل الآن بشكل واضح استخدام وسطاء لتنفيذ مؤامراتها - عادة من المجرمين، لكن أيضاً من مزدوجي الجنسية المرتبطين بجماعات شيعية متشددة مرتبطة بشبكة وكلائها».
وشدد معهد واشنطن على ضرورة وجود «تضامن دولي في مواجهة تنامي الجرائم الإيرانية العابرة للحدود، والاستجابة لدعوة السويد بسرعة تصنيف الحرس الثوري منظمة إرهابية».
aXA6IDUyLjE1LjIyMy4yMzkg جزيرة ام اند امز