ضرب كهرباء العراق واستنزاف تيار السياسة.. إيران بدائرة الاتهام
رغم أن استهدافات أبراج نقل الطاقة في العراق أمر ليس بالجديد، إلا أن حجم الهجمات بعد تجاوزها الـ70 عملية خلال أسبوعين يفتح هذا الملف، ويدفع بجملة من المؤشرات والدلائل التي لا تخل من اتهام وتورط جهات سياسية على المستوى المحلي والإقليمي.
حتى مساء الأحد، كانت التفجيرات تطال أبراج نقل الطاقة فائقة القدرة، بالتزامن مع جملة من الإجراءات المشددة من قبل السلطات الأمنية لتأمين حمايتها من الاستهدافات، بينها اعتماد الطائرات المسيرة والمروحيات التابعة للقوة الجوية، فضلاً عن إسناد ذلك الملف إلى قيادة العمليات المشتركة.
ويبدو أن الإجراءات الاحترازية الأخيرة من جانب السلطات العراقية لم تشفع لأبراج نقل الطاقة، في وقت تشهد عدد من المدن العراقية تظاهرات ساخنة منذ خمسة أيام، احتجاجا على تردي المنظومة الكهربائية والهجمات التي راح ضحيتها 18 شخصاً، بينهم 7 قتلى بحسب بيان لخلية الإعلام الحكومي.
وفيما لا تزال الجهات الأمنية تسند التفجيرات التي طالت أبراج الكهرباء، إلى أعمال إرهابية يعتمدها تنظيم داعش لإرباك الوضع العام في البلاد، إلا أن مسؤولين ومعنيين بالشأن يرجعون تصاعد تلك الهجمات إلى دوافع سياسية بحتة تقف وراءها جهات في الداخل العراقي وترتبط بأجندات خارجية.
عدو مدرب
المحلل السياسي العراقي علي الكاتب يرى أن التوقيت في تكثيف الهجمات لإسقاط منظومة الطاقة الكهربائية في العراق مقصود ومخطط له، بطريقة تجعل من الصعب العثور على أي دلائل تقود إلى الجهات التي تقف وراء تلك الأعمال.
بالتالي، حسب "الكاتب"، "نحن أمام عدو مدرب بشكل عال وله القدرة على اختراق جميع التحصينات، لذا فإن هكذا نوع من مستويات الاستهداف غريب على عقلية تنظيم داعش التي تتهم بمهاجمة أبراج الطاقة".
ويوضح "الكاتب"، خلال حديث لـ"العين الإخبارية"، أن التعرض لمنظومة الطاقة الكهربائية في ظل ارتفاع درجات الحرارة ما هي إلا محاولة لخلط الأوراق وتوجيه وحرف الرأي العام نحو مسارات معينة، بغرض التغطية على الكثير التحركات التي تجري في البلاد لبعض من القوى السياسية ذات الأجنحة المسلحة.
ويلفت إلى أن "ملف الطاقة الكهربائية في عمقه الغاطس ذو جذور سياسية أكثر مما هو مشكلات واحتياجات فنية، وقد استخدم طيلة العقدين في توريد الأموال الطائلة لقوى وكيانات سياسية معروفة الولاء والغطاء حتى أصبحت اليوم ترسانات مسلحة ومالية تمتلك تشكيل وصنع القرار في العراق".
ويتساءل "الكاتب" مستغرباً: "هل من المنطق واللائق عقلياً وعملياً أن تخفق السطات الأمنية بما تمتلكه من قوة وعدة في وقف نزيف الأبراج، إذا كان من يقف وراء تلك الهجمات جهات أو جماعات منفردة؟".
وزاد بالقول: "لو نظرنا إلى من المستفيد والخاسر من تراجع قطاع الكهرباء وتثوير المواطنين ودفعهم إلى الشارع، عندها سنضع أصابعنا على دائرة الجناة والفاعلين".
أبعاد سياسية
متفقا إلى حد كبير مع ما ذهب إليه "الكاتب" يرى النائب عن لجنة الطاقة النيابية عبدالخالق العزاوي أن ما يجري من استهداف للإطاحة بالكهرباء "عمل ممنهج وأبعاده سياسية بامتياز".
ويشير العزاوي إلى أن "تلك الهجمات المكثفة والمستمرة منذ أيام تثير التساؤلات ونقاط الاستفهام في كيفية استمرارها، رغم أن الكثير من خطوط النقل الفائق مؤمنة ويصعب استهدافها من قبل تلك الجماعات".
ويضيف العزاوي خلال حديث لـ"العين الإخبارية"، أن أزمة الكهرباء في العراق وتداعياتها الأخيرة تأتي بنحو 70% منها ضمن أبعاد سياسية، وهي في الوقت ذاته أعمال تخريبية تسعى إلى الإساءة للدولة وتخريب الاقتصاد الوطني.
ويردف بالقول: "ما يحدث يحمل أبعاداً داخلية وخارجية لتحقيق غايات وأهداف سياسية، كما هو مؤشر وواضح بحسب طبيعة الموقف الآني".
إيران ليست بعيدة
يعيد الخبير الأمني العراقي مازن محمد قراءة الأحداث التفجيرية التي تتعرض لها منظومة نقل الطاقة الكهربائية في العراق بربطها بمجموعة من التفاعلات سياسية على الصعيد المحلي والدولي، خصوصا ما يتعلق بالتمدد الإيراني في المنطقة والأزمات التي تعصف باستقرار نظامها السياسي.
ويبين محمد خلال حديث لـ"العين الإخبارية"، أنه "بات من الواضح للجميع الرغبة الإيرانية في ابتلاع العراق سياسيا واقتصاديا ومذهبياً، وقد عملت على صناعة الأذرع والكيانات المؤثرة في قرار بغداد ما بعد 2003 وبالتالي ربط البلاد واستقرارها بوريد طهران والتحكم في ضبط إيقاعه من خارج الحدود".
وتابع أن "الاقتصاد والطاقة في العراق ملفات جرى تشبيكها مع إيران بحرفية عالية، خصوصا ما بعد العقوبات الدولية المفروضة على طهران إزاء برنامجها النووي المثير للجدل، بغية إيجاد معالجات لوضعها الاقتصادي المتأزم يوماً بعد يوم".
ويؤكد الخبير الأمني أن "ربط الطاقة الكهربائية في العراق بالغاز وخطوط الدعم الإيراني جاءت كجزء من مخطط كبير لاستهلاك أموال البلاد من جهة، واستخدام ذلك الملف في الضغط سياسيا على حكومة بغداد لتحقيق ما ترغب إليه طهران وبما يعزز من نفوذ مليشياتها".
ويعتمد العراق لسد العجز المحلي على استيراد الغاز في تشغيل محطات التوليد، فضلاً عن خطوط إمداد كهرباء تستهلك من العراق سنوياً أكثر من ملياري دولار.
وحسب "محمد" عمدت إيران إلى قطع خطوط إمداداتها عن العراق بشكل تام خلال الأيام الماضية، بذريعة دفع الفواتير غير المسددة التي بذمة بغداد، مما تسبب بتراجع تجهيز المواطنين بالطاقة الكهربائية وصلت حدود أكثر من 14 ساعة أطفاء في اليوم.
وبشأن اتهام إيران بتلك التفجيرات، والدلالات المؤشرة إزاء ذلك، يضيف الخبير الأمني: "الكثير من المتغيرات تعمق من وجود لطهران في ذلك الأمر بينها، فعلى المستوى الفني واللوجستي بات الربط الكهربائي بين العراق مع دول الخليج قاب قوسين أو أدناه، وهذا ما تعده إفلات بغداد من كماشة طهران في ذلك الملف".
سياسياً، وبعد وصول الرئيس المتشدد إبراهيم رئيسي لسدة الحكم في إيران وما يتمتع به من حظوة لدى مرشد إيران وتصاعد الهجمات بالطائرات المسيرة ضد مصالح الولايات المتحدة في العراق، باتت الاستراتيجية الإيرانية واضحة المسار والبيان في استخدام كل شيء لكسر عزلتها الدولية والتخفيف من عقوباتها الاقتصادية بتطويع بغداد بما يحقق ذلك، سواء كان في الجانب الاقتصادي أو السياسي، باعتبار أن الأخيرة منطقة تصادم وتنازع مصالح مهمة بين واشنطن وطهران. حسب الخبير الأمني العراقي مازن محمد.
aXA6IDMuMTQ0LjEwOC4yMDAg جزيرة ام اند امز